#مقالات رأي
د. نرمين نحمدالله 3 مارس 2024
تزهر أينما حلت.. لا تطلب السقيا؛ قانعةً بأملها في المطر عطيّة السماء.. تبوح بشكواها سراً لقطرات الندى على بتلاتها كل صباح، لكنها تعلن للدنيا في الظهيرة أنها بخير.. لا يضيق بأشواكها عابر سبيل.. فقط من تمتد لها يده بأذى.. تعرف وجهتها جيداً.. تميل حيث تميل الشمس.. وتنام متى تنام.. لا تكره الليل بل تعتبره صديقها، الذي يسدل عليها جلباب ستره، ويلوّن أوراقها بخضرة «صبر»، تميزها عن سواها.
هي امرأة من زيتون!
شجرة حبها تعمر لألف ألف عام.. يستظل بها ألف ألف عابر.. تُؤوي من ضلَّ، وترشد من زلَّ.. غصنها يتَّقد بقوة متى اشتعل؛ فيضيء بعد ظلمة.. يُؤنس بعد وحشة.. ويدفئ بعد طول برد..
زيتها وهاج لا يخفى عن عين راءٍ.. يَشفي من ألم، ويُبرئ من سقم..
ترفع في وجه الريح رسالة سلام.. وتمدُّ في الأرض جذور أصالتها.. تتراقص أغصانها، لكنها لا تسقط أبداً!
هي امرأة من قطن!
يجبرك عناقها على أن تسأل: «كيف لضيق ذراعين أن يكون بسعة الأرض، ورحابة السماء؟!».. تريحك نظرتها كأن زورقاً في حدقتَيْها يتهادى بك على نهر حنانها.. يطربك صوتها كأنما سكنته حوريات الجنان.. نعومتها سرُّ أمومتها.. وأمومتها سرُّ أنوثتها.. وأنوثتها سرُّ سحرها.. وسحرها لا يبطل أثره أبداً..
هي الساحرة الناعمة الدافئة الحنون، التي تربعت فوق أعلى عرش الأنوثة! معها تظن أن الجمال قبلها كان يتدرب ويتمرن؛ حتى إذا سكنها احترف وأتقن!
هي امرأة من نور ونار!
تضيء لأجلك درباً، وتشعل لأجلك حرباً! لا ظلمة في حضرتها، ولا وحشة في كنفها.. عدوها البرد.. تجهله ويجهلها! فبدفئها تحمل براءة الاختراع لأول ابتكارات العبقرية المختزلة في ابتسامة وعناق!
هي امرأة من سكر!
تعرف كيف تضبط مزاج قهوتك.. ونكهة شايك.. لها بالحكمة ملعقة لا يخيب معيارها.. حين يقال: «يا مر الحزن!»؛ تفرش شالها على كتف الهموم؛ فيستحيل علقمها شهداً.
هي امرأة من ريش!
تحلق أجنحتها في سماء لا تعترف بسلطة الضباب.. تخاف منها نسور اليأس، وترهبها غربان الخيبة.. وتؤنسها وشوشة نورس أبيض بأن الحلم الذي يحمله جناحٌ كجناحها لا ينكسر أبداً.
هي امرأة لا ينجبها العمر مرتين.. تحتضن أوله، وتضم أوسطه، وتعانق آخره.. تتراقص خطواتها على ساحات الروح باسطة هيمنتها التي لا تشبهها هيمنة!.. جبروتها لا يشبهه إلا حنانها.. وحنانها لا يشبهه إلا جبروتها.. تبتعد مهما تبتعد فتكون الأقرب من كل قريب.. ينسانا الزمان، ولا ننساها.. تلهينا أحاجي الدنيا فلا ينطمس لها أثر، ولا يبهت للؤلؤتها بريق.. يسمونها «أماً»، وأسميها «حياة»!