#صحة
نوال نصر 7 مايو 2020
قلب خبر انتشار فيروس كورونا المستجد «كوفيد 19» حالها رأساً على عقب، معززاً الحالة التي تلازمها مثل ظلها منذ أعوام، ودفعت المحيطين بها إلى وصفها بـ«المرأة ذات الوسواس المرضي». فاتن، ابنة الثامنة والعشرين ربيعاً، يكاد يقتلها الوسواس. هي تغسلُ يديها على وقع الدقائق، والأفكار السوداء تلوح في أفكارها وأمام عينيها، كما مسلسل طويل لا ينتهي، وخوفها الدائم من مرض داهم يمنعها من أن تعيش اللحظات الجميلة. فهل هي مريضة نفسية؟ هل الأوجاع المتحركة التي تشعر بها صبحاً ومساءً وهمية؟ وهل سيأتي يوم تقتنع فيه بأن كلّ فيروسات الأرض ستتدمر أمامها إذا تحلّت بأمرين: المناعة الجسدية والسلامة الفكرية؟
فيروس مستجد
لا يختلف اثنان على أن أيّ فيروس مستجد يُرعب من يسمع به ومن يشعر بأنه في نطاق حراكه وتحت قبضته، لكن ما يُعدّ غير طبيعي هو أن يعيش الإنسان ارتدادات الوسواس من فيروس داهم، ومرض يقترب وألم وهمي وتوقعات بدنو الأسوأ صحياً. وحالة فاتن واحدة من حالات كثيرة، عبثاً يقتنعن بعدم جدوى قياس ضغط الدم مرات يومياً، وحرارة الجسم صبحاً ومساءً، وإجراء فحوص دم مخبرية عامة كلّ شهرين، ورعب عيش هستيريا الخوف من الاختلاط بمريض أو انتقال عدوى ما من مريض.
البروفيسور سامي ريشا، رئيس الجمعية الفرانكوفونية للمرضى النفسيين في لبنان، يتحدث عن معاناة نحو 17 من الناس، في مرحلة ما من حياتهم، من مرضٍ نفسيٍّ ما، وهناك نحو 2 يعانون جدياً الوسواس القهري. والخوف من المرض نوع من الوساوس، وطبيعي أن يرتفع منسوب هذا النوع من المخاوف بين العموم، حين يسيطر وباء ما على مناطق مختلفة من الكرة الأرضية المفتوحة على بعضها، لكن المشكلة تشتد وتصبح مرضية حين ترافق حياة الإنسان، في كل الحالات والمجالات، وتعوق متابعة حياته بشكل عادي. لا تنتهي القصة عند هذا الحد بل تتطور إلى شعور دائم بالقلق، وكلنا نعلم أن القلق يضاعف من أمراض السكري وضغط الدم والقلب.
رهاب الخوف
يتحدث البروفيسور ريشا عن أكثر من 450 مرضاً نفسياً في العالم، لعلّ الاكتئاب أهمها، لأنه إذا أهمل فقد يؤدي إلى الانتحار.. ما عاشه كثيرون من «هلع» بسبب فيروس غير واضح المعالم، أرخى بثقلِهِ على من كانوا يعانون أساساً «الوسواس القهري»، خاصة أن أخبار انتشار فيروس ايبولا في أفريقيا لم تُنسَ بعد، حيث اضطرت الولايات المتحدة الأميركية، على سبيل المثال، إلى مواجهة مرض «رهاب الخوف» بين مواطنيها.
دائرة الخطر
يقول البروفيسور ريشا عن طرق التعامل مع ردود أفعال الناس من «الوساوس» الأخرى التي لا ترتكز على حدث آني، استدعى الهلع، أن علماء النفس درسوا بعمق كيف ينظر البشر إلى الخطر الذي يباغتهم ويُعزز الوساوس في نفوسهم، والحالات التي تجعلهم يبالغون في رد أفعالهم على الأوبئة والفيروسات وغيرها من الأحداث المفاجئة، حتى لو لم يكونوا في الأصل في دائرة الخطر، وهؤلاء يقلقون من التهديدات الجديدة، مثل ايبولا وإنفلونزا الطيور وكورونا، أكثر من قلقهم من التهديدات المألوفة من حروب وحوادث سير. ووجد هؤلاء أن ما تحتاج إليه فاتن وأمثالها، هو أن يجدوا من يتحدث معهم بصراحة، كمصدر موثوق به في المسائل التي «ترعبهم»، وتبعث في نفوسهم الوساوس، في سبيل احتواء مخاوفهم وتوجساتهم. هذه الفئة من الناس تحتاج إلى من يفهم معاناتها ويساعدها على تعلم كيفية التحكم في القلق تجاه الأحداث وتجاه الأعراض التي يشعرون بها أو يخالون أنهم يشعرون بها.
أعراض مرضية
المثير في حديث البروفيسور ريشا أن الخوف من المرض يسبب أعراضاً مرضية!، موضحاً: «من يخشون نفسياً من الإصابة بمرض خطير قد يعانون أعراضه الجسدية، فالقلق المستمر يمكن أن يُطلق هرمونات الإجهاد الضارة التي تسبب أضراراً جسدية حقيقية. والأسوأ أن من يعانون مستويات عالية من القلق بشأن صحتهم هم أكثر عرضة من غيرهم لخطر الإصابة بأمراض القلب».
في كلِّ حال، الهلع الناتج عن مواقف معينة، ولنأخذ مثالاً حالة فيروس «كوفيد 19» قد يواجهه كثيرون، خصوصاً فاتن وأمثالها، بالبكاء وبنوبات غضب أو ربما بالمكوث طويلاً بلا حراك أو أي إنتاج، وقد تدوم هذه الحالات نحو ستة أشهر يعود بعدها الإنسان ليندمج مجدداً في الحياة العادية من دون أن يتخلى طبعاً من يعاني الوسواس من توجساته بأن ما حصل قد يتكرر.
وسواس مرضي
بإمكانكم محاربة الوسواس المرضي، عبر الانضمام لصفوف رياضة اليوغا التي لها فعالية كبيرة في تحسين المزاج. فضلا عن اتباع النقاط التالية:
• حاولوا أن تناموا أكثر، لأن قلة النوم والأرق يزيدان منسوب الكآبة.
• انتبهوا إلى مستوى سكر الدم في الجسم، لأن انخفاضه ونقص الصوديوم يؤديان إلى تصرفات غريبة.
• اختبار بسيط للغدة الدرقية قد يفيد، لأن انخفاض مستوى عمل هذه الغدة يمكن أن يسبب تغيرات في المزاج.
• حين تشعرون بالاكتئاب والضعف، اتصلوا بصديق حتى ولو كنتم تشعرون بالحاجة إلى الوحدة. عزل النفس يعزز المشكلة.
• إذا كان في العائلة حالة سابقة من ذهان ما بعد الولادة، أخبروا الطبيب من أجل وضع خطة مبكرة في سبيل منع حدوث أي مشاكل.