#منوعات
لاما عزت الثلاثاء 1 ابريل 08:00
في عوالم الضوء والظل، وبين الأثر الإنساني والزمن المتحول، تنسج الفنانة الإماراتية، لمياء قرقاش، سردياتها البصرية، حيث تتحول المساحات المهجورة إلى مشاهد حية، تنبض بالتاريخ والهوية. إنها لا تلتقط الصور فحسب، بل تعيد رسم الزمن عبر عدستها، لتوثّق لحظات الانتقال والتغير، التي تغفلها العين العابرة، لكنها تترك أثرًا في الذاكرة لا يُمحى. لمياء قرقاش ليست مجرد مصورة وثائقية؛ بل هي راوية قصص، تلتقط ما هو غير مرئي، وتحول التفاصيل البسيطة إلى تأملات عميقة في الهوية، والحداثة، والفناء. فمن دراستها في لندن، إلى مشاركاتها البارزة في «بينالي البندقية»، ومعارض دولية أخرى، تتنقل بين الحداثة والتراث، وتمزج الفن بالتوثيق، والحنين بالبحث، والتجريد بالعمق.. في هذا الحوار، تفتح لنا لمياء قرقاش - التي تزين غلاف «زهرة الخليج»، متألقةً بمجوهرات فاخرة من دار «مارلي نيويورك» (Marli New York) - أبواب رؤيتها، وتأخذنا في رحلة داخل فلسفتها الفنية؛ لنغوص في عمق التجربة، ونكتشف كيف يمكن لصورة أن تحفظ أثرًا أبدياً للحظة عابرة:
-
قرط Cleo Twist by Marli مرصع بالألماس - عقد Cleo Twist by Marli مرصع بالألماس - كلاهما من Marli New York - الأزياء من By Rema
هوية.. وذات
بعيدًا عن الألقاب المهنية والفنية.. من لمياء قرقاش على المستوى الشخصي؟
أنا إنسانة، أستثمر في الجمال من حولي. وفي القصص الإنسانية، التي تحتويني، فأجد السرد الإنساني المتجسد في تفاصيل الحياة اليومية مصدر إلهام واهتمام. إنني دائماً في رحلة لا تنتهي من الاكتشاف والإبداع، فهي طريق بلا نهاية، وأنا أحب أن أُشعل شغفي، وأثقف نفسي، وأنا أواصل المسير. إن رحلة الاكتشاف أكثر متعة من الوصول إلى النتيجة النهائية؛ فالناس الذين نلتقيهم، والقصص التي نتفاعل معها على طول الطريق، هم من يمنحون هذه الرحلة قيمتها الحقيقية. ويمكنني القول بأنني شخص حساس للغاية، ولديَّ رؤية فريدة للعالم، وأكرّم هذه النظرة، وأحتفي بها.
هل تشعرين، أحيانًا، بأن الفن وسيلة لاكتشاف نفسكِ، أكثر من التعبير عن الآخرين؟
الفن أحد أعمق أشكال التعبير الإنساني، فهو لغة ومرآة في آنٍ، فالفن ليس مجرد وسيلة للتعبير عن الآخرين، بل هو أيضًا رحلة لاكتشاف الذات. إنه مرآة تعكس مشاعرنا العميقة، وتساؤلاتنا، وتناقضاتنا الداخلية؛ فحينما نمارسه لا ننقل فقط ما نراه أو نشعر به، بل نخوض حوارًا داخليًا، يفتح آفاقًا جديدة للفهم والتأمل. فالفن لا يمنح إجابات نهائية، بل يثير تساؤلات، ويدعو إلى اكتشاف أبعاد غير ملموسة في ذواتنا.
إذا كان بإمكانك العودة بالزمن إلى لحظة معينة في حياتكِ، فأي لحظة ستختارين، ولماذا؟
لطالما وجدتُ التاريخ أمرًا ممتعًا وعميقًا، فالقصص التي يتركها الناس وراءهم، وإرثهم، وبصماتهم، وهوياتهم، التي تتجلى من خلال التفاصيل؛ تظهر بعد عقود، أو سنوات، أو أيام، أو دقائق. ومن المذهل أن ندرك أن إنسانيتنا تدفع هذا العالم إلى الأمام؛ فهي السبب وراء اشتعال الشغف، وتحديدنا للأهداف؛ لنواصل المسير عبر الحياة بوعي ونيّة، مدفوعين بحماسة الاكتشافات الجديدة. لطالما راودتني فكرة العودة بالزمن مئات الأعوام إلى الوراء؛ لأعيش بساطة الحياة، التي لطالما حلمت بها. ففي هذا الزمن كان القليل كثيراً، حيث الانسجام الكامل مع الذات دون تشتت، أو تكنولوجيا متقدمة، ما يسمح للفرد بأن يكون غارقًا في ذاته حقًا. وأن يكتشف العالم ليس من خلال شاشة هاتف، بل عبر الانخراط العميق في جوهره الحقيقي.
-
قرط Tip-Top Link Statement مرصع بالأكوامارين/ عقد Tip-Top Link Statement مرصع بالأكوامارين.. كلاهما من Marli New York
بدايات.. وتأثيرات فنية
كيف أثرت نشأتك بالإمارات في أسلوبك الفني، ونهجك بالتصوير الفوتوغرافي؟
لقد شكّلني وطني، وكان مصدر إلهامي الرئيسي؛ فقد صاغني بما أنا عليه اليوم، ومنحني الحرية لأكون على طبيعتي في عالم يدفعنا - باستمرار - لنكون شيئًا آخر؛ فتتحوّل تجاربنا – إيجابية أو سلبية – إلى فصول في حياتنا. وبينما تضيف كل مرحلة جديدة طبقات أخرى، وتواصل تشكيلنا، يظل جوهر «من نحن عليه» ثابتًا لا يتغير. إنني أحتفي بنفسي، وبجذوري، وهويتي في عالم يحاول، غالبًا، طمس وجودنا. منذ أن بدأت رحلتي في التصوير الفوتوغرافي، مع مرور الوقت، ومع التغيرات التي مررت بها، من الأمومة إلى التحديات؛ أدركت أهمية التقاط التفاصيل، التي تعكس التحولات الحتمية للحياة. فقد علّمتني التجارب أن الهوية لا تُخفى، بل تُحتضن، وأن لكل منا صوتًا فريدًا يستحق أن يُسمع. اليوم، أسعى إلى غرس هذه القيم في أطفالي، لأساعدهم على التميّز والفخر بجذورهم وهويتهم، بدلاً من الانصهار في ثقافات أخرى لا تناسبنا.
تأثرت أعمالك بالمساحات المهجورة، والتغيرات السريعة في المشهد الثقافي.. ما الذي دفعك إلى هذا الاتجاه الفني؟
أعمالي لا توثق المساحات المهجورة فحسب، بل تسرد التجربة الإنسانية الكامنة فيها. ففي عالم يسابق الوقت، أجد الجمال في الترقب، والتفاصيل التي غالبًا تُهمل؛ لهذا أستخدم الكاميرات التقليدية، حيث يمنحني انتظار النتائج إحساسًا مفقودًا في عصر السرعة. كما أن المساحات التي أصورها تحمل قصصًا غير مروية، تدعو المشاهد إلى التأمل والتساؤل عن حكاياتها، ومن مرّ بها. في جوهر عملي، أسعى إلى اكتشاف الجمال الخفي، ودعوة الآخرين إلى رؤية العالم بعيون أكثر وعيًا وعمقًا.
من الفنانون أو المصورون، الذين ألهموك في رحلتك الإبداعية، وكيف ساعدتك دراستك في «سنترال سانت مارتينز» على تطوير رؤيتك الفنية؟
خلال دراستي، شجعني أستاذي الراحل، طارق الغصين، على أن أكون صادقة وأصيلة في عملي، وهو دعم أثّر في مسيرتي بشكل عميق. كذلك، تأثرت بفنانين آخرين، ومنهم الفنانة والمصورة الألمانية كانديدا هوفر Candida Höfer، التي ألهمتني بفهمها للسرد المعماري، والغياب في المساحات. وقد ساعدتني دراستي في «سنترال سانت مارتينز» على توسيع آفاقي، والخروج من منطقة الراحة إلى اكتشاف ذاتي بعمق أكبر. اليوم، أبتكر الفن تعبيرًا عن حقيقتي، وليس لإرضاء الآخرين؛ لأن لكل شخص صوته الخاص، الذي يستحق أن يُحتفى به.
-
قرط Cleo Jazz Statement من الألماس / عقد Cleo Jazz Statement من الألماس.. كلاهما من Marli New York / الأزياء من By Rema
فن.. وهوية
هل التصوير الفوتوغرافي أداة للحفاظ على ذاكرة الأماكن، وهل يخلد الفن اللحظة؟
نعم، إن التصوير الفوتوغرافي وسيلة للحفاظ على ذاكرة الأماكن؛ فالكاميرات التقليدية، خاصة الأفلام، تجبرني على التمهل والتأمل قبل التقاط الصورة؛ ما يعمق علاقتي بالمشهد. هناك لحظة فاصلة في مسيرتي، كانت عندما عدت من لندن، وزرت منزل طفولتي في ديرة بعد سنوات من مغادرته؛ فقد رأيته بعيون جديدة، مليئًا بذكريات منقوشة على الجدران والأشياء المهجورة. ساعتها، أدركت أنني أريد توثيق الجانب الإنساني لوطني، بعيدًا عن الصور النمطية اللامعة. إن الفن لا يوقف الزمن، لكنه يحفظ المشاعر والقصص، ويمنح اللحظات بعدًا أبديًا.
أعمالك تجمع بين الحداثة والتراث.. كيف توازنين بين التقنيات الحديثة والرسائل العاطفية والإنسانية في صورك؟
أوازن بين الحداثة والتراث في أعمالي باستخدام الكاميرات التقليدية، حيث تجبرني حدود الأفلام على التمهل والتفاعل العميق مع محيطي. ومع عدد محدود من اللقطات، أكون أكثر انتقائية، ما يعزز التواصل العاطفي والإنساني في صوري. وفي عالم السرعة والإشباع الفوري، أجد في التصوير الفوتوغرافي بالأفلام وسيلة للعودة إلى الجذور؛ لاكتشاف الجمال في التفاصيل الصامتة، التي تمر دون أن يلتفت إليها أحد. ويتمحور عملي حول الإنسان، بقصصه وبصماته، وهو ما أواصل اكتشافه عبر فنون متعددة، كالنحت والتركيب (Visual Arts Installation)، والفنون البصرية، بحثًا عن جوهر الاتصال الإنساني.
-
قرط Cleo Jazz Statement من الألماس / خاتم Cleo Jazz Statement من الألماس.. كلاهما من Marli New York
معرض «كُن»
يعكس معرض «كُن» رحلة تحوّلكِ الشخصية.. كيف وُلدت هذه الفكرة، وما الدافع الحقيقي وراء تقديمها بهذا الشكل؟
بدأت الفكرة قبل خمسة عشر عامًا برؤية دمج البوصلة واتجاه القبلة في عملي الإبداعي، ليس كرمز ديني، بل كدليل يعكس بحث الإنسان عن المعنى. وباستخدام القماش الذهبي، الذي يتدفق عبر المساحات المختلفة، أستكشف كيف تتحول البيئة عندما تُعطى هوية جديدة، حيث تصبح الروحانية تجربة شخصية وعالمية في آنٍ. ويوجد في قلب العمل تفصيل دقيق - ومقصود في الوقت نفسه - حيث يتم وضع القماش الذهبي، دائماً، في اتجاه القبلة، ليكون بمثابة مرساة من الناحيتين التركيبية والجمالية. هذه هي لمستي الشخصية، التي تؤسس العمل، وتترك رسالته مفتوحة وعالمية. ولا يرتبط المشروع بأي موضوع ديني؛ بل ترمز القبلة إلى نقطة اتجاه، ودليل يعكس الرغبة الإنسانية الفطرية في البحث عن شيء أعظم. وهو يعكس فكرة أن جميع البشر، بغض النظر عن خلفياتهم، يتشاركون التوق إلى المعنى والكمال. فالمشروع امتد من الشارقة ودبي إلى لندن وباث، فصنع رابطًا بين هذه المدن عبر لغة بصرية موحدة. أود أن أشكر فريق العمل في مركز «مرايا»؛ لدعمهم لي ولمشروعي، ولمنحي فرصة إحياء مشروع «كُنْ»، كما أتوق إلى مواصلة توسيع نطاق هذا العمل، وربط وطني بمدن مختلفة في جميع أنحاء العالم، وأنا متحمسة جدّا للرحلات القادمة مع هذه الخامة الذهبية، التي سترافقني بالتأكيد.
صورة.. وسينما
لديك تجارب في مهرجانات سينمائية عدة.. كيف ترين العلاقة بين التصوير الفوتوغرافي، وصناعة الأفلام؟
في البداية، كنت أرغب في متابعة صناعة الأفلام، لكن عائلتي لم تكن سعيدة بهذا القرار، وأتفهم ذلك؛ حيث كانت تلك الأوقات مختلفة جدًا؛ فالفن ووسائل الإعلام والتصميم لم تكن من الوظائف الموثوقة أو التقليدية. فكانت الفوتوغرافيا الخطوة التالية، حيث بدأت أستكشف المناظر الطبيعية، وعلم التصوير السينمائي. وقد شاركت في مهرجانات سينمائية عدة، مثل: مهرجان لوكارنو، ومهرجان دبي السينمائي، وآمل أن أستطيع التوجه إلى عالم السينما في المستقبل، فهناك العديد من القصص التي أريد أن أحييها، والعديد من القصص التي أرغب في التنقل بينها، وسردها.
كامرأة إماراتية في مجال الفنون البصرية.. كيف ترين تطور المشهد الفني في الإمارات؟
المشهد الفني في الإمارات يشهد تطورًا ملحوظًا، حيث أصبح الفن وسيلة لاكتشاف التغيرات الثقافية والإنسانية. ولطالما لعبت المرأة دوراً مهماً في تطور الفنون، فقد تبنت أدواراً مختلفة كمقتنية ومبتكرة وقيّمة ومؤرخة وناقدة فنية، لقد تبوأت المرأة مناصب فنية كبرى، وبعد أن كانت موضوعاً للفن، أكدت حضورها كصانعة له عبر العصور، ومساهمة في تطوره وإثرائه، بأسلوبها ورؤيتها الخاصة. وفي عالم الفن اليوم، يعجبني مشهد دعم النساء لبعضهن، ورسمهن خطوات الجيل القادم بثقة وإبداع.
-
عقد Empire Statement متعدد الطبقات من الألماس/ قرط Empire Statement المفتوح من الألماس.. كلاهما من Marli New York
ما نصيحتكِ للشابات الإماراتيات، اللواتي يرغبن في دخول مجال التصوير الفوتوغرافي، أو الفنون البصرية؟
نصيحتي لجميع المبدعين، بغض النظر عن الجنس والعمر، كونوا صادقين مع أنفسكم، فلا تبتكروا عملاً لمجرد إرضاء الجماهير. وليس من الضروري أن تكون الفكرة كبيرة ومبالغاً فيها لتكون مؤثرة. وأقول لكل طامح: إذا أردت أن تترك بصمتك فاعمل بما تعرفه، واحتفِ برؤيتك وهويتك ومشاعرك. ولا تقدم عملاً فنياً جميلاً فقط، ويُنسى بعد لحظات، ولكن اسعَ إلى جعل العالم يتوقف ويفكر ويتساءل، ويسعى إلى الانخراط في محادثات لا نهائية، واجعل الناس يفكرون، ويشعرون؛ فهذا هو الفن، وما يجب أن تسعى إليه كفنان؛ فالرحلة لا تقل أهمية عن الوجهة.
الفن.. والعائلة
كيف توازنين بين كونكِ فنانة ذات رؤية واضحة، وأمًا مسؤولة عن عائلة؟
تمثل المرأة في الفن العديد من المشاعر والرموز، فهي الحامية، والراعية، والمُلهِمة. إن الأمومة دور أساسي في الحياة، لكنها، أيضًا، مسؤولية تتطلب الدعم والمساندة. أنا محظوظة بعائلة وأصدقاء يقفون بجانبي في رحلتي الإبداعية، لكن التوازن بين الأمومة والفن ليس سهلاً؛ فهناك تحديات وتضحيات، لكنها علّمتني التأمل الذاتي، وإعادة ترتيب الأولويات، حيث يحتل أطفالي دائمًا المركز الأول. كما جعلتني الأمومة أكثر وعيًا بأهمية العناية بالنفس؛ لأن الأم القوية تمنح أطفالها المزيد. وتعلمت، أيضاً، أن «الكيف أهم من الكم»؛ فساعة واحدة من الوجود الحقيقي مع أطفالي أثمن من يوم كامل دون انتباه. ولا توجد طريقة مثالية للأمومة، لكن ما يهم هو الحب والاهتمام والانسجام الحقيقي معهم. ولا يوجد شيء يعلم المرأة كيف تكون أماً مثالية، لكن الفطرة والحب يقودانها. وعلينا كنساء دعم بعضنا، خاصة في عالم تزداد فيه الضغوط. إن توازن الأدوار صعب، لكنه يمنحني فرصة للنمو واكتشاف نفسي من جديد. وهذا ما جعلني أقدّر تضحيات والدتي أكثر، فقد علّمتني أن جوهر الأمومة الحقيقي يكمن في عدم الاستسلام أبدًا.
هل هناك لحظات شعرتِ فيها بأن الأمومة أخذتكِ بعيدًا عن فنكِ، وكيف تعاملتِ مع هذا الشعور؟
الأمومة كانت تحديًا، لكنها منحتني دروسًا لا تُقدّر بثمن؛ فقد علّمتني إدارة الوقت، والحضور الكامل مع عائلتي، وتحديد الأولويات. كما جعلتني أرى ما هو مهم حقًا في الحياة، وأن أكون محاطة بالحب والتجارب، التي تشكّل شخصيتي وفني. لا أنكر أن هناك لحظات شعرت فيها بأن الأمومة تأخذني بعيدًا عن فني، لكنني أدركت أنها في الواقع تغنيه؛ فتجربتي كأم جعلتني فنانة أفضل، وأكثر قدرة على التقاط جوهر الحياة في أعمالي. أنا ممتنة لأطفالي، ولعائلتي، وزوجي، ووالديَّ وإخوتي ولأصدقائي، وللأشخاص الذين يدعمونني؛ لأن الفن مثل الأمومة، يحتاج إلى مجتمع يؤمن به؛ ليزدهر.
-
قرط Empire Statement المفتوح من الألماس/ خاتم Empire Statement من الألماس.. كلاهما من Marli New York
رؤية مستقبلية
أين ترين نفسكِ بعد 10 سنوات؟
المستقبل مهم، لذا أحاول أن أجعل رحلتي عامة وشاملة؛ لأن أهم شيء هو النمو، وأطمح إلى إقامة معرضي الخاص، وتوجيه الفنانين الناشئين؛ لمساعدتهم في التركيز على الرحلة الإبداعية، وليس فقط النجاح الفوري. كما أرغب في تنظيم عروض فنية، وإنشاء منصة للمبدعين، الذين لم تُتح لهم فرصة تقديم أعمالهم إلى العالم.
إذا كان بإمكانكِ التحدث إلى نفسكِ في بداية رحلتكِ الفنية، فما النصيحة التي كنتِ ستقدمينها لها؟
هناك الكثير مما أود قوله لنفسي الأصغر سنًا، لكنني لا أومن بالندم، فالحياة تُشكّلنا. وأود أن أنصح نفسي الأصغر سنًا بألا تخاف، وأن تكون واثقة بنفسها، وأن تتذكر أنها ليست بحاجة إلى تقييم من الآخرين؛ فقيمتها لا تُحدد بآرائهم؛ وعليها أن تتقبلَ تفردها، وألا تخشَى المخاطرة. فالعالم واسع وكبير، وهناك الكثير لاكتشافه، والمغامرات الكثيرة تنتظرنا لنخوضها. وأن تقدّر الرحلة بتحدياتها؛ فالامتنان يفتح أبوابًا كثيرة، وكل تجربة، نجاحًا أو فشلًا، جزء من التعلم والنمو.
هل هناك لحظة معينة في مسيرتك الفنية؛ شعرتِ خلالها بأنكِ وصلت إلى قمة الرضا عن عملك، أم أن الرضا بالنسبة لكِ رحلة مستمرة؟
هناك العديد من الأحداث التي شعرتُ بأنها تركت أثراً عميقاً، وربما كانت بمثابة نقطة تحول في مسيرتي الفنية. مثل تمثيلي الإمارات في بينالي البندقية 2009. كما أن ترشيحي من بين خمسة فنانين إقليميين ودوليين لجائزة «ريتشارد ميل» للفنون لعام 2024، التي تُقام بالتعاون مع اللوفر أبوظبي، عن منحوتتي الرملية الضخمة «Debutante Ball» شرف كبير، حيث يعكس العمل هويتي ورسالتي للعالم، ويكرّم جذوري باستخدام الرمال كرمز للتراث العريق.
هل لديكِ مقولة أو فلسفة معينة، توجهين بها مسيرتك الفنية؟
قول أمي دائمًا: «إن لم يكن لنا ماضٍ، فلا مستقبل لنا ولا حاضر»؛ فأحرص على احترام جذوري وثقافتي وديني وهويتي، وأريد أن أرفع راية وطني وأعتز بعائلتي. فقد ربّاني والداي على تقدير أصولي، وأن العمل الجاد يُثمر، والمعرفة نور. ولكي يعيش المرء حياةً مثمرة، عليه أن يعمل ويتعلم ويخدم مجتمعه ووطنه. فالوجود شيء، لكن العيش تجربة مختلفة تمامًا، وأريد أن أعيش حياتي على أكمل وجه.
كيف تحبين أن تُذكر لمياء قرقاش.. بعد سنوات من الآن؟
أريد أن أذكر بالخير الذي قدمته، وليس فقط بإنجازاتي الفنية. وأطمح لأن أكون منصة للمبدعين، وأترك أثرًا من خلال دعم المواهب الشابة، وإلهامها لتكون على طبيعتها. لم أكن يومًا شخصًا يجد العالم المادي مثيرًا؛ فأفعل ما أحب وأعيش حياتي مدفوعة بذلك. وأريد لأطفالي أن يكبروا؛ ليعطوا مجتمعاتهم، وأن يكونوا بشرًا طيبين، وأن يعيشوا حياة هادفة ومثمرة. في النهاية، ما يهم هو التأثير الذي نتركه في حياة الآخرين، والفرح الذي نضيفه إلى العالم.