#تكنولوجيا
كارمن العسيلي 5 يناير 2025
جمعت الشابة الإماراتية، ليلى الغفلي، الاستشارية المختصة بحوكمة أمن وتكنولوجيا المعلومات والتحول الرقمي بـ«مدينة مصدر»، بين شغفها بالتكنولوجيا ورغبتها في خدمة وطنها؛ لتصبح نموذجاً يحتذى في صياغة مستقبل أكثر ذكاءً وأماناً، ومثالاً حيًا لتمكين المرأة في أحد أهم قطاعات المستقبل، في عصر تتسارع خلاله التحولات الرقمية، وتتصدر التكنولوجيا المشهد اليومي. خبرتها الممتدة، ومشاركاتها الدولية في مشاريع تقنية تعكس رؤية الإمارات للابتكار والاستدامة، مكنتها من لعب دور محوري في تعزيز البنية التحتية الرقمية بالإمارات، وحماية المعلومات في زمن يعد فيه الأمن السيبراني ركيزة أساسية لاستقرار المؤسسات.. التقينا الشابة الإماراتية؛ لنعرف أكثر عن مسيرتها، وطموحاتها، والتحديات التي واجهتها كامرأة قيادية في هذا القطاع، ورؤيتها للتحولات الرقمية، ودور الذكاء الاصطناعي في بناء المستقبل:
ما الفرق بين «الحوكمة»، و«التحول الرقمي»، و«أمن المعلومات»، وما الدور الذي يلعبه كلٌّ منها؟
«الحوكمة» مجموعة أدوات إدارية، تعتمد عليها المؤسسات لإدارة مواردها، لتضمن تحقيق أعمالها وأهدافها بكفاءة. وبحسب طبيعة كل مؤسسة، تتم صياغة نظام حوكمة خاص بها، يشمل: وضع الاستراتيجيات، والإجراءات الخاصة بإداراتها، وتوفير آليات متابعة الالتزام بها. أما «التحول الرقمي»، فهو عملية شاملة لدمج التكنولوجيا في العمليات اليومية للمؤسسات؛ لأتمتة الإجراءات، التي - بدَوْرها - تسهّل وتحسن أداء الأفراد والمؤسسة، وترفع كفاءتهم. ولا يقتصر الأمر على إدخال أدوات تقنية المعلومات فحسب، بل يشمل تكامل وانسجام عناصر المؤسسة كافة، ضمن بيئة رقمية مشتركة. وفي ما يختص بـ«أمن المعلومات» في البيئة الرقمية للمؤسسة، ترتكز متطلبات «الحوكمة» على إجراءات حماية تلك البيانات، المؤسسية والشخصية، من التهديدات والثغرات؛ لضمان خصوصيتها، وسلامتها.
توعية تكنولوجية
مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، البعض يساورهم القلق بشأن انتهاك الخصوصية.. كيف نعزز الثقة بهذه التقنيات، ونعالج تحدياتها؟
القلق بشأن الخصوصية أمر مشروع، خاصة مع توفر معلوماتنا الشخصية على منصات عدة. وقد وضعت الإمارات قوانين وسياسات صارمة لحماية البيانات الشخصية، للأفراد وللمؤسسات، تندرج تحت إطار أمن المعلومات. هذه القوانين تهدف إلى تعزيز الوعي، وتطبيق الضوابط التي تضمن الخصوصية. كذلك، تسعى الدولة إلى تنظيم استخدام التكنولوجيا بوضع إطار قانوني، يحمي حقوق المستخدمين، ويوفر لهم الأمان اللازم. فدولتنا تستثمر - بشكل كبير - في الذكاء الاصطناعي، وتُحدث نقلة نوعية في المهارات والتخصصات المستقبلية، وتعد نموذجًا رائدًا في هذا المجال، لا سيما توظيفها في مجال حماية الخصوصية.
البعض ينظرون إلى سرعة انتشار الذكاء الاصطناعي بعين الشك والريبة، فما تقييمك لهذه المخاوف؟
الخوف من المجهول أمر طبيعي، والتكنولوجيا الجديدة دائمًا تُثير الشكوك؛ عندما لا تكون مفهومة بالكامل. والحلّ، هنا، يكمن في رفع الوعي، والتواصل مع الناس؛ لفهم طبيعة المخاطر المترتبة على سوء استخدامها، ولاستخدام هذه التقنيات بشكل آمن ومثمر؛ فالذكاء الاصطناعي ليس تهديدًا للإنسان، بل أداة تعزز كفاءته، وتفتح آفاقًا جديدة أمامه؛ فهو يستحدث وظائف ومهارات، ولا يلغي دور الإنسان. على سبيل المثال، إذا تعطلت الأنظمة الذكية، فمن سيقوم بإصلاحها؟ بالتأكيد الإنسان. لذلك، يعد الذكاء الاصطناعي شريكًا وليس بديلاً. و«مدينة مصدر» نموذج للمدن الذكية المتكاملة، التي تعتمد على ربط الأنظمة التكنولوجية التي تسهل حياتنا، فالذكاء الاصطناعي جزء أساسي في مستقبل البشرية.
كيف تجسد «مدينة مصدر» رؤية التحول الرقمي المستدام، وما الذي يميزها عن المدن التقليدية؟
قبل تنفيذ المشروع، كانت هناك مراحل دقيقة من التخطيط والتدقيق؛ لتكون «مدينة مصدر» بيئة رقمية تكاملية تدعم التكنولوجيا والابتكار. فمن المناطق الحرة إلى جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، توفر «المدينة» كل ما يحتاج إليه رواد الأعمال والعلماء؛ لتطوير أفكارهم، وتحويلها إلى واقع. وتركز «المدينة» على الاستدامة، والذكاء الاصطناعي في جميع عناصرها، ومرافقها. والفرق الرئيسي بينها وبين المدن التقليدية، يكمن في الاعتماد على الطاقة المستدامة، وتقليل البصمة الكربونية؛ فمبانيها مزودة بالطاقة الشمسية، كما أنها تعتمد على أنظمة ذكية، مثل سيارات الـ(PRT) ذاتية القيادة، والخالية من الكربون، والشبكات الواسعة لمحطات شحن السيارات الكهربائية. باختصار، إن التكنولوجيا جزء من نظام تشغيل هذه «المدينة»، الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي؛ لتقديم حلول مبتكرة.
كيف يُساهم الذكاء الاصطناعي في إدارة «مدينة مصدر»؟
يركز الذكاء الاصطناعي - في «مدينة مصدر» - على تحليل البيانات، ومراقبة العمليات؛ لرفع كفاءة الخدمات. فمثلاً، يستخدم نظام «إنترنت الأشياء» أجهزة استشعار؛ لمراقبة استهلاك الطاقة والمياه، وتقديم الخدمات؛ بناءً على الاحتياجات الفعلية للسكان، ودور الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على الأنظمة، بل يشمل أيضًا توعية الأفراد. فالسكان بحاجة إلى الوعي بكيفية استخدام التكنولوجيا الذكية بفاعلية؛ لتحسين جودة حياتهم. من هنا، ندرك أهمية استثمار دولتنا - بشكل كبير - في التوعية بهذا المجال، بدءًا من إنشاء وزارة للذكاء الاصطناعي، وحتى إطلاق برامج تدريبية، وجامعات متخصصة كجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي؛ فرفع الوعي بأهمية التكنولوجيا أمر محوري، لأنها لغة العصر، والمحرك الرئيسي لأي قطاع.
ما أبرز المخاطر السيبرانية، التي تهدد المؤسسات والأفراد، وكيف تتم مواجهتها؟
البيئة الرقمية للمؤسسة هي حلقات مترابطة من التفاعل، بين الأفراد والإجراءات والأنظمة، وتتعرض تلك البيئة للمخاطر السيبرانية بشكل يومي، وتشمل: استهداف البنية الإلكترونية، واستهداف البيانات الحساسة. وللتصدي لها، نقوم بدراسة التهديدات الإلكترونية، وتهديدات الاحتيال الرقمي لمستخدمي البيئة الرقمية؛ لتحديد المخاطر، ووضع أفضل الممارسات والضوابط لأمن وسلامة البيئة الرقمية. ويعد الاحتيال الرقمي من أبرز ثغرات المؤسسات؛ فالأفراد هم الحلقة الأضعف في منظومة الأمن السيبراني. لذلك، نسعى إلى رفع الوعي بين الموظفين؛ لتعزيز قدرتهم على التعامل مع هذه التهديدات، ليدرك الأفراد دورهم الحيوي في أمن البيئة الرقمية من المخاطر السيبرانية.
تنظيم.. وتخطيط
كشابة تعمل في قطاع التكنولوجيا.. كيف تصفين تجربتك، وما نصيحتك للراغبات في دخوله؟
مسيرتي في قطاع التكنولوجيا مليئة بالتحديات، والفرص، في الوقت ذاته؛ فشغفي بهذا المجال ساعدني في مواجهة الصعوبات، والتعلم من التجارب. والتحدي الأكبر كان في تحقيق التوازن بين حياتي المهنية والشخصية، لاسيما أن هذا القطاع يتغير بسرعة، ويتجدد بشكل مستمر؛ فكل يوم هناك تحديثات وابتكارات جديدة. لكن حبي للتغيير والتطوير ساعدني في مواكبة هذا القطاع، إلى جانب القراءة المستمرة، والاطلاع على كل جديد. كما أن تنظيم الوقت، والتخطيط الجيد، يُعدان نصف النجاح فيه. فهذا المجال يتطلب شغفًا ومرونة، وقدرة على التأقلم مع التغيرات، وقد تعلمت تحويل التحديات إلى فرص للتعلم والنمو. والراغبات في دخول هذا القطاع، أنصحهن بالثقة بقدراتهن، وتطوير مهاراتهن باستمرار، واعتبار هذا القطاع فرصة للتطور المهني، ووسيلة لرد الجميل إلى وطن دعمنا، ووفر لنا فرصاً عدة.. للتعلم، والتدرب، والعمل.
ما أبرز المشاريع الأكثر تأثيراً في مسيرتك المهنية، والتي تعتبرينها مصدر فخر واعتزاز؟
كنت محظوظة بالعمل على مشاريع عدة، أحدثت تأثيرًا ملموسًا في مجال أمن المعلومات، والتحول الرقمي على مستوى الدولة. ومن أبرز إنجازاتي مساهمتي في وضع وتطوير أول معيار وطني لضمان أمن المعلومات وسياسات حماية البنية التحتية الوطنية، وهو إنجاز عزز قدرات المؤسسات الإماراتية على مواجهة التهديدات السيبرانية. ما يميز هذا العمل هو رؤية تطور الجهود التي ساهمتُ فيها، وأصبحت أساسًا يعتمد عليه الآخرون؛ لتحسين هذا المجال الحيوي. بالإضافة إلى مساهمتي في التحول الرقمي الشامل لإحدى المؤسسات خلال جائحة «كوفيد-19»، ما ضمن استمرارية العمل، ودعم استراتيجية الدولة في الأمن الغذائي، في دليل واضح على قوة التكنولوجيا في تعزيز استدامة المجتمعات.
مثلتِ الإمارات في المؤتمر الدولي حول معايير إدارة المخاطر (الأيزو)، وصياغة وإصدار المواصفات العالمية.. حدثينا عن هذه التجربة!
شكلت هذه التجربة فرصة لتطوير فهمي الشخصي لطبيعة المخاطر التي تواجهنا، جميعًا، في عصر الاتصال الرقمي، فلم تعد هذه المخاطر محصورة في دولة أو منطقة، بل هي تحديات عالمية مشتركة، وتهديدات عابرة للحدود. وحضور المؤتمر الدولي، ولقاء ممثلين من دول مختلفة، ساهما في رفع وعيي بكيفية إدارة وتقييم المخاطر. كان علينا التوصل إلى معايير موحدة، تراعي الاحتياجات المختلفة للدول، وتكون - في الوقت ذاته - واضحة وقابلة للتطبيق عالميًا. تلك التجربة علمتني أهمية التعاون الدولي، وفهم السياقات المختلفة، وأثرت - بشكل كبير - في طريقة تفكيري لصياغة حلول مستدامة، وعملية.
ما طموحك المستقبلي؟
أتطلع إلى رؤية أبوظبي مركزاً عالمياً للثورة الصناعية الرابعة مثل «مدينة مصدر»، كرمز للابتكار والاستدامة، وتعكس رؤية الإمارات للمستقبل. فالتقنيات الحديثة، اليوم، هي من استثمار الماضي، وهدفي أن أواصل دعم الجهود، خاصة في مجال الاستثمار التكنولوجي؛ باستغلال المقومات الضخمة للدولة، تحت قيادتها الرشيدة، التي تجعل من الإمارات نموذجًا ومركزًا عالميًا للابتكار واستقطاب الخبرات، وأن أساهم في بناء مستقبل أكثر استدامةً وذكاءً.