#ثقافة وفنون
عبدالرحمن الحميري 8 ديسمبر 2019
في عام 1980 صدر فيلم الوميض The Shining المقتبس عن روايةٍ للكاتب ستيفن كينج، وبإخراج أسطورة السينما ستانلي كوبريك. الفيلم غنيٌّ عن التعريف بكل الشهرة التي حققها والتقييمات العالية التي نالها، مما جعله أحد أفضل أفلام الرعب النفسي على مر التاريخ. شاهدت الفيلم لأول مرة قبل زمنٍ طويل، ومع أنني نسيت الكثير من أحداثه، إلا أن قشعريرةً مخيفة تظل تنتابني كلما تذكرت أجواء الفيلم التي تشبه الهلوسة. حين أتحدث عن مَيلي إلى العزلة والراحة التي تغمرني حين أنفرد بنفسي، فأنا لا أقصد أبداً عزلة كتلك التي حبستْ عائلة (جاك تورينس) في فندقٍ بعيدٍ وضخم طوال الشتاء. فيلم The Shining هو أحد أسباب خوفي واكتئابي في البيوت الكبيرة جداً، ففي كل ردهةٍ طويلة تشعر بأن الفتاتين التوأمين بالفستان الأزرق ستظهران لك وتبتسمان في وجهك، وإن كنت لا تعرف عمّا أتحدث فهذا أفضل لصحتك! وإن أردت أن تفهم، فشاهد الفيلم على Netflix، فهذا ما فعلتهُ كمراجعةٍ لإنعاش الذاكرة حين علمت أن جزءاً ثانياً من الفيلم نزل في السينما باسم Doctor Sleep، بعد قرابة أربعين عاماً على ظهور (الوميض).
Doctor Sleep
في فيلم The Shining ينال جاك تورينس وظيفة حارسٍ في أحد الفنادق المعزولة، في فترة الإغلاق الشتوية، حيث يصبح المكان خالياً تماماً، فينتقل جاك مع زوجته وابنه داني للإقامة في الفندق، مع علمه بحدوث جريمةٍ هنا في الماضي، إذ قتل حارسٌ سابق زوجته وابنتيه. داني يملك قدرةً خاصة في التحدث عبر العقل الباطن، ورؤية أشياء لا يراها الأشخاص العاديون، وبمرور الوقت، تتعرض العائلة لأحداث غريبة، وتتكشف أسرارٌ تتعلق بماضي الفندق، وتنتاب جاك بعض الهلاوس التي تحرضه على إيذاء زوجته وابنه. أما فيلم Doctor Sleep فتبدأ أحداثه في الفترة التي أعقبت هروب داني وأمه من الفندق، واستعان صانعو الفيلم هنا بممثلين يشبهون شخصيات الفيلم قبل أربعين عاماً، لكن سرعان ما تنتقل بنا الأحداث إلى عام 2011، حيث أصبح داني رجلاً ناضجاً، تطارده من حينٍ إلى آخر بعض كوابيس الماضي. ومع الوقت يعثر داني على (أبرا)، وهي طفلة تملك نفس قدرته الخارقة، وتخبره بوجود مجموعةٍ من الأشرار يخطفون الأطفال الذين يتمتعون بهذه القدرة، ويقتلونهم للحصول على وميضهم الذي يُبقيهم خالدين، فيحاول داني وأبرا التصدي لهم بكل ما أوتيا من قوة.
The Shining
تخيّلوا أن ستيفن كينج لم يُحب فيلم The Shining المقتبس عن روايته، وكان عاتباً على المخرج ستانلي كوبريك لأنه جعل الأحداث باردةً على حد قوله، لكنه في المقابل أشاد بفيلم Doctor Sleep ورأى فيه تعويضاً عن الإحباط الذي شعر به بعد جزء (الوميض). أما أنا فأرى العكس تماماً، فحين ذهبت لمشاهدة Doctor Sleep توقعت أن ألمس فيه بعضاً من أجواء الرعب النفسي والشر الذي يتجسد في نظرة جاك نيكلسون، لكنني وجدت نفسي وكأنني أحضر فيلم رعبٍ للأطفال، إذ تغلب الفانتازيا على جو الرعب، ولا تخدمه بقدر ما تخفّف منه وتشوهه. الحقيقة أنني توجست بمجرد أن قرأت رأي ستيفن كينج في الفيلم، فمؤخراً أصبحت أرى أن أفلام الرعب المقتبسة من رواياته تبدو طفوليةً أكثر من اللازم، وأشهرها ثنائية فيلم It. لا مشكلة لديّ في أن يكون تصنيف الفيلم دراما فانتازيا وقوى خارقة، لكن حين تضع كلمة (رعب) في التصنيف، فالجمهور يتوقع أن يخاف قبل أي شيءٍ آخر، فهذا التصنيف يطغى على كل ما سواه. لكنني لا أتناول أعمال ستيفن كينج إلا سينمائياً، فالحقّ أنني لم أقرأ رواياته، ويكفي أن بعضها تحول لأفلامٍ عظيمة فيما مضى، ويكفي أن لديه جمهوراً غفيراً يمنح تقييماً عالياً لفيلمٍ محبط مثل Doctor Sleep!.