#تغذية وريجيم
كارمن العسيلي اليوم
في عصرنا الحالي، حيث أصبح الجلوس لساعات طويلة أمام الشاشات - سواء شاشة كمبيوتر أو هاتف نقال - جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية؛ تزايدت مشكلات العمود الفقري بشكل ملحوظ، ما أدى إلى ارتفاع نسبة الإصابة بآلام الظهر والرقبة. وللحديث عن هذه الظاهرة، وأبرز الأمراض التي تصيب العمود الفقري، وأسباب آلام الظهر والرقبة، وكيفية الوقاية منها، في ظل تحديات العصر الرقمي.. التقينا الدكتور وليد هيكل، استشاري جراحة العمود الفقري للأطفال والبالغين بمستشفى «هيلث بوينت أبوظبي».
-
آلام العمود الفقري.. الأسباب والعلاج والوقاية
عوامل مؤثرة
يشير الدكتور وليد هيكل إلى مجموعة من العوامل، التي تؤثر في صحة العمود الفقري، وتسبب لنا آلام الظهر والرقبة، وأبرزها:
- الوضعية الخاطئة أثناء الجلوس لفترات طويلة أمام الكمبيوتر أو الهاتف الذكي، التي تسبب ضغطًا زائدًا على الفقرات العنقية، وأسفل الظهر.
- حمل الأوزان الثقيلة بطريقة غير صحيحة، من خلال حقيبة الظهر، أو رفع الأشياء الثقيلة دون استخدام عضلات الجسم بشكل متوازن.
- قلة الحركة والتمارين الرياضية، التي تؤدي إلى ضعف العضلات الداعمة للعمود الفقري.
- الإجهاد العضلي، والتشنجات الناتجة عن ممارسة التمارين الرياضية بشكل مفرط، أو بطريقة غير صحيحة.
- التهاب المفاصل، أو هشاشة العظام، ما يجعل الفقرات أكثر هشاشة، وعرضة للإصابة.
ويوضح الدكتور هيكل أن طريقة استخدامنا للهواتف الذكية تؤثر في صحة الرقبة والعمود الفقري، فيشرح قائلاً: «تخيلي أنك تحملين حقيبة ثقيلة على رأسك طوال اليوم، لكن دون أن تشعري بذلك. هذا ما يحدث تمامًا لفقرات عنقك عندما تنحنين إلى الأمام أثناء استخدام الهاتف الذكي. فرأس الإنسان يزن حوالي 5.5 كيلوغرامات، وعندما يكون الرأس في وضعية مستقيمة، يتم توزيع هذا الوزن بشكل متوازن على العمود الفقري»، ويتابع: «مع كل درجة ينحني فيها العنق إلى الأمام، يزداد الضغط بشكل مضاعف على الفقرات العنقية. فعند الانحناء بزاوية 15 درجة، يرتفع الضغط إلى 12 كيلوغرامًا، وعند 30 درجة يصبح 18 كيلوغرامًا. أما عند 45 درجة؛ فيصل إلى 22 كيلوغرامًا، وعند 60 درجة، وهو الوضع الذي يتخذه معظم الأشخاص أثناء تصفح الهاتف، يصل الضغط إلى ما يقارب الـ27 كيلوغرامًا، أي ما يعادل حمل طفل صغير على الرقبة لساعات طويلة».
ويبين الدكتور وليد هيكل أنه، وفقًا لدراسة - أجراها الجراح كينيث هانسراغ، من مركز نيويورك لطب الجراحة والتأهيل، ونُشرت في المكتبة الوطنية للطب بالولايات المتحدة - فإن هذه الوضعية، التي تُعرف بـ«عنق النصوص» (Text Neck)، قد تؤدي إلى تآكل الفقرات العنقية بمرور الوقت، ما يسبب آلامًا مزمنة في الرقبة، وقد يحتاج الأمر إلى تدخل جراحي. وهذا التأثير الصامت والخطير يجعلنا بحاجة ماسة إلى إعادة التفكير في طريقة استخدامنا للأجهزة الذكية، والحفاظ على استقامة العنق؛ لتجنب الأضرار طويلة الأمد.
-
آلام العمود الفقري.. الأسباب والعلاج والوقاية
أبرز المشكلات الصحية
وعن أبرز المشكلات الصحية، التي تنتج عن الجلوس لفترات طويلة، يؤكد استشاري جراحة العمود الفقري للأطفال والبالغين في مستشفى «هيلث بوينت أبوظبي»، أن الجلوس المطول، خاصة بوضعيات غير صحيحة، يؤدي إلى تدهور صحة العمود الفقري، إذ يسبب تقلصًا في العضلات القابضة للفخذ، ويزيد الضغط على الفقرات القطنية، ما قد يُحدث تلفاً مبكراً فيها، وبالتالي الشعور بآلام مزمنة في الظهر. ويضيف شارحاً أن الأبحاث ربطت بين الجلوس لفترات طويلة، وعدد من المشكلات الصحية الأخرى، مثل: السمنة، وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع مستويات السكر في الدم، وزيادة الدهون في محيط الخصر، بالإضافة إلى ارتفاع الكوليسترول الضار. وجميع هذه العوامل تندرج تحت ما يُعرف بـ«متلازمة الأيض»، التي تزيد خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
ويوضح الدكتور هيكل أن الإحصاءات تشير إلى أن 80% من آلام العمود الفقري، هي في الأساس ألم عضلي، بينما 20% فقط ترتبط بأسباب أخرى، مثل: الانزلاق الغضروفي، وخشونة الفقرات، والتهابات المفاصل. والفرق الجوهري بين ألم الأعصاب، وألم العضلات، يكمن في مصدر الألم وطبيعته. فبينما ينشأ ألم الأعصاب نتيجة تهيج أو التهاب الأعصاب، يكون ألم العضلات مرتبطًا بإجهاد أو إصابة في الأنسجة العضلية، والأوتار المحيطة بها. وألم الأعصاب يكون حاداً، فيشبه الوخز أو الحرقان، ومصحوبًا بتنميل أو خَدَر. وغالبًا، يظهر في الأطراف، ويستمر لفترات طويلة، قد تتجاوز الستة أشهر؛ ما يجعله ألمًا مزمنًا. وهذا النوع من الألم شائع لدى مرضى السكري، والذين يعانون إصابات العمود الفقري، أو يخضعون للعلاج الكيميائي. ويتابع شارحاً: إن ألم العضلات يتمثل في الشعور بشد أو تصلب في العضلة المصابة، يزداد سوءًا مع الحركة، ويحدث نتيجة الإصابة المباشرة، أو الإجهاد العضلي، أو الالتهابات، وهو أكثر شيوعًا بين الرياضيين، والذين يجلسون لفترات طويلة أمام الأجهزة الإلكترونية. وفي بعض الحالات، يكون ألم العضلات مرتبطًا بمشاكل في العمود الفقري، مثل: الاعوجاج، والتحدب، فتبذل العضلات جهدًا إضافيًا؛ لدعم العمود الفقري غير المستقيم، ما يؤدي إلى الشعور بالألم.
وعن كيفية التمييز بين أعراض آلام الرقبة، وأعراض «الذبحة الصدرية»، يقول الدكتور هيكل: إن هناك فرقًا جوهريًا بينها، فآلام الرقبة يرافقها ألم في أسفل الرأس يمتد إلى الكتفين، مع شعور بالخدر أو الوخز في اليدين والقدمين، وضعف في القدرة على حمل الأشياء. أما الذبحة الصدرية، فترتبط بألم في منتصف الصدر يمتد إلى الذراع اليسرى، مع ضيق في التنفس، وانخفاض في ضغط الدم. والفرق الأساسي يكمن في أن ألم الرقبة ناتج عن الضغط على الأعصاب، بينما ألم «الذبحة القلبية» مرتبط بتدفق الدم إلى القلب، ما يجعل التشخيص الدقيق أمرًا ضروريًا؛ لتجنب المضاعفات.
-
آلام العمود الفقري.. الأسباب والعلاج والوقاية
الحفاظ على صحة الظهر
وعن كيفية الحفاظ على صحة الظهر، في ظل حياتنا الحالية المحاطة بالأجهزة الإلكترونية والشاشات، يوصي الدكتور هيكل باتباع عدد من الخطوات، منها: ممارسة التمارين الرياضية، كالمشي والسباحة؛ لتقوية العضلات دون الضغط على العمود الفقري، مع التركيز على تمارين عضلات البطن لدعم الفقرات، والحفاظ على وزن صحي؛ لتقليل العبء على الظهر، مشدداً على ضرورة الإقلاع عن التدخين؛ لأن هذه الخطوة تحسن تدفق الدم إلى العمود الفقري، ويضيف: من المهم الحفاظ على استقامة العمود الفقري أثناء الوقوف، مع الاعتماد على الساقين عند رفع الأحمال الثقيلة؛ لتجنب إجهاد الفقرات. أما عن الجلوس بشكل صحيح، فيشدد الدكتور هيكل على استخدام كرسي مصمم لدعم أسفل الظهر (Lumbar Support)؛ للحفاظ على الانحناء الطبيعي للفقرات القطنية، وتخفيف الضغط عن العمود الفقري، خاصة مع الجلوس لفترات طويلة. ويشرح: إن الكراسي المكتبية المزودة بنظام «هيدروليكي» تتيح ضبط الارتفاع، ويجب وضع الشاشة بمستوى العين؛ لتجنب إجهاد الرقبة والكتفين، في حين أن وضعية «Low Back Chair» تدفع الفقرات القطنية إلى الأمام؛ ما يعزز استقامة العمود الفقري بشكل طبيعي. ويرى الدكتور هيكل أن تغيير وضعية الجلوس والحركة الدورية، كل 30 دقيقة، أمران أساسيان؛ لتجنب تيبس العضلات، وتحفيز الدورة الدموية.
فمتى يحتاج المريض إلى التدخل الجراحي؛ لعلاج مشاكل العمود الفقري؟.. عن هذا السؤال يجيب الدكتور وليد: يلجأ الأطباء إلى التدخل الجراحي في حالات معينة؛ وذلك عندما تفشل العلاجات التقليدية في تخفيف الألم، أو تحسين حالة المريض، ومنها: الأدوية، والعلاج الطبيعي. وتشمل هذه الحالات:
- تشوهات العمود الفقري، مثل: «الجنف» (التحدب الحاد)، الذي يؤثر في استقامة الجسم، ووظائف الأعضاء.
- الانزلاق الغضروفي الحاد، الذي يضغط على الأعصاب، ويسبب ألمًا شديدًا، أو ضعفًا في الأطراف.
- التهابات العمود الفقري، التي قد تؤدي إلى تآكل الفقرات، أو تكوين «خرّاجات» تضغط على الحبل الشوكي.
- تضيُّق القناة الشوكية، الذي يسبب ضغطًا على الأعصاب، ويؤدي إلى آلام شديدة، أو فقدان القدرة على المشي.
- أورام العمود الفقري، الحميدة أو الخبيثة، التي قد تؤدي إلى تلف الأعصاب، أو فقدان الوظائف الحركية.
- الإصابات الحادة الناتجة عن الحوادث أو السقوط؛ لأنها تسبب كسورًا، أو عدم استقرار الفقرات.
وعن أسباب «التحدب»، والوقاية منه.. يشير الدكتور هيكل إلى أن تحدب العمود الفقري يحدث لأسباب عدة، منها: العيوب الخلقية التي تؤدي إلى تشوه الفقرات، والجلوس الخطأ، وضعف عضلات الظهر، خاصة بين المراهقين، إضافة إلى مرض «شيرمان»، الذي يظهر في سن البلوغ بسبب عدم توازن نمو الفقرات، كما هناك «التحدب» المرتبط بتقدم العمر؛ نتيجة هشاشة العظام، وضعف العضلات. وللوقاية، ينصح بممارسة الرياضة، مثل: السباحة، واليوغا، والبيلاتس، وتناول الكالسيوم وفيتامين (D)، وتجنب الجلوس لفترات طويلة، مع الالتزام بالعلاج الدائم للمصابين بهشاشة العظام، وإجراء الفحص الدوري لهشاشة العظام، خاصة للنساء بعد انقطاع الطمث.
-
آلام العمود الفقري.. الأسباب والعلاج والوقاية
5 أسئلة.. وأجوبة
1 . كيف تساعد ممارسة الرياضة في تقوية العمود الفقري، وتخفيف الآلام؟
تعد ممارسة الرياضة من الأنشطة الأساسية للعناية بصحة العمود الفقري، إذ توفر العضلات الأساسية القوية الدعم اللازم لمنطقة أسفل الظهر، في حين أن ممارسة التمارين الرياضية، التي تحفز نشاط القلب والأوعية الدموية، مثل: المشي، أو ركوب الدراجات الهوائية، تزيد كميات الدم المتدفق إلى العمود الفقري؛ ما يوفر العناصر الغذائية، والمياه اللازمة؛ لتعزيز صحته.
2 . ما دور العلاج الطبيعي في تخفيف آلام العمود الفقري؟
يُعلّم أخصائي «العلاج الطبيعي» المريض كيفية إجراء تمارين رياضية، تزيد مرونة الجسم، وتقوي عضلات الظهر والبطن، وتحسِّن وضعية الجسم. وممارسة هذه التمارين، بانتظام، تمنع عودة الألم مجددًا. كما يعلِّمونه، أيضاً، كيفية تعديل الحركات أثناء نوبة آلام الظهر؛ لتجنب تفاقم أعراض الألم مع الحفاظ على النشاط البدني.
3 . ما الأمراض الشائعة للعمود الفقري؟
هناك 6 أمراض شائعة للعمود الفقري، أبرزها:
- الانزلاق الغضروفي، ويحدث نتيجة بروز الجزء الداخلي الهلامي من القرص الفقري من خلال طبقته الخارجية. وهذه الحالة تضغط على الأعصاب القريبة، ما يؤدي إلى الألم، أو الخدر، أو ضعف الذراعين أو الساقين.
- تضيُّق العمود الفقري؛ فيضغط على الحبل الشوكي والأعصاب.
- «الجنف»، وهو انحناء جانبي للعمود الفقري، يتطور عادة أثناء الطفولة، أو المراهقة.
- مرض القرص التنكسي، وهو حالة تفقد فيها الأقراص الفقرية مرونتها، وارتفاعها، بمرور الوقت.
- هشاشة العظام، التي تجعل العظام أكثر عرضة للكسور. ويمكن أن تسبب كسور العمود الفقري - الناتجة عن هشاشة العظام - آلامًا شديدة، وانحناء في وضعية الجسم.
- أورام العمود الفقري، وقد تكون حميدة أو خبيثة، وقد تتطور داخل الحبل الشوكي، أو الأنسجة المحيطة، أو الفقرات، وفي الحالات الشديدة قد تسبب الشلل.
4 . كيف نتجنب آلام الظهر والرقبة؛ نتيجة الجلوس الطويل؟
مع بعض التعديلات البسيطة في نمط الحياة، يمكننا تجنب العديد من المشاكل، ومن أبرز هذه التعديلات:
- تحسين وضعية الجلوس، بجعل الظهر مستقيمًا، والكتفين مسترخيتين، مع إبقاء القدمين على الأرض، والمكتب بمستوى مريح للعين.
- أخذ فترات استراحة منتظمة، بالوقوف أو التمدد كل 30 دقيقة؛ لتحريك عضلات الظهر والرقبة، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام، تحديداً: اليوغا، والبيلاتس.
- رفع الهاتف إلى مستوى العين؛ لتجنب الانحناء المستمر للرقبة نحو الأسفل، وكذلك استخدام كرسي مريح يدعم الفقرات القطنية.
5 . ما أحدث التقنيات الجراحية لعلاج العمود الفقري؟
تطورت جراحات العمود الفقري - بشكل ملحوظ - في السنوات الأخيرة، فأصبحت أكثر دقة وأقل تدخلًا، ما ساهم في تحسين النتائج، وتقليل الألم وفترة النقاهة، ما يسمح للمريض بالعودة إلى حياته الطبيعية بسرعة أكبر. ومن أبرز التقنيات المستخدمة: «الميكروسكوب الجراحي»، «وجراحة المناظير» (Minimally Invasive Surgery)، و«الروبوت الجراحي».