#مقالات رأي
لولوة المنصوري 2 نوفمبر 2024
كان التساؤل، بين رفيقة المقهى والكتاب، دائراً حول أكثر الحكايات «العرفانية» العميقة تأثيراً على مسارنا الشخصيّ في الحياة، والتي من الممكن توظيفها في حكاية ترقى بمستوى وعي الطفل، وتواكب مداركه وأسئلته النفسية، ولم أحتج إلى تفكير طويل في تحديد الحكاية؛ لأنها تسكنني بتفاصيلها، ومدلولاتها، وأسرار تطوافها السحري الجميل، فكانت كرحلة تنقية داخلية صافية. إنها المنظومة الشعرية الحكائية «منطق الطير»، للشاعر فريد الدين العطار، التي هي بمثابة ارتباط حسيّ رحليّ ومُعَايَش مع الذات التائهة بين الحدود والجدران، والباحثة عن سماءٍ ينطلِق عبرها التفكير الإنسانيّ بلا حواجز وحدود. فهي حكاية غنية بالرموز المفضية نحو الاكتشاف، وقوة الإرادة، والشجاعة، وقبول التحدي والمغامرة والصبر، وتقدير الذات، والكثير من المعاني والقيم المكتسبة، التي يتغذى منها الأطفال؛ كي تكبر نبتتهم الحسية الشعورية.. برعاية، وأمان، وطمأنينة.
كنتُ أنطلق، في حديثي عن الرحلة، وكأني أعيدُ قراءتها من جديد، فشعرتُ - وقتها - بإلحاح الفكرة عليَّ، وبتجربة الكتابة للطفل، انطلاقاً من توظيف «منطق الطير»، وبضرورة أن تمتلئ الطفولة بحكايات آسِرَة ومشوقة مثل هذه، وكم هو رائع أن أدخل عوالم الطفلة، التي بداخلي، وأسألها عن مدى احتياجها إلى وعيّ الطيور، وتجريب رحلاتها العظيمة، وكنتُ - لفترة - مقتنعة بالاكتفاء بفعل الحكي الشفويّ لأطفالي، وبأني لن أكتب حكاية للطفل إلا حينما أصيرُ جدّة، هو إيمان عريق بلا شك، نابع من قداسة الكتابة للأطفال. لكن لا زمن للإلهام، والفرصة طوّافة المزاج، وعلينا التقاطها وتجسيدها قبل أن تغيب الهمّة، وتنطفئ جذوة الحماسة.
الكتابة في أدب الطفل هي في حقيقتها عودة إلى الطفل الداخلي، ومحاولة إيقاظه من جديد، عودة إلى البراءة والنقاء والانطلاق، كالطيور الباحثة عن متعة وتشويق وإجابات وأرزاق. وجميل أن نكتب؛ لنغمر الطفولة بالأمان، وبأحقية السؤال حول الأفكار العُليا، ولنُجَذِّرَ الطفل على معنى البحث والرحلة والاكتشاف الوجودي مع مراعاة أسس التهيئة المتناسبة مع عمره الإدراكيّ والشعوريّ.
تنطلِق الطيور خلف مرشدها (الهُدهد) في رحلة طويلة جداً، بحثاً عن ملِكها الفينيق أو السَّيَمْرَغ، وقبل الرحلة تتم التهيئة بأن يُخبرهم «الهدهد» بأن ملكهم يُحلِّق على «جبل قاف»، وهو «أبو الجبال»، كما في الأساطير.
في الحكاية، لدى كل طيرٍ حكاية رمزية، كذلك الطيور التي قدَّمت أعذاراً، ولم ترتحل في البحث، كانت لاعتذارها حكاية، وفي عذرها، أيضاً، رمز للبقاء في منطقة التعوّد أو الراحة، التي يتكلّس فيها كل شيء حتى السؤال المشروع.
الحكاية غنية بالرموز في عناصرها وأبطالها وكواليسها، وشخوصها الأساسية والفرعية، وبخاتمتها العظيمة (الهدهد/ الفينيق/ جبل قاف/ الأودية السبعة/ الثلاثون طائراً/ الطيور المعتذرة.....).
ولكن كيف يُمكننا توظيف الرمز الروحي السلوكي، بما يتناسب مع وحي الطفل، ومساره في الحياة؟.. الإجابة ستأتي عبر القارئ الطفل أو الراشد، عبر الآباء والأمهات، وكل من سيقرأ هذه الحكاية التي ستكون، بإذن الله، على رفّ مكتبة معهد الشارقة للتراث.