#مقالات رأي
نسرين فاخر 1 يوليو 2024
مع قدوم الصيف، فصل الرحلات والاستجمام وقطاف الرطب.. أتساءل أحياناً، بعد مشاهدات عديدة لمناظر القطط، التي تجوب الشوارع، أو تستلقي أمام بوابات البنايات؛ لتتنفس بعض البرودة، أو لتخفف عن نفسها قيظ ورطوبة الصيف: كيف تحتمل هذه المخلوقات الرطوبة والحرارة المرتفعتين؟.. وكيف تعبّر عن عطشها واحتياجها إلى الغذاء؟.. وإلى أي درجة، يشكل الرفق بالحيوان إشارة إنسانية وحضارية إلى حالة العافية التي نعيشها؟
على طرفٍ آخر، أرى تجليات الرحمة والعطف، من خلال أطباق موزعة في الزوايا، وقد وضِع فيها الطعام والماء؛ فأشعر بالاطمئنان، والسعادة، وإنسانية هؤلاء الذين يفكّرون في الكائنات من حولهم، فأقول: يا سبحان رزّاق الأكوان!
هذا المشهد يعيدني إلى إحدى القيم التي تربينا عليها، وهي «الرأفة بالحيوان»، وإلى بيوتنا التي تمطر إنسانية، ويأخذني هذا إلى ما أراه حولي، من قيم وسلوكيات، تتجلى في أنبل صورها في الرفق بالحيوان، ومنح هذه المخلوقات بعض الفيء، والغذاء والماء، وكأنها جزء من سكان الحيّ، والشارع، وهذا يضفي بعداً جمالياً حقيقياً، ووعياً خاصاً بالبيئة، وكائناتها، فأقول بيني وبين نفسي: هذا العالم بخير، طالما هناك بشر يعطفون على هذه الكائنات! وهذا بالتأكيد لا ينفصل عن عاداتنا وأعرافنا؛ فالطفل الذي يرى هذا المشهد سيتعلم معنى الرأفة بالحيوان، ومنحه إمكانية الوصول إلى الظل.
هذا المشهد أعادني إلى الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، رجل البيئة وقاهر الصحراء، الذي آمن بالبيئة والأرض، بإنسانها وكائناتها، هذا الرجل الذي ترك لنا إرثاً خالداً من المواقف والأمثال، التي ترسخت في وجدان أبناء الإمارات.. سلوكاً، وثقافةً، ونهجاً إنسانياً راقياً ونبيلاً.
يكفي أن نتذكر أنه أسس هيئة الرفق بالحيوان، حينما كان حاكماً لإمارة أبوظبي عام 1966. فما أسسه يفوق الخيال؛ فقد ضمت الهيئة مجموعة من الجوالين، الذين تولوا حراسة الصحراء؛ للإشراف على تطبيق الحظر المفروض على صيد الحيوانات البرية، ثم توالت مشاريع زايد الخير بإنشاء المؤسسات والهيئات التي تُعنى بالحياة الفطرية وأبحاثها، ودرء المخاطر عن الحيوانات والطيور النادرة، وإطلاق برامج إكثار الحبارى؛ لهذا ستظل كلماته ضوءاً ومرشداً لنا، فيكفي أن نتذكر قوله، طيب الله ثراه: «المحافظة على الطبيعة التزام وواجب مقدس. يجب علينا ألا نخلَّ بالتوازن الحيوي؛ لأن بقاءنا يعتمد عليه، ويجب أن نلعب دوراً إيجابياً في ترك هذه الأرض مكاناً أخضر لأجيالنا القادمة»، وكأنه أدرك - ببُعْد فطري - معنى الاستدامة، ومعنى الخير، ومعنى الأرض والإنسان، وهذه الطبيعة المشرقة بالأمل والكائنات، لهذا أسس المحميات، وكتب على تراب الأرض معنى الحياة. هنا، أترجم ما أراه من مشاهد أطباق الغذاء والماء لهذه الكائنات، فهي صور حقيقية للجوهر الإنساني لكل من يعيش على هذه الأرض، لأنه يدرك أن هذه الكائنات مؤنسة للكثيرين، وفوائدها للصحة النفسية والجسدية كبيرة.
هكذا ترسخت القيم الإنسانية في أنقى صورها بالمجتمع الإماراتي، جيلاً بعد جيل، وأضحى الرفق بالحيوان جزءاً أصيلاً من ثقافة إنسان هذه الأرض، وعنواناً لنبله وإنسانيته، اللذين يتسعان للحيوان والشجر والحجر.