#ثقافة وفنون
نجاة الظاهري الأربعاء 9 ابريل 16:00
حينما نتحدث عن رموز الشعر الإماراتية، لا بد من المرور باسمها.. إنها الشاعرة شيخة المطيري، التي تحمل اسم الإمارات معها - مفتخرةً - إلى كل المحافل الدولية، وأيضاً همَّ الشعر وجمالياته في كل مراحل حياتها. ولشدة اهتمامها بالكلمة واللغة والأدب، لم تكتفِ بكتابتها فقط، بل احتفت بها قراءةً ودراسةً وعملاً في مركز جمعة الماجد، بالإضافة إلى تقديم البرامج بإذاعة الشارقة في مجالات الأدب المتنوعة.. التقت «زهرة الخليج» الشاعرة الإماراتية؛ فأخذتنا إلى عوالمها الساحرة، وأسفارها الشعرية الثرية.. في هذا الحوار:
-
شيخة المطيري: الشعر زادني بحثاً عن المعنى الأعمق للحياة
عالم خاص
شيخة المطيري.. ما الذي صنع عالمها الشعري الخاص؟
أعتقد أن العامل الأول، لظهور القصيدة في حياتي، هو الرسوم المتحركة، التي كنت أشاهدها في طفولتي، فشارة البداية كانت تضيف إلينا – وإن لم نلاحظ هذا الأمر - أرشيفاً كاملاً لمجموعة كبيرة من القصائد المغناة، فتترسخ في ذاكرتنا اللا واعية. حينها لم نكن ندرك معنى كلمة «شعر»، أو «شاعر»، أو «قصيدة»، لكننا كنا نعرف كلمة «أنشودة». أما العامل الثاني فهو المدرسة، حيث تبدأ الذاكرة الحقيقية، على عكس سابقتها غير المحسوسة. في الصف الأول الابتدائي، كنا ننشد المحفوظات، ولم نكن وصلنا بَعْدُ إلى مرحلة إلقاء القصيدة. وانتقلت الحالة من فكرة المدرسة إلى العالم الخارجي عن طريقة مكتبة أبي، تلك المكتبة الكبيرة، التي لم يكن يدخلها أحدٌ غيره، والتي انتابني فضول لاقتحامها. أذكر أنني دخلتها في هدوء فترة قيلولته، وطولي - حينها - كان مناسباً للرف الذي يضع فيه الكتب الفصيحة، فاستللت كتاباً، وكان ديوان شعر لمعالي الدكتور مانع سعيد العتيبة، بعنوان «أمير الحب». كنت وقتها في الصف الثاني الابتدائي، وكنت أحفظ قصائد الديوان، وأنشدها.
حدثينا عن المرحلة، التي تلت تلك الفترة!
ذات يوم، كتبت أبياتاً بسيطة، لكنها في هذه الفترة كانت - بالنسبة لي - فتحاً عظيماً. ولشدة فرحي بها؛ كتبتها على الأوراق، والجدران، وخبأتها. انتقلنا - بعدها - إلى منزل جديد، وانتقلت معنا المكتبة، وأحلام بداية الكتابة. وما جعلني قادرة على محاولة الكتابة مرة أخرى، هو شعوري بأنني مستقلة، وقادرة على الكتابة، كان هذا شيئاً كبيراً بالنسبة لي. كل المحاولات - بعد تلك الأبيات - كانت خواطر، إلى أن وصلت إلى مرحلة قراءة الشعر، حيث أصبح الشعر بالنسبة لي كائناً واضح الملامح. ومع تقدم مراحلي الدراسية، بدأت أفهم مقصود «الشعر»، و«القصيدة» وطريقة إلقائها. بدأ تعطشي إلى الشعر يزداد، وحينما اكتشف والدي الأمر، ذهب إلى أصدقائه، وطلب من الشعراء منهم إهدائي كتبهم الشعرية، حينها لم أكن أعلم أن الشعراء يعيشون معنا، فقد كنت أحسبهم كائنات هلامية. ثم بدأت مرحلة شراء الدواوين الشعرية، التي بعت ذهبي من أجلها وأنا طفلة؛ حتى لا أرهق أحداً مادياً من أجل شيء أريده. الرحلة كانت طويلة، لكن لولاها لما أصبحت شاعرة.
شاركتِ في «أمير الشعراء»، و«المعلّقة».. هل هذه المشاركات واجبة على الشاعر خلال مسيرته الشعرية؟
هي قناعات.. فأنا مثلاً كنت أظن أنه لا يجوز لي أن أنشر قصيدتي على أي منبر؛ لأنني أكتبها لنفسي. لكن مع مرور الوقت، شعرت بأن هناك واجباً وطنياً واجتماعياً عليَّ أن أؤديه، فهي ليست عبارات نرددها فقط، فهناك معنى أعمق لوجودنا في هذه الحياة. يوماً ما، قال لي معالي جمعة الماجد: «القصيدة التي تكتبينها وتضعينها في الدرج لن يسألك عنها أحد، ولكن بمجرد ما تنتقل إلى طاولة القارئ؛ فستصبح للجميع»، فيجب أن نعرف متى نأخذ قراراً بأن تصبح القصيدة للجميع. وأنا مع فكرة الانتقال من مرحلة إلى أخرى، ويجب أن نتقبل الملاحظات، ففي البدايات نسمع تعليقات وملاحظات قد لا تعجبنا، وقد نلقي قصائدنا طوال أمسية كاملة ولا تعجب أحداً، وهذا حدث معي. وهذا ليس أمراً سيئاً؛ لأنك ستشعر بأنك في كل مرحلة تتقدم وتتطور، وتكتب بشكل أفضل، وهذا ما أحتاج إليه، وحينما جاءت فرصة المشاركة في «أمير الشعراء»، و«المعلقة»، كانت من باب أن هذه البرامج تقدّم في أوطاننا.. فلماذا لا نكون جزءاً من هذه الذاكرة، خاصة التي يُلقى فيها «شعر إماراتي»؟!
-
شيخة المطيري: الشعر زادني بحثاً عن المعنى الأعمق للحياة
أثر الشعر
علاقتك بالكلمة تجاوزت الكتابة إلى العمل والإذاعة.. كيف أثر كل هذا في قصائدك؟
ربما في قضية جَمع المشاهد، نصاب أحياناً بمراحل من الهدوء، أو الصمت الاجتماعي، ولا نملك مشهداً حقيقياً، لأن كل المشاهد تتكرر؛ لذلك أحياناً أفتعل المواقف؛ لأعيش ظاهرة ما، كأن أتعب للوصول إلى مكان معين، لعيش تجربة الآخرين. ليس فقط على مستوى الإنسان، وإنما حتى على مستوى الكائنات الأخرى، إذ لفتتني مرة في العمل رؤية طائر بنى عشه في المكان نفسه أكثر من مرة، ما جعلني أتساءل عن اختياره هذا المكان تحديداً، هو وغيره من الطيور. كما أن تنقلي بين أكثر من مؤسسة أحدث لديَّ حكايات، تجعلني أخرج بحلة نفسية مختلفة عن لحظة دخولي إليها.
كيف أثّر الشعر في نفس شيخة المطيري؟
زادني الشعر قلقاً؛ فدائماً أسأل نفسي: لمن أكتب؟ وماذا أكتب؟ وكيف أقدم نفسي كشاعرة؟.. لي قصيدة جديدة اسمها «بائع الشاي»، تتحدث عن فكرة كيف أن بائع الشاي الذي يقف، ويحاول تلبية كل الطلبات، لا يملك وقتاً لسقوط دمعة من عينه شوقاً إلى أسرته في بلده. أحس بأن الشعر زاد قلق الفكرة، فماذا أكتب، وماذا أقدم إلى الحياة، والشارع.
هل للقصيدة دور يتعدى مجرد روايتها؟
هناك أصوات كثيرة في العالم تكتب الشعر، وتنتظره، وتحبه، وتقرأه، وتغنيه؛ لأن الشعر يجمعنا رغم اختلاف أصواتنا، ويجعلنا نبحث كثيراً عن فكرة ماذا يكتب الشاعر، ونعطي أنفسنا المساحة الحقيقية؛ لتقبل كل الأصوات الشعرية. اليوم حينما أضيف إلى ذهني قراءة شعرية جديدة، أو أطلع على مدرسة شعرية جديدة؛ أجدني أبحث عن أخواتي الشاعرات، اللواتي لا يشبهنني ظاهرياً، لكننا نلتقي إنسانياً في هذا الشيء الذي يجمعنا.