#منوعات
كارمن العسيلي 9 ابريل 2025
في عالم الموسيقى، هناك ثنائيات نادرة تتجاوز حدود التقنية والمهارة؛ لتصل إلى جوهر الإحساس الخالص.. كاتيا ومارييل لابيك، مثال حي على هذا التناغم الفريد، حيث يتحول العزف المشترك بينهما إلى حوار موسيقي عميق، تتداخل فيه الألحان كما أفكارهما ومشاعرهما. فمنذ طفولتهما، شكّل البيانو وسيلة لاكتشاف الذات والعالم من حولهما، فكان لغة سرية، تتجاوز الكلمات، وتتحدث بها أناملهما، بوضوح مدهش. فمن موسيقى باخ إلى فيليب غلاس، ومن الكلاسيكيات الخالدة إلى التجريب المعاصر، استمرت الشقيقتان في إعادة تعريف ما يعنيه الأداء الموسيقي الثنائي، فمزجتاه بالابتكار، والبحث المستمر عن الأصالة. وبينما تستعدان للعزف في مهرجان أبوظبي 2025، يومَيْ: 16، و17 أبريل الحالي، نتحدث معهما عن رحلتهما، والشغف الذي يحركهما، واللحظات التي تشكلت فيها رؤيتهما الموسيقية؛ لنتعرف على الجانب الإنساني لفنانتين لا تكتفيان بعزف النوتات، بل تمنحانها حياة نابضة بالثراء.. وهذا نص الحوار:
كيف بدأت رحلتكما مع البيانو، ومتى شعرتما بأنه شغفكما الحقيقي؟
نشأنا في منزل مليء بالإيقاع والنغم، حيث كانت والدتنا مُدرّسة بيانو، وكنا محظوظتين بأن تكون الموسيقى جزءًا من حياتنا اليومية، لهذا جاء العزف على البيانو امتدادًا طبيعيًا لبيئتنا، ومسارًا اكتشفنا فيه شغفنا الحقيقي منذ الصغر.
-
كاتيا ومارييل لابيك- تصوير: Umberto Nicoletti
أواصر أخوية
كيف أثر رابطكما الأخوي في مسيرتكما الموسيقية؟
وجودنا، معًا، في هذه الرحلة هو قوة في حد ذاته؛ فكل مشروع نخوضه يُشبه مغامرة جديدة، وقد عززت الموسيقى علاقتنا، وجعلتها أكثر عمقًا وتماسكًا عبر السنين.
هل تختلفان في تفسيركما للمقطوعات الموسيقية، وكيف تتعاملان مع هذه الاختلافات؟
بالطبع، يحدث ذلك أحيانًا، وهنا يكمن جمال الموسيقى!.. فنناقش، ونجرب، ونكتشف زوايا جديدة. ومع الوقت، نصل إلى نقطة التقاء. في النهاية، الموسيقى وإن كانت عبارة عن نوتات، فهي أيضاً مساحة مفتوحة للحوار والإبداع، ما يجعل تعاوننا ممتعًا ومتجددًا دائمًا.. إنه سحر الموسيقى!
ما الصفات، التي تُعجب كل واحدة منكما في الأخرى؟
كاتيا: يُدهشني، دائمًا، في مارييل استقرارها وقوتها؛ فهي التي تمنح موسيقانا أساسها العميق والمتين، تمامًا كقاعدة المنزل، التي تجعل البناء صلبًا. ومن دون هذا الأساس، لا يمكن لأي شيء أن يستقيم، وبفضله نحلق عاليًا.
مارييل: تمتلك كاتيا حدسًا موسيقيًا مذهلًا، وطريقتها في التعبير عن الألحان تحمل دائمًا عنصر المفاجأة والجمال؛ فخيالها واسع، وطاقتها الإيجابية لا تنتهي، فهي دائمًا في رحلة بحث عن موسيقى جديدة، ومواهب ملهمة، ومستعدة لخوض تجارب موسيقية غير متوقعة. هذه الروح المتجددة تجعلنا نستمر في الاستمتاع بالعزف، معًا، بعد كل هذه السنوات.
سحر خاص
ستقدمان عرضًا ضمن مهرجان أبوظبي 2025.. ما الذي يثير حماستكما بشأن هذا الحدث؟
المرة الأولى تحمل، دائمًا، سحرها الخاص!.. فكل شيء فيها غير متوقع، ونحن لا نعرف الجمهور بَعْدُ، وهو أيضًا لم يسمعنا من قَبْلُ؛ لهذا سيكون لقاءً موسيقيًا جديدًا تمامًا، خاصةً أنه سيستمع للمرة الأولى إلى مقطوعات فيليب غلاس، التي أعدّت خصيصًا لنا. ونأمل أن تأسره هذه الموسيقى كما أسرتنا، وأن تكون ليلة ممتعة. ولا بد من الإشارة إلى أن مهرجان أبوظبي يعد منصة عالمية للإبداع، حيث يستقطب نخبة من الفنانين والمؤدّين، ويساهم في إنتاجات ثقافية، وبرامج تعليمية، تعزز المشهد الفني العالمي، مع الحفاظ على روح الإبداع العربي، وترسيخ التبادل الثقافي.
تمتد عروضكما عبر مجموعة واسعة من الأنواع الموسيقية والمؤلفين.. كيف تختاران المقطوعات التي تناسبكما؟
الأمر بسيط جدًا؛ لأننا نختار بدافع الحب!.. فالموسيقى - بالنسبة لنا - عبارة عن مشاعر وتجارب؛ لذلك لا نعزف إلا المقطوعات التي تلامس قلوبنا، وتثير فينا الشغف.
كيف تنجحان في كسر الصورة النمطية للموسيقى الكلاسيكية، وجَعْلها أقرب إلى الأجيال الشابة، وما دور الابتكار في ذلك؟
الابتكار هو المفتاح لجعل الموسيقى الكلاسيكية تنبض بالحياة في عيون الأجيال الجديدة. واختيار «الريبرتوار» بعناية، ومزج الكلاسيكي بالمعاصر، يمنحان الموسيقى بُعدًا جديدًا، يجعلها أكثر جذبًا وتواصلًا مع الشباب. لقد رأينا كيف نجحت قاعات، مثل: «فيلهارموني باريس»، و«ديزني هول» بلوس أنجلوس، في استقطاب جمهور أصغر سناً، من خلال تقديم تجارب موسيقية تمزج أنماطاً مختلفة من الموسيقى، وهناك مسارح أخرى عدة بدأت تتبنى هذا النهج. فالموسيقى، في جوهرها، لغة عالمية وعندما تتطور وتتفاعل مع الزمن؛ تظل قادرة على إلهام كل الأجيال.
روتين خاص
كيف يبدو يوم التمرين النموذجي بالنسبة لكما؟
في الحقيقة، لا يوجد «يوم تمرين نموذجي» في قاموسنا!.. فجدولنا يتغير باستمرار؛ تبعًا لجولاتنا، والأعمال الموسيقية الجديدة التي نتعلمها، والتسجيلات، والمقابلات، وحتى الأمور الحياتية البسيطة. فكل يوم يحمل طابعًا مختلفًا، وكل عام يختلف عن الآخر في رحلتنا الموسيقية.
هل لديكما طقوس خاصة قبل الصعود إلى المسرح؛ لتقديم عروضكما؟
بالتأكيد!.. فالتحضير للعرض لا يقتصر على التدريبات، بل يمتد أيضاً إلى طقوس تمنحنا التوازن والطاقة. فنبدأ، أولاً، بوضع المكياج، ثم نتناول الفواكه المجففة، والشوكولاتة الداكنة؛ لتعزيز التركيز، ونشرب شاي الأعشاب؛ لنشعر بالهدوء. كما نفضل الاستعداد للعرض في المسرح نفسه، حيث نشعر بطاقة المكان قبل أن نبدأ العزف.
هل تحدث معكما مواقف طريفة، أو غير متوقعة، على المسرح؟
الموسيقى كالمحيط، مليئة بالمفاجآت!.. في كل حفل، يمكن أن يحدث شيء غير متوقع، من خلال لحظة ارتجالية غير مخطط لها، أو تفاعل مفاجئ من الجمهور، ما يجعل كل أداء فريدًا.
عندما تكونان على المسرح، ما الذي لا يزال يثير توتركما، أو حماستكما؟
البيانو نفسه قد يكون مصدر قلق أو متعة!.. فعندما تكون حالة الآلة غير جيدة، نشعر بالتوتر؛ لأنها لا تستجيب كما ينبغي. وعلى العكس، البيانو الجيد يمنحنا حرية التعبير، ويجعلنا متحمستين للعزف. أما العزف في الهواء الطلق مع رياح قوية، فهو تحدٍّ من نوع آخر، حيث تتغير الأصوات والإحساس بالموسيقى مع كل نسمة هواء!
-
كاتيا ومارييل لابيك: العزف على البيانو امتداد طبيعي لبيئتنا
إذا كان عليكما اختيار مقطوعة واحدة؛ لتعريف شخص بموسيقى البيانو للمرة الأولى، فما هي، ولماذا؟
سنختار فانتازيا شوبيرت «الأربع أيادٍ»؛ لأنها تحفة موسيقية ساحرة، تحمل واحداً من أجمل الألحان التي كُتبت على الإطلاق، وتأخذ المستمع في رحلة حالمة.
مَن الموسيقيون، الذين تركوا أعمق الأثر في رحلتكما الفنية؟
تشكّلت هويتنا الموسيقية عبر مزيج فريد من الكلاسيكية والحداثة، حيث تأثرنا بعمالقة، مثل: رافيل، وسترافينسكي، وباخ، وموزارت، إلى جانب أساطير «الجاز»، والموسيقى الحديثة، مثل: بيلي هوليداي، والبيتلز، ومايلز ديفيس، وراديوهيد. أما اليوم، فنحن نجد الإلهام في أعمال: برايس ديسنر، وتوم يورك، وسايمون راتل، وغيرهم، ممن يوسّعون آفاق الموسيقى. ورغم أننا لم نعش في زمن رافيل، أو سترافينسكي، إلا أن الحظ جمعنا بمؤلفين عباقرة، مثل: لوتشيانو بيري، وأوليفييه ميسيان، وبيير بوليز، وجيورجي ليغيتي، خلال سنواتنا الأولى، وكان لتلك اللقاءات أثر بالغ في تطور أسلوبنا الفني، ورؤيتنا الموسيقية.
هوايات
بعيدًا عن العزف، كيف تقضيان أوقاتكما، وهل لديكما هوايات أو اهتمامات أخرى؟
الموسيقى تملأ حياتنا، لكن عندما لا نعزف، نجد متعتنا في العناية بحديقتنا، والاستمتاع بسحر السينما، التي نراها فن العصر الحديث؛ لأنها تدمج الأدب، والإخراج، والتمثيل، والموسيقى في تجربة واحدة. كما نشعر بسعادة غامرة؛ عندما تُستخدم مقطوعاتنا في أفلام مخرجين كبار، مثل: بول توماس أندرسون، وريبيكا ميلر. كما نهوى المشي لمسافات طويلة والسباحة، فقد نشأنا في بلاد «الباسك»، حيث علّمنا والدنا السباحة منذ نعومة أظافرنا. ونتطلع، بشغف، إلى رؤية الموجة الاصطناعية في جزيرة الحديريات - أبوظبي، تلك التي يحلم بها راكبو الأمواج من جميع أنحاء العالم!.. ونأمل تجربتها.
-
كاتيا ومارييل لابيك: العزف على البيانو امتداد طبيعي لبيئتنا
إن لم تكونا موسيقيتين، فما المسار الذي كنتما ستختارانه؟
من الصعب حتى تخيّل ذلك!.. فالموسيقى ليست مهنة بالنسبة لنا، وإنما هي جوهر وجودنا، ومن دونها لا نعرف كيف كانت ستبدو حياتنا.
ماذا عن مؤسستكما «KML» ورؤيتها، وكيف تأملان التأثير في مستقبل الموسيقى؟
الموسيقى مسؤولية، ومن خلال «KML»، نسعى لأن نكون جزءًا من تشكيل مستقبلها؛ لأننا ندرك أن الموسيقيين، ومنظمي الحفلات، يضعون بصمتهم الخاصة في هذا العالم الواسع من الإبداع. وكل مساهمة، مهما كانت صغيرة، تصنع فارقًا، وكل نغمة تفتح بابًا جديدًا للاستكشاف.
هل هناك مشاريع، أو تعاونات جديدة، تثير حماستكما؟
نعيش، دائمًا، في حالة اكتشاف!.. حاليًا، نعمل على مشروع «Glass/Cocteau Trilogy»، كما نواصل تطوير «Sonic Wires»، بالتعاون مع المؤلفَين وعازفَي الغيتار: برايس ديسنر، وديفيد تشالمين. وفي مايو المقبل، سنطلق ألبومنا الجديد «Electric Fields»، مع باربرا هانيغان، وديفيد تشالمين. لكن هذا ليس كل شيء!.. فسنعود، أيضًا، للعزف على «البيانو الفورت»، ضمن برنامج يضم حفلات كونشيرتو لباخ وموزارت، بقيادة المايسترو جيوفاني أنطونيني، وفرقة «Il Giardino Armonico». وبالنسبة لنا، الحلم الأكبر هو الاستمرار في العزف، والسفر، والتواصل مع الموسيقيين والجماهير حول العالم؛ لأن الموسيقى لا تعرف الحدود.