#ثقافة وفنون
زهرة الخليج 23 يونيو 2020
ثلاثة عقود من العطاء الفني، قضاها الفنان التشكيلي الإماراتي محمد أحمد المنصوري، استطاع خلالها أن يطور فيها رؤاه وأدواته الفنية الخاصة والتي شكلت الحياة المحيطة به، وقد مر بمحطات ومراحل رئيسية أفرزت إبداعات فنية ليست بالقليلة وكان للطبيعة ومفاتنها النصيب الأكبر من أعماله الفنية، وتحمل لوحاته بهجة روحية وذاتية تتجلى في ألوانها العميقة في أفقها الجمالي، وخلال مشوار رحلته مع الفن التشكيلي قام بتأسيس مركز خورفكان للفنون بدائرة الثقافة والإعلام بالشارقة.
ويقول المنصوري لـ«زهرة الخليج»: «يجب فهم طبيعة النفس وطبيعة البيئة المحيطة سواء البيئة الاجتماعية أو النفسية أو الجغرافية، والعودة لطبيعة حب الأرض والالتفات إلى معطياتها، وسماتها الخاصة».
فن الطبيعة
يشير المنصوري إلى أن مدينة خورفكان التي يعيش فيها، ذات طبيعة فريدة خاصة تحيط بها الجبال من ثلاث جهات والبحر من الجهة الرابعة، فينعدم الغروب ويلقي ظلالاً غامضة على مفرداتها، تاركاً ألواناً غامضة، فأيقظ هذا الجمال بداخله حب رسم فن الأرض أو فن الطبيعة الذي يقول عنه: «ليس مجرد قطعة فنية في الفضاء الطلق بل هو حوار خاص معها، سؤال عن طبيعتها، سؤال عن مواردها وعناصرها». وفيما يتعلق بأجواء وطقوس الرسم وتجليات الأفكار التي تداهمه من خلال عشقه للطبيعة وتفاصيلها، يضيف المنصوري: «أذهب بيد عارية، ألتقط بقايا الأغصان أجمع الأعشاب الجافة والطين وأقلب الأحجار بين يدي وأتبع أثر المخلوقات وأشم الروائح وأتلمس الهواء، فهي كلها عناصر ومواد أستخدمها لإنتاج العمل الفني، لإيماني بأن العمل الفني هو الحوار مع هذا الفضاء».
المواهب الشابة
يرى المنصوري أن تأسيس (مركز خورفكان للفنون)، جاء ليكمل ويرفد المؤسسات الفنية الأخرى الموجودة منذ بداية الحركة التشكيلية المحلية، بعد (مرسم جمعية الإمارات للفنون التشكيلية) في الشارقة، و(مرسم الشباب) في دبي، و(مرسم المجمع الثقافي) في أبوظبي، في فترة تنعدم فيها المؤسسات الخاصة المتخصصة في الفنون، فكان دوره مكملاً لاحتضان المواهب الشابة وصقلها من خلال إقامة الورش المعنية بتعليم مبادئ الرسم والتقنيات الفنية والمحاضرات التثقيفية والمعارض، وتتم استضافة بعض الفنانين لتنفيذ ذلك.
مستقبل الفن
حول مستقبل الحركة الفنية بالإمارات، يقول المنصوري: «متفائل جداً بالمستقبل الفني بالإمارات، إذ يحظى بدعم كبير وخاص في المؤسسات الرسمية، فضلاً عن وجود المؤسسات التعليمية المتعددة التي تعتبر الرافد الأساسي، وتأتي المتاحف والمعارض والفعاليات مكملة لهذا الدور. وجود متاحف مثل (اللوفر- أبوظبي)، و(متحف الفنون المعاصرة) في الشارقة، وفعاليات الفنون الأخرى مثل: (بينالي الشارقة وفن أبوظبي وفن دبي) تصب جميعها في المنظومة المسهمة في بناء الفن والفنانين ومجتمع متذوق للفنون. فهذا الحراك الفني أوجد جيلاً من الفنانين الشباب الجاد والواعي لأهمية دور الفن في تقدم المجتمع، هذا الجيل يعمل على إيجاد خصوصية وسمة سواء للفنان نفسه أو للفن الإماراتي بشكل عام وهي سمات لا تقل شأناً عن التجارب العالمية».
الوسائل العصرية
وعن تأثير التكنولوجيا في الفن التشكيلي يوضح المنصوري: «الفن في الوقت الحاضر أصبح متطوراً أكثر مما نتصور، لوجود الكم الهائل من المعلومات وسهولة الوصول لها، ولتنوع الأدوات المختلفة، فيحق اليوم للفن استخدام كل الوسائل العصرية المتاحة لإنتاج العمل الفني وهذه مميزات كبيرة للفنانين الشباب».
مراحل الإبداع
كان للقراءة دور مهم في تشكيل تجربة المنصوري الفنية، إذ إنها كانت السبب في بلورة فكره وتحديد الخطاب الفني لديه، يقول عنها: «تأثرت في البداية بمقولات الكثير من الأدباء والشعراء والفنانين العالميين، منها مقولة الشاعر شارل بودلير (هناك من لا يستطيع أن يلهو إلا وهو في قطيع، البطل الحقيقي يلهو وحيداً)».
يلفت المنصوري إلى أنه بعد مرحلة الجانب النظري للفن، والتي تشكلت من خلال القراءات لتاريخ الفن وسيرة حياة الفنانين، جاءت المرحلة التقنية لاستخدام الخامات والتعرف إلى تقنية المنظور والضوء والظل، وهي الأساسيات في الفن التشكيلي من خلال تطبيق ورشة عمل مع الأستاذ ياسر الدويك ما بين عامي 1983 و1986 في الشارقة، موضحاً: «كانت هذه المرحلة في تجربتي هي التقائي الفنان الراحل حسن شريف في مرسم الشباب عام 1987، وأعتبرها الانطلاقة الحقيقية لي، إذ بدأت تتشكل تجربتي الفنية وشاركت في المعرض العام لجمعية الإمارات عام 1987، ثم قدمت معرضي الأول عام 1991 في المركز الثقافي بالشارقة، واتجهت إلى الرسم التجريبي في المادة والشكل بعيداً عن سطح اللوحة».
فن عالمي
فيما يتعلق بأهم المحطات الفنية في حياته، يشير المنصوري إلى أن لقاءه الفنان الهولندي جوسي كليفرز عام 1994، وزيارة مركز سيتارد للفنون الذي قضي فيه فترة طويلة، أتاحت له التعرف عن قرب إلى الفن الأوروبي والعالمي، والانضمام إلى الورش الفنية المتعددة هناك، يضيف: «أقمت معرضي الشخصي الأول هناك عام 1994 بعنوان خطوط، وفي عام 1995 أقمت معرضاً جماعياً مع الفنانين حسن شريف وحسين شريف ومحمد كاظم، وكان هذا المعرض بداية الانطلاقة في أوروبا، وأقمنا بعده معرضاً في ملتقى الفنون في مدينة آخن الألمانية عام 2002».