أحلام مستغانمي 10 يناير 2019
في شوارع جنيف التي عبرتها بتوقيت أعياد نهاية السنة، حزنت لكلّ تلك الساعات الثمينة المعروضة في واجهات المحلات الفاخرة. يا لكلّ ذلك الوقت الثمين المتوقّف في انتظار من يشتريه!
ساعات تبحث عن معصم. وقت يحترش بثري كي يهديه لحبيبة، عساها تعيش بتوقيته.
وقتٌ من ذهب، وآخر من ألماس، وثالث من زمرد أو ياقوت. أحجار ثمينة لن تمنع الوقت من أن يمضي. تعطيك وهم انفرادك بوقت استثنائي، أغلى من غيره. لكن، لفرط ما دفعت، سينكّل بك أكثر من سواه، فقد كان رهانك عليه، وسيخذلك بمقدار ذلك.
ساعات تباهي الماركات الفاخرة، بكفالتها الأبديّة، وبعدد الساعات التي احتاج صانعوها لإنجازها، لتكون في دقتها الفائقة وفخامتها الخارقة، نسخة فريدة في معصم صاحبها، من دون أن تضمن له أوقاتاً سعيدة. فهي تبيعه مطلق الوقت، أمّا أوقاته، فهي في عصمة من وهبه الحياة، وكتب له منها مواقيت لا تدري بها عقارب الساعات.
سوق الساعات في كساد، لكن حزننا في ازدياد. فمنذ دخل الهاتف النقال إلى حياتنا، انتقل الوقت من معصمنا إلى جيبنا. ومن حاسة النظر إلى المشاعر. فقد غدا مرتبطاً بصوت من نحب، برسائله، وصوره، وبلحظات مسروقة من الزمن، نحن من وضع لها الثمن.
لذا، سيظل الحزن يلازم النساء.
كُنا في الماضي نريد رجالاً، يهدوننا أوقاتهم إلى الأبد، لكنهم كانوا يهدوننا ساعة لليد ويمضون. وأصبحنا في زمن الجوال، نريد منهم أن يهدونا أصواتهم كجرعات دواء، صباح مساء، وقبل النوم، وعند الألم، لكنهم أصبحوا يحتفظون بأصواتهم، يهدوننا آخر موديل للجوال.. ويرحلون!
***
يقول ماركيز في روايته «عاهراتي الحزينات»: «ليس العمر ما يملكه المرء من سنوات بل ما يملكه من أحاسيس». علينا إذن، في بداية السنة، أن نُقاوم ذعر الزمن الهارب بنا، نحو عام آخر. ألا نقيس أعمارنا بما عشنا من أعوام، ويُحسب علينا في شهادة الميلاد، بل بما عايشنا من مشاعر، بشهادة هزاتنا العاطفية. وحدهم الذين أحبوا عاشوا حقاً أعمارهم. أبكاهم الحب حيناً وأسعدهم أحياناً، وأهداهم برغم الألم دليلاً أنهم ما زالوا قيد الفرح وقيد الحزن، وقيد ترقّب الحب المقبل.. فهم إذن أحياء.
بالدموع كما بمباهج القلب تُقاس الأعمار، فلندع جانباً روزنامة السنوات، ولنعد النظر في تواريخ ميلادنا، استناداً إلى تواريخ مساقط قلوبنا، وعناوين بهجتنا، ربما اكتشفنا أننا أصغر أو أكبر سناً مما كنا نتوقع!
لشارون ستون رأي في عمر المرأة. في مقابلة لها تقول: «إن الجمال مسألة لها علاقة بالروح لا بالعمر. ذات يوم قال لي رجل إن التجاعيد التي على جانبي فمي هي كالأقواس المفتوحة التي تحيط الكلمات الجميلة التي أودّ قولها. شعرت بالرغبة في القفز واحتضانه. لا أفهم النساء المتشابهات جميعهن، واللائي يواصلن شد وجوههن حتى آخر تجعيدة».
لنتذكر ونحن في بداية عام جديد، أن ليست تجاعيد الوجه بل تجاعيد القلوب هي التي تجعلنا نشيخ!