ريما كيروز 9 يناير 2019
تحب المرأة أن تتوقف عند كل شاردة وواردة، لتحللها وتُمحّصها وتبني عليها استنتاجاتها، في حين يمر الرجل على أمور كثيرة بشكل عام، من دون أن يعيرها اهتماماً، لا لسبب إلا لأنه يكره التفاصيل.. فلماذا تحب المرأة التفاصيل الصغيرة ويكرهها الرجل؟
سؤال يُثير فضول كثيرين تغيب عنهم حقيقة أن الرجل له طبعه وشخصيته في حُب الاختزال والاختصار، وأن المرأة لها نمطها في الغور في جزيئات التفاصيل، حتى تلك التي لا تخطر على بال. وعندما يغرد كل من الطرفين في اتجاه، يحصل الصدام وتبدأ المناورات والقراءات والتحليلات التي تؤجّج الانشقاق بالرأي، يخرج الرجل بألم في الرأس من زوجة ضاق ذرعاً منها. في حين تفسر المرأة هروب الرجل من التفاصيل إلى «قوقعة» السكوت، بعدم الاهتمام وقلة المودّة تجاهها. «زهرة الخليج» طرحت السؤال على الطرفين، وخرجت بالانطباعات التالية:
أسئلة كثيرة
«أنهيتُ كل ما يلزم في الوقت المناسب، سيطير زوجي فرحاً برؤية شكلي الجديد، أما مائدة الطعام هذه فعليها كل الأطباق اللذيذة التي يحبها، وحضّرتها له بيدي». تتوجه ماجدة إلى غرفة النوم، وبالتحديد إلى المرآة الكبيرة التي تتوسطها، وتبتسم برضا معلقة: «أنا جميلة جداً وكأنني امرأة أخرى، لن يصدق أحمد عندما يراني. يا إلهي هل سيحب شعري الأشقر وقد اعتاد سواده سابقاً؟ هل سيتذكر فستاني الذي أرتديه له اليوم، وهو الذي أهداني إياه منذ عامين في عيد زواجنا؟».
أسئلة كثيرة تعنّ في بال ماجدة، ولكن المرآة وما تراه عليها يزيدها ثقة بأن النتيجة التي آل إليها شكلها ممتازة، فتخاطب نفسها بصوتٍ عالٍ: «يعود أحمد بعد غياب أسبوع في مؤتمر عمل خارج البلاد، وأؤكد أنه سُيفاجأ بامرأة جديدة».
يُخرجها قرع جرس الباب من تأملاتها، تركض نحوه وتفتحه بقلب يخفق توتراً، «حمداً لله على سلامتك حبيبي، اشتقت إليك»، تُبادره قائلة، فيبادلها التحية بأحسن ويدخل مع حقيبة السفر غرفة النوم مباشرة، تتبعه وخيبة الأمل بدأت تتجمع كالصقيع في عروقها، وتسأله: «ألم تلاحظ شيئاً؟»، يجيبها مبتسماً: «بَلى حبيبتي رأيت المائدة الشهية التي حضرتها لي، وأنا أتضور جوعاً». تجلس ماجدة على حافة السرير محدثة نفسها: «لم ينتبه إلى أنني غدوتُ شقراء، ولم ينظر إلى فستاني، هو لم يعد يحبني».
من كوكبين
يُعلق استشاري الطب النفسي، الدكتور ممدوح مختار على قصة ماجدة وزوجها، قائلاً: «هي قصة تتكرر مع ألف امرأة مثل ماجدة، والسبب لا يعود لكون الرجل لا يحب زوجته بل لأن سلوكه كتلي، أي أنه يرى الكتلة ولا يستطيع أن يدرك الجزئيات أو التفاصيل الصغيرة، مثل اللون والطول وغير ذلك».
ويتابع شارحاً: «من الطبيعي أن نجد فروقاً بين الطرفين. فقد أثبتت الدراسات النفسية أن المرأة تعشق التفاصيل وقادرة على الإدراك الجزيئي، بينما لا يميل الرجل بفطرته إلى رصد التفاصيل ويكرهها، ولا يُحسن التعامل مع من يجيد لغتها. من هنا كان الصراع الأبدي بينه وبين المرأة، والذي في أغلب الظن سيستمر، حيث إن الفروق بينهما هي بنسبة 70% أيديولوجية ووراثية، و30% منها سيكولوجية وبيئية مكتسبة، وعليه قد لا يكون هناك من حل للطرفين غير القبول بهذا الواقع». ويستند مختار إلى تجربة ماجدة فيقول: «على المرأة التي تشبه (ماجدة) في معظم الأحيان، ألا تحزن وتتأثر أو ينتابها الشك في حال لم ينتبه زوجها إلى التفاصيل، ومن المهم جداً ألا تفسر الأمر على أنه لم يعد يحبها أو يبالي ويهتم بها، ذلك أن المسألة برمّتها مرتبطة بالجهاز العصبي المركزي له، وهو سيبقى على الحال هذه حتى تقوم الساعة.. فالرجل والمرأة من كوكبَيْن مختلفين».
بين التحليل والإيجاز
يرد مُقدم برنامج «بلسم» على إذاعة «نور دبي»، الدكتور بسام درويش، على سؤال: لماذا تحب المرأة التفاصيل ويكرهها الرجل؟ بالقول: «هناك اختلافات متعددة بين الرجل والمرأة، منها التفاصيل التي تغوص فيها المرأة لتبحث وتحلل وتركّب حتى تصل إلى الهدف المنشود، في حين أن الرجل يميل إلى الإيجاز وعدم الإسهاب في الأحاديث، بل إلى الإنصات والاستماع. هناك دراسات تؤكد أن النساء يتحدثن بما يقرب من 20 ألف كلمة في اليوم، مقابل 7000 كلمة فقط ينطق بها الرجل».
ويؤشر درويش إلى أن هذه الدراسات «تجعلنا نُسلّم بحقيقة أن أسلوب الرجل في مواجهة المشكلات يختلف عن أسلوب المرأة، كونه يفضل الصمت عندما يعاني مشكلة كبيرة أو ظروفاً صعبة، في حين أنها تلجأ هي، في مثل هذه الحالات، إلى البكاء والانفعال، وغير ذلك من الاضطرابات. وإذا كانت هناك حالات لا يحبها الرجل في المرأة أو العكس، فيستوجب على الطرفين تفهّم حقيقة كل منهما لتسير الأمور بينهما بسلام وهدوء».
العقلانية
في رأي استشاري المهارات الإدارية والقيادية، الدكتور عبد اللطيف العزعزي، أن الرجل يغلب عليه استخدام النصف الأيسر من الدماغ، الذي يهتم بالمنطق والحقائق والبيانات والدقة، بعيداً عن كثرة الكلام والتفاصيل غير اللازمة، مما يُسهل عليه تحليل الأمور واتخاذ القرارات بوقت قصير وفي الوقت المناسب، خاصة عندما تكون أهدافه واضحة ومحددة. أما المرأة فتستخدم في الأغلب النصف الأيمن من الدماغ، الذي يهتم بالمشاعر والعواطف، والتفاصيل الدقيقة للأمور والتشعّب، أو المزج بين التوقع والتخمين والأحاسيس. ويضيف العزعزي: «التفاصيل للرجل تعني ضياع الوقت على أمور ليست ذات أهمية. لذا هو يعطي الخلاصة إمّا لإيصال المعلومة أو لطلب الحل. أما التفاصيل عند المرأة، فتعني الرغبة في قضاء وقت أطول مع الرجل وهو يتحدث، وهو دليل على استمتاعها ورغبتها في معرفة جوانب الأمور قدر الإمكان، وهي في الحقيقة تملك القدرة على التفاعل مع أمور كثيرة ومتعددة في الوقت عينه».
تدريب وتأهيل
تُعلق الخبيرة والمستشارة في قضايا التفكير والتعاون الدولي، ريم عبيدات، على ميل المرأة إلى التفاصيل وابتعاد الرجل عنها، بالقول: «العقل الأنثوي عقل شبكي، بمعنى أن لدى المرأة مراكز عدة للتركيز، لذلك تكون إحاطتها بالتفاصيل، سواءً أكانت البصرية، أم اللونية، أم الخيالية، أم المنطقية إحاطة شديدة، لأنها مؤهلة للتعامل مع المعلومات والمهمات كافة، من دون أن تخلط فيما بينها. بينما يختلف الرجل بأسلوب تفكيره وتعاطيه مع المعلومات، كون تفكيره الخطي لا يخوّله إتمام مهمات عدة في وقت واحد، بل يحتاج إلى أن ينهي مهمة ليذهب إلى غيرها».
وتضيف: «هذا لا يعني أن كل الرجال هم هكذا، فهناك العديد من الرجال يبرعون في تعدد المهمات أيضاً، ولكن في المجمل الرجل يضيق ذرعاً فيما لو تسلّم أكثر من مهمة، ليس لأنه أقل موهبة أو قدرة، إنما لأن تأهيله للتعامل مع المهمات تأهيل مختلف». وتستدرك عبيدات: «إذا تفهّم الطرفان أن لكل منهما لغته الخاصة، وأسلوبه في التفكير وبصمته المزاجية، وحالته النفسية والعقلية والذهنية، وطريقته في التفاعل مع الأشياء بصورها الحقيقية. يصبح التفاهم أسهل بين الطرفين، وتخف بينهما نبرة المعاندة والمناكفة وينطفئ فتيل المنافسة المرعب، وكل الأمر ممكن أن يحدث بالتفاهم والتدريب والتأهيل النفسي للطرفين».
مواضيع تافهة
تشير استشاري الطب النفسي في (مركز دبي لصحة المجتمع)، الدكتورة حنان حسين، إلى أن العلاقة بين حب المرأة للتفاصيل وعشق الرجل للإيجاز، تنبع من أهمية الموضوعات التي يمكن مناقشتها بين الطرفين، موضحة: «بالتأكيد لن يحب الرجل التحدث عن الأزياء ومساحيق التجميل بالتفصيل، لكنه قد يود بشدة التحدث بالتفصيل الممل، عن الرياضة، السياسة، أو أي موضوع يحبه».
وتتابع: «هناك نظرية أخرى تقول، إن الرجل منذ العصور القديمة هو المسؤول عن البيت، من جانب تأمين الغذاء والأمان والرعاية، وبالتالي لا تهمه التفاصيل الصغيرة التي قد تعني المرأة، مثل رقم هاتف، اسم عطر، أو ما شابه من كماليات ورفاهية».
وتستند حسين إلى مراقبتها الشخصية للحالات النفسية التي تراها عن كثب، قائلة: «هذا الموضوع له أبعاد نفسية على المرأة، لأنها تفسر عدم مُبالاة زوجها بالتفاصيل على أنه لا يهتم بها، أو لأنها في نظره تافهة».
وتقول: «يجب على الثنائي أن يفهم أحدهما الآخر، فيتحتم على المرأة أن تكف عن اختبار زوجها والوقوف له عند كل تفصيل، وفي المقابل عليه بدوره أن يسايرها عندما يستطيع كي لا تشعر بأنه يهملها. فأحياناً تتفاقم المشكلة بينهما إذا فُسّر تصرف ما على غير ما هو عليه، أو أخذه أحد الطرفين بشكل شخصي. لذا، ربما يكون من الأفضل للطرفين الاجتهاد في إسعاد بعضهما البعض».