#ثقافة وفنون
نجاة الظاهري السبت 15 فبراير 17:00
أكثر من رواية، وأكثر من ديوان شعري، وأكثر من مسرحية، والكثير من الجوائز الأدبية.. هكذا تدور مسيرة الأديبة والكاتبة فاطمة سلطان المزروعي، التي شغلتها الكلمة والخيال والقصة منذ طفولتها مع جدتها، فأخذتها إلى عوالم كثيرة، ما زالت تصنعها بدهشة. فاطمة المتفائلة، والإيجابية، والمبتسمة دائماً، كما يشهد لها كل من يلتقيها في معارض الكتب، أو في أروقة العمل، والفعاليات المختلفة، لم يشغلها البحث العلمي، وعملها، عن العطاء الأدبي والكتاب، فالقراءة رفيقتها الدائمة، والكتابة طوع يدَيْها كل حين.. التقتها «زهرة الخليج»؛ لنذهب معها في رحلتها الأدبية:
صغيرة.. مشغولة بالقصة
كيف بدأت رحلتك مع الكلمة والقصة، وما الذي شكّل هذا الاهتمام المبكر؟
كوني أكبر أخواتي سناً، فقد كنت ملاصقة لوالدتي في طفولتي، وأذهب معها إلى المجالس، ورغم أن «السوالف»، التي كانت تتردد في هذه المجالس كبيرة على من هنَّ في مثل عمري، إلا أنني كنت أستمع إليها، وأكبر معها. وفي صغري، كذلك، كانت تشدني كل الحكايات التي أسمعها، ولا أكتفي بما يقال، بل أنسج عليها زيادات في داخلي، وأعيد صياغتها بطريقتي، ومفاهيمي. كان الأطفال في «الفريج» يجتمعون لدى جدتي كل يوم بعد المدرسة، فقد كانت معروفة بروعتها في سرد القصص وحفظها، بالإضافة إلى حفظها الأغاني الشعبية، وغنائها بصوتها الجميل، ولم أكن أستمع للقصص كالبقية (قصة تقال، وتنتهي)، بل كنت أتعلق جداً بهذه القصص، وأحفظها، وأعيد صياغتها، وأضيف إليها.
-
فاطمة سلطان المزروعي: كل موهبة تحتاج إلى التشجيع لتستمر
كان خيالك نشطاً منذ الصغر.. كيف أثّر هذا في حياتك لاحقاً، وهل ما زلت تستفيدين منه؟
كنت أحكي القصص للآخرين كما تفعل جدتي، كما أن حديقة المنزل كانت مكاناً للإنصات إلى أحاديث الآخرين، وتخزينها في الذاكرة؛ للاستفادة منها في نسج القصص لاحقاً، بالإضافة إلى خيالي، الذي كان يجعلني أتحدث مع شخصيات خيالية كل الوقت؛ وكانت والدتي تسأل: مع من تتحدّثين؟.. استمر عقلي في تأليف القصص بداخلي؛ حتى التحقت بالمدرسة، وخيالي كان - ولا يزال - أساسًا لكل ما أكتبه.
الكتاب الأول.. النقد الأول
حدثينا عن تجربتك مع أول كتاب، والانطباع الأول عنه!
كتبت مجموعتي القصصية الأولى في «المرحلة الثانوية»، وكانت بعنوان «ليلة العيد». حينها كنت على تواصل دائم مع دائرة الثقافة بالشارقة؛ فعرضت عليَّ نشرها ضمن مشروعها «إشراقات»؛ فنشرتها. لكنها لم تكن بالمستوى الذي أتمناه، فقد كنت - وقتها - في بداياتي، ولم يكن هناك من يرشدني، فقط كنت أعتمد على ما سمعته، وقرأته، وتعلمته من الحياة التي أعيشها، والبيئة التي أنتمي إليها، والمفردات التي جمعتها من المدرسة والصديقات، فكل ما كتبته فيها كان تلقائياً، إذ لم أكن - حينها - على دراية بتقنيات الكتابة، لكنني تعلمت الكثير من هذه التجربة، وكنت فَرِحَةً بهذا العمل (فرحة المحارب الذي انتصر في معركته)، وشعرت بأنها أعظم إنجاز لي.
هل تعرضتِ للنقد بعد هذه التجربة؟
بعد نشر هذه المجموعة، قرأت منها في أمسيتين أدبيتين: الأولى بأبوظبي، في مسرح «المجمع الثقافي»، وكان مليئاً بالجمهور. والأخرى في الشارقة، وكانت القراءة مع مجموعة من الكتاب. في هذه الأمسية، تعرضت لنقد لاذع من أحد النقاد، حينما أثقل عليَّ بكلماته، واصفاً المجموعة بأنها «صف للكلمات بلا معنى»، هذه الكلمات كادت أن تُنهي مسيرتي الأدبية ببدايتها؛ وقد أثرت فيَّ كلماته كثيراً؛ فالمرء - في بداياته - يكون بحاجة إلى التشجيع؛ لكي يستمر. عدت إلى المنزل، وأخذت قرارًا بالتوقف عن الكتابة تمامًا. وبمرور الوقت، أدركت أنني كنت أبالغ في ردة فعلي، فعدت إلى الكتابة بعد التخرج في الجامعة.
اليوم.. كيف تنظرين إلى النقد، خاصة الحاد منه؟
النقد جزء أصيل من رحلة الكاتب، ويجب على كل كاتب أن يدرك أن النقد يمكن أن يكون دافعًا للتطور، وليس كسرًا للروح. فالأهم هو أن تكون لدينا القدرة على التمييز بين النقد البنّاء، والذي يهدف إلى التحطيم.
إبداع.. وتجديد
عند الكتابة.. كيف تستعدين لكل مشروع جديد؟
أعتمد على التجديد، فالكتابة كالنفس بحاجة إلى التجديد دائماً، لأن القارئ ملول، والقصة يجب أن تأخذه دائماً إلى مستوى جديد من الإبداع، ومن أكثر من زاوية. دائماً أسأل نفسي: «ما العمل الذي سأقدمه للقارئ؟.. وما الذي سأضيفه إليه؟.. وكيف أجعله يتفاعل مع العمل؟». أعتقد أن الكتابة ليست فقط كلمات تُنسج، بل تجربة تنبع من الحياة.
-
فاطمة سلطان المزروعي: كل موهبة تحتاج إلى التشجيع لتستمر
ما نصيحتك لكل كاتب جديد؟
دائماً، أنصح كل كاتب جديد بعدم الاستعجال في النشر؛ فربما يدمر هذا مسيرته بالكامل؛ فالهدف ليس امتلاك كتاب وحسب، بل ما الذي يمكن أن يُحدثه هذا الكتاب، للكاتب والمتلقي. قد يكون لديك 20 كتاباً ليس لها أي تأثير، وقد تملك كتاباً واحداً يحدث فرقاً في حياتك، ويغير مسيرتك. إذا وضعتُ للكتابة مفهوماً معيناً، وعبّرت عني، وعن شخصيتي ورغباتي؛ فإنها تأتي كما أريد. كما أنني كثيراً ما أستمع إلى الأحاديث التي تدور بين النساء من حولي، وأرى أن هناك الكثير من الأفكار، التي يمكنني استخدامها، وإعادة تدويرها في كتاباتي. فالعملية لا تعتمد - لديَّ - على القراءة فقط، بل أستخدم حواسي الخمس في قراءة ما حولي ومَنْ حولي.
علاقتك بالإيجابية تجاوزت التعامل اليومي إلى كتابك الأخير «100 محور لحياة أفضل».. كيف ذلك؟
بسبب موقف الناقد الذي ذكرته، أرى أن كل شخص منا إذا استمع إلى كلمة أو شيء يكسره في الحياة، وانغمس في حالة من الحزن، فلن يتجاوز هذا الظرف؛ لذلك يجب أن يعيد كلٌّ منا حساباته مع نفسه كل حين، ليس فقط على مستوى الكتابة، بل وفي حياته عامة؛ فيجب ألا نسمح لكلمة، أو موقف، بكسرنا. ولنعيشَ بشكل أفضل، يجب أن نكون أكثر إيجابية، وفاطمة - في أعمالها - تحاول إنشاء هذه العوالم، ونشرها، لتمنح الناس الإيجابية التي يحتاجون إليها. «100 محور لحياة أفضل» احتوى على مقالات كتبتها خلال خمس سنوات، وفيها الكثير من المعاني الإيجابية، التي أتمنى أن تصل إلى الآخرين؛ فلعل كلمة إيجابية نقولها لشخص اليوم، تجعله يؤلف كتاباً غداً.
مستقبلاً.. ما الذي تحلمين بتحقيقه، من خلال كتاباتك؟
أحلم بأن تكون كتاباتي مصدر إلهام للآخرين، وأن أتمكن من تقديم أعمال تجعل القارئ يعيد التفكير في حياته، ويبحث عن جوانب الجمال والإيجابية فيها. فبالإيجابية التي نغرسها في الآخرين، قد نصنع مجتمعاً كاملاً، قائماً على هذه القيمة، وذلك من خلال محاضراتنا، وفعالياتنا، وتعاملنا.. ومن خلال الكتاب كذلك!