#تنمية ذاتية
نوال نصر 18 فبراير 2024
«وفاء» امرأة غريبة الأطوار، وتصرفاتها غير المتوقعة باتت بمثابة عقاب لأفراد بيتها. وزوجها يحاول مجاراتها في آرائها وأفعالها؛ كي يتجنب مشاحنات يومية معها؛ فهي تدأب على تغيير لون شعرها في الشهر الواحد مرتين وثلاثاً إلى أسود، وأشقر، ونحاسي، وأحمر؛ فلا يعجبها شيء، وتبدو دائماً غير راضية عن نفسها على الإطلاق. إنها تعيش وسواس جمالها، وهاجس نيل إعجاب المحيطين بها، والتباهي على كل من حولها. وإذا عارض زوجها أفعالها، فإنها تُحوّل حياته إلى جحيم، متهمة إياه بأنه يغار منها، ولا يحبها. تبدو حيناً غير واثقة بنفسِها، وفي حين آخر تتصرف بغباء، وتفقد ثقتها بنفسِها كلياً.. فكيف يُفسّر علم النفس تصرفات «وفاء»؟.. وهل لحالتِها حلٌّ يحدُّ من جموحها لنيل الإعجاب بشكلٍ مرضي؟
تحليل الطبيب النفسي، الدكتور سمير جاموس، الأستاذ بالجامعة اللبنانية، واضح: «شخصية (وفاء) هستيرية، فصاحبة هذه الشخصية تُركّز على جذب انتباه الآخرين إليها بتصرفات مبالغ بها، وتبدي انزعاجاً واضحاً؛ إذا شعرت بأن الآخرين يتجاهلونها».
يتكلم الطبيب النفسي عن هذه الشخصية، ويقرنها بنون النسوة؛ «لأن أكثر من 80% من حامليها نساء»، ويشرح: «يمكن التعرف عليهن بسهولة؛ كونهن يبالغن في التبرج، ويركزن على سبل لفت انتباه الآخر. وتندفع كثيرات منهن، بشكل مَرَضَيٍّ، إلى عمليات التجميل. إنهن، باختصار، ينخرطن في سلوكيات تؤدي إلى جذب الأنظار. ويدفع حبّ الظهور بعضهن إلى اتخاذ قرارات متسرعة؛ لأنهن يخفن من الشيخوخة، ولا يقبلن واقع الحال. و (لا) هي الكلمة الأكثر استخداماً في حياتهنّ».
مشاعر سطحية
«وفاء» تنفعل بسرعة؛ فهي مزاجية بشكلٍ مفرط، إذ تبكي وتضحك في آنٍ، وكلمة تأخذها، وأخرى تعيدها، كما أن مشاعرها سطحية وغير مستقرة، وصورتها الذاتية مشوهة. يقول الطبيب النفسي: «هي تشعر بعدم التقدير، أو الاكتئاب؛ عندما لا تكون مركز الاهتمام، كما تشعر بالملل والإحباط بسهولة شديدة. وهذه الحالة تنتشر، عادة، في عائلات محددة، وتنتقل نتيجة موروثات معينة. وقد يكون سببها، أيضاً، صدمة تلقتها في عمر الطفولة؛ فربما تعرضت لإساءة معاملة، أو لتصرف جعلها تشعر بتدني احترام الذات، استمرّ معها، وتحوّل إلى حالة مرضية».
وعادة، لا يتمّ تشخيص هذا النوع من الحالات إلا بعد الثامنة عشرة؛ لأن الشخصية تستمر في التطور والنمو قبل ذلك. واللافت في هذا النوع من الشخصيات المرضية أن من يعانيه لا يعتقد أن لديه مشكلة في سلوكه، أو طريقة تفكيره؛ فهو يعتبر أنه يتصرف بشكل صحيح، والمشكلة في الآخرين وليست فيه، وهذه حال «وفاء»، التي لا تقبل الاعتراف بأنها تُخطئ، وترتكب ما يؤذي.
وتـشعـر صاحبــة الـــشخـصـيـة الهستيرية، غالباً، بالملل بسرعة، والتوق إلى التجديد. ونادراً ما تنجح في الحفاظ على صداقاتها، وعلى من تُحب؛ بسبب هواجس تأتيها، وتتصرف وفقها، كأنها حقيقة، وقد لا تتردد في الكذب؛ بغية تجميل صورتها، والتأثير في محيطها، كونها لا تتحمل الإحباط. يقول الدكتور جاموس: «في علم النفس، لا تصنف التصرفات البشرية بين صواب وخطأ. فلكل شخص ميوله وآراؤه ومبادئه الخاصة، على أن يكون مرتاحاً في محيطه، ولا يتسبب في معاناة غيره. شخصية الإنسان تميزه، مثل لون شعره وعينيه وبشرته، وترافقه طوال العمر، ولها أسس وراثية وتربوية وعائلية وبيئية وثقافية، لكنها تأخذ شكلها النهائي بعد الوصول إلى سن البلوغ، والمرور بكل مراحل تطورها. لكن، ما يحدث هو أن الشخصية الهستيرية، التي نتكلم عنها تأخذ منحى مَرَضياً؛ فتصبح مصدراً للخلافات بين صاحب الشخصية المرضية، ومحيطه الذي لم يعد قادراً على تحمل تصرفاته.. وهنا لا بُدّ من العلاج.
لكل حالة سبب
أصعب ما في علاج الشخصية الهستيرية، هو إقناعها بوجود اضطراب لديها يتطلب علاجاً؛ فإذا اقتنع صاحب هذه الشخصية بوجوب علاجه، وواظب على ذلك بلا ملل، يكون الشوط الأهم قد مرَّ. وبناء على ذلك، توضع استراتيجيات علاجية محددة. وقد يصف المعالج أدوية مهدئة، أو مضادة للاكتئاب، وقد يعتمد العلاج النفسي الدائم؛ بهدف تحسين الأعراض، والحفاظ على احترام الذات، واستعادة مهارات التأقلم. أما إذا رفض المريض العلاج؛ فعندها قد يتعرض لمضاعفات، قد تبدأ بفقدان العلاقات الشخصية (الاجتماعية، والمهنية)، وانهيار الزواج، وصولاً إلى احتمال التعرض للاكتئاب، ومواجهة الأفكار السوداوية. فالشخصية الهستيرية قد تتطور إذا لم تعالج، وتصبح خطيرة على نفسها، والآخرين.
قبل أكثر من 100 عام، نشر عالم النفس سيغموند فرويد نصاً، عنوانه: «التحليل النفسي للهستيريا»، انطلق فيه من حالة مريضته «دورا». وقد تفادى علاجها بالأدوية؛ راجعاً إلى مراحل نموها الأولى، حيث وجد أنها كانت تعاني حرماناً عاطفياً تجاه أبيها، الذي قابلها بعدم الاهتمام؛ ما جعل منها شخصية هستيرية تعاني شحنات عاطفية. لذلك، لكل حالة قصّة وسبب، وحينما «نعرف السبب؛ سيبطل حتماً العجب».