لاما عزت 5 مايو 2018
نُشر مؤخرا في دراسة لجامعة «تيمبل يونيفيرسيتى» بولاية فيلادلفيا الأميركية، إحصائية شملت أكثر من 100 أم و200 ابنة، توصلت إلى أن 18% من هؤلاء الأمهات يشعرن بالغيرة من بناتهن. وقد جرت العلاقة الفطرية بأن الأم هي الحضن لابنتها، ترى فيها نفسها، وتعطيها من تجربتها وحكمتها. وليس طبيعيا أن تغار الأم من ابنتها، لكنها حالة موجودة خلف الأبواب المغلقة. في التحقيق التالي، اعترافات لأمهات وبناتهن عن طبيعة العلاقة التي تجمع بينهما، ومحاولة لمعرفة الأسباب الاجتماعية والنفسية التي تؤدي لخروج الأم عن سياق فطرتها السليمة، وعرض حلول للحد من العواقب الوخيمة لهذه المشكلة التي يمكن أن تؤثر على الأسرة بكاملها. عندما تكون الأم صديقة ابنتها: ترتبط أم فارس بابنتها بعلاقة متزنة، تعكس الوضع الطبيعي، وعن طريقة تعاملها مع حلا التي تبلغ من العمر 26 عاما تقول: "تشكلت ملامح هذه العلاقة منذ الصغر، اتبعت أسلوب الصراحة والحوار، وحرصت على عدم المواجهة والرفض لرغباتها في طريقة اللباس أو اختيار الصديقات بشكل منفر". وتؤكد: "هناك سلوكيات كثيرة خلقت نوعا من الصداقة بيننا، كنت مثلا أستعير الاكسسوارات التي تقوم بشرائها، والعكس أحيانا، كما أحدّثها عن بعض المواقف التي أواجهها في علاقتي مع الصديقات والأقارب، في محاولة لتعزيز الثقة بها، وفي الوقت نفسه، أمرر لها نصائح معينة من دون أن تشعر أنني أتعمد ممارسة دور سلطة الأم في فرض الرأي". بالمقابل تقول الإبنة حلا بأنها لم تشعر بأن والدتها تمارس سلطة السيطرة والتحكم بلا مبرر، الأمر الذي جعلها تشعر بقربها منها كصديقة. "لم أكن أعترض حتى فترة المراهقة على تعليماتها والممنوعات التي تضعها". وتضيف باعتزاز: "أمي تحاورني وتأخذ رأيي، وهذا خلق الاحترام المتبادل، المقترن بخوفي من إغضابها". غيرة الأم والتعنيف النفسي: علاقة نور بوالدتها كانت طبيعية في مرحلة الطفولة، كما تقول، لكن الأمر اختلف تماما في فترة المراهقة، وتوضح: "تحولت هذه العلاقة عندما بلغت الخامسة عشر، وصرت أشعر بقسوتها، وكثيرا ما كانت تردد أمنيتها في أن أتزوج أو أموت، لتتخلص من همّي". وقد حاولت نور سؤال أمها عن سبب تعاملها معها بهذه الطريقة، لكنها كانت تصفها بقلة الأدب وتلوم نفسها على فشلها في التربية. وبحزن واضح في نبرة صوتها تشرح نور: " كانت تغضب إذا أحضر لي والدي الهدايا، مع أنها لطيفة جدا في التعامل مع إخوتي الذكور، وأختي التي تصغرني، وحتى مع بنات صديقاتها، عانيت كثيرا من الأسئلة التي تدور في رأسي عن سبب قسوتها معي تحديدا، الأمر الذي جعلني أعتقد في فترة ما أنها زوجة أبي". تغار من نجاح ابنتها عمليا: تشعر ميرنا الفتاة الثلاثينية التي تعمل معدّة أخبار في إحدى الإذاعات المحلية بأن أمها تغار منها، وترجّح أن جمالها ونجاحها في عملها سبّبا تلك المشكلة بينهما، بالرغم من احتفاظ والدتها بأناقتها وجمالها بالنسبة لمثل من هن في عمرها، وتقول: " لقد بلغ بها الأمر (تطفيش) من يتقدم لي للزواج، وتثور ثائرتها إذا ما علمت أنني محط إعجاب أي شاب من الأقارب أو الجيران، وتخترع الأساليب لتخبرهم بأنني لا أرغب في الارتباط". الأم النرجسية تهدد علاقة ابنتها بالمجتمع: يؤكد أستاذ علم الاجتماع الدكتور حسين محادين إن غيرة الأم من ابنتها مؤلمة للطرفين؛ فهي تسجن مشاعرها خلف جدران المشاعر السلبية، وتدفع ابنتها لأن تعيش حالة من الحرمان العاطفي، الذي قد يؤدي لمشكلات اجتماعية خطيرة، من حيث طريقة تعاطي الإبنة مع الآخرين، ومفهومها للزواج وتكوين أسرة، والخوف من فكرة الأمومة من الأساس. ويوضح قائلا: " للأم دور مهم في حياة أي فتاة، لكن في الحقيقة هناك أمهات يعانين من هذه الغيرة المرضية، ويشعرن بحالة من التهديد عندما يرون بناتهن يكبرن وينجحن، وتخفي غالبيتهن هذا الشعور بسبب ما يعانين من نرجسية وكبرياء، وغالبا تترجم تلك المشاعر السلبية إلى تصرفات غريبة ومؤذية، قد تصل إلى حد رغبة الأم في ضياع مستقبل ابنتها حتى لا تكون أفضل منها أو تنافسها". عندما يكون التقدم في العمر هاجسا لدى الأم يوضح استشاري الطب النفسي الدكتور وائل سمارة أهم الأسباب وراء تلك الغيرة المرضية، التي تؤدي حتما لتعرض الإبنة لأزمات نفسية، منها الإصابة بالاكتئاب ثنائي القطب، والشره العصبي، وحتى الوقوع في الإدمان، ويقول: "عندما يمثل التقدم في العمر هاجسا لدى المرأة، تشعر أن الجمال مرتبط بصغر السن، فتقارن نفسها بابنتها التي مازالت تمتلك كل ما فقدت، وتشتعل غيرتها". دور الأب في الحد من المشكلة يؤكد دكتور سمارة على أن العلاقة القريبة بين الأب وابنته سبب لغيرة كثير من الأمهات، وتزيد المشكلة إذا قارن الأب بينهما، حتى لو على سبيل المزاح، لكن الأم تأخذ الأمر على محمل الجد، ويكبر الحقد داخلها، ويتحول لعنف معنوي، بل وجسدي في بعض الأحيان ضد ابنتها. "وتظهر هذه الحالات غالبا في الأمهات اللواتي عشن حياة عائلية غير مستقرة في الطفولة، أو اللواتي عانين من غياب الأب أو قسوته". دلائل تؤكد غيرة الأم المرضية أما استشارية العلاقات الأسرية والتدريب على قوة العقل الباطن نسرين خوري، فتقول عن هذا الأمر إن "هناك سلوكيات إذا ما مارستها الأم، فنحن أمام مشكلة حقيقية، منها محاولتها اعتراض طريق تقدم ابنتها، فتفقدها الحماس بكلامها عن عدم أهمية النجاح من الناحية العلمية مثلا، ويكون حديثها قائما على النقد، لإثارة الشعور بالذنب والإحساس باللاجدوى عند الإبنة". ومن التصرفات المرضية للأم تبعا لخوري محاولتها الدائمة التقليل من قيمة ابنتها أمام الآخرين، ويكون اعتراضها على تصرفاتها مبطنا تحت حجج من نوعية (العيب والحرام ولا يليق).