#منوعات
إشراقة النور السبت 1 يوليو 2023 09:00
تجسد إلهام المرزوقي، عازفة التشيلو الإماراتية، مفهوماً جديداً للفنان؛ فهي رائدة تستحضر الشغف والإبداع في كل نفحة تنبعث من أوتارها السحرية، كما تتحدى الصعاب برؤيتها المبتكرة، وتراوغ النمط التقليدي لعزف التشيلو، بإيقاع فريد. فبأنغامها المترفة، وعزفها المميز؛ تمثل روحاً مثيرة للإعجاب، تتغنى بالموسيقى، وتحلق في عالمها المدهش. لم تتوقف إلهام عن استكشاف الحدود، وتحقيق التفوق في مجالها الموسيقي؛ حيث أبدعت في تركيباتها اللحنية، وأثرت بإيقاعها الخاص في جماهيرها، داخل الإمارات وخارجها. وبعبقريتها الموسيقية، وإلمامها العميق بالتراث الموسيقي العالمي، تلهم الشباب الطامحين، وتعلمهم أن الحلم ليس مجرد أمنيات، بل يمكن تحقيقه بالإصرار والمثابرة، فهي قصة نجاح تستحق الاحترام والتقدير.. في هذا الحوار المؤثر، على هامش جلسة تصوير خاصة استضافها مركز بيركلي أبوظبي بمقره في جزيرة السعديات، تشارك إلهام قصتها، وتحدثنا عن تحديات الطريق وصعوبات المسيرة، وتنبض بالثقة والتصميم؛ فتمضي قُدماً، وتحقق المستحيل:
• بدأ اهتمامك بالموسيقى، وتعلم العزف على البيانو في سن مبكرة.. حدثينا عن ذلك؟
- بدأت رحلتي الموسيقية من سن مبكرة للغاية، فقد أسست والدتي أول مدرسة للموسيقى بأبوظبي في حقبة الثمانينات. وأتذكر أنني كنت دائماً محاطة بالموسيقى، لذلك بدأت دروس العزف على البيانو في سن مبكرة جداً، وهكذا أدرك والداي أن لديَّ موهبة موسيقية نمت بسهولة تامة.
• ما سبب تعلقك بآلة التشيلو، وما الذي دفعك إلى اختيارها آلةً رئيسية للعزف عليها؟
- في البداية، كنت متأثرة بالموسيقى الكلاسيكية الغربية؛ فهي التي كنت أستمع إليها. أراد والداي أن أدرس البيانو في الجامعة، لكن كان هناك شيء يعيقني، ومع ذلك واصلت دراسة البيانو أثناء الدراسة الجامعية، وعملي محامية في لندن، ثم انتقلت إلى البحرين لمدة ثلاث سنوات، حيث درست الموسيقى الروسية، وحينها كان عبء العمل شديداً، لكنني قررت - رغم كل شيء - أن أتعلم العزف على آلة التشيلو، فقد كنت دائماً مفتونة بهذه الآلة الرائعة، ولطالما أردت أن أكون جزءاً من الأوركسترا، وأن أقوم بأدائي الموسيقي مع الموسيقيين الآخرين، وأن أكون جزءاً من مجتمع موسيقي، لنتشارك الأفكار، ويلهم بعضنا بعضاً.
أسباب الاستمرار
• كيف تؤثر الموسيقى في حياتك، وكيف تعبر عنك كفنانة؟
- حلمي، منذ الطفولة، أن أكون عازفة موسيقية في الأوركسترا. أنا - بطبيعتي - لا أخاف من التحديات، بل أعشق التغلب عليها. إن الموسيقى هي القناة الأفضل للتعبير عن الذات، سواء كنت موسيقياً أم لا، لذلك أعتبر نفسي محظوظة؛ لأنني أستطيع أن أعبر - من خلال آلتي التشيلو - عما يجول بخاطري، ولم يشغلني كثيراً كون هذه الآلة شرقية أو غربية، فأكثر ما أهتم به هو كيف يمكنني نقل إحساسي إلى الجمهور.
• لك العديد من المشاركات خلال رحلتك الموسيقية.. ما أهمها؟
- عندما عدت إلى بلدي الإمارات، وإلى العاصمة أبوظبي، انضممت إلى العديد من الفرق الموسيقية. وشاركت أندريا بوتشيلي؛ عندما قدم عرضاً في أبوظبي عام 2016. وأيضاً، عندما قدم عرضاً في السعودية عام 2019، حيث تم الاعتراف بي كأول عازفة تشيلو إماراتية محترفة تعزف معه، وكان ذلك مشجعاً جداً بالنسبة لي. أما في ما يتعلق بالموسيقى ذات الأسلوب العربي، فقد قدمت عروضاً عدة كجزء من أوركسترا الشرق لإياد الريماوي، عندما كان في دبي لحضور حفل «رسائل الحب من دمشق». كما ظهرت في فيلمه الوثائقي الأخير. وأذكر، أيضاً، مشاركتي الرائعة في (السيمفونية الثلاثية: سلام.. حب.. تسامح) بتكليف حصري وإنتاج من مهرجان أبوظبي، والتي تجمع المؤلف الموسيقي الإماراتي إيهاب درويش مع المؤلف الموسيقي الحائز جائزة إيمي جون ديبني، والمؤلف الموسيقي الحائز جائزة الأوسكار ديفيد شاير. كما لا أنسى مشاركتي المتميزة في الموسيقى التصويرية للفيلم السينمائي الهندي «Ponniyin Selvan-2»، من تأليف الملحن أي. آر. رحمن، كما قمت بالعزف في حفلتين منفصلتين مع أوركسترا «Qawwali»، وكذلك شاركت في العزف مع المؤلف الموسيقي الحائز جائزتَيْ غرامي وأوسكار «تان دون»، في عمله العالمي الرائع «شغف بوذا»، وفي عمله الاستثنائي «من الغرب إلى الشرق.. أوديسة كلاسيكية» في مهرجان أبوظبي.
• ما مدى استفادتك من هذه المشاركات؟
- لقد تعلمت الكثير ولازلت أتعلم، فأنا دائماً أعمل على تطوير ذاتي، ومهاراتي الموسيقية، وأكون على اطلاع مستمر؛ لمواكبة العصر في هذا المجال الفني.
• ما الأسباب التي تدفعك إلى الاستمرار في العزف على آلة التشيلو؟
- إنني أول موسيقية إماراتية تعزف في حفل غنائي للفنانة المعروفة بيونسيه Beyonce، وأيضاً شاركت في العديد من الحفلات الموسيقية داخل الإمارات وخارجها، وفي كل مرة أعزف أتعلم الكثير، وهذا هو السبب في أنني أفعل ما أقوم به، وأواصل فعل ما أقوم به؛ لأنني أتعلم باستمرار، وألهم الآخرين. ففي نهاية المطاف اسمي «إلهام».. أليس كذلك؟!
التشيلو آلة وترية، وهي مختلفة تماماً عن البيانو؛ لذا هي أكثر صعوبة؛ وهناك العديد من الأشياء التي يجب التفكير فيها؛ لأنك باستخدام البيانو يجب أن تضغط على المفتاح لتصدر صوتاً على الفور، لكن الأمر ليس نفسه مع التشيلو، حيث عليك تدريب أذنيك جيداً، وتركيبة أصابعك، وأن تجيد إمساك القوس الخاص بك بطريقة صحيحة، حيث يجب أن تكون حذراً حتى لا تجرح نفسك، فالتشيلو تتطلب الكثير من الوقت والممارسة والتفاني. بالنسبة لي، التشيلو هي الآلة الموسيقية الأكثر تعبيراً، والأكثر قرباً من صوت الإنسان.
رسالة للشباب
• كيف ترين دورك في «أوركسترا الفردوس» ذات العنصر النسائي، وتأثيرك في المجتمع المحلي؟
- تعتبر «أوركسترا الفردوس» حلمي المتحقق من جميع النواحي. فمن ناحية أنا عضو رسمي في الأوركسترا، وكذلك الإماراتية الوحيدة في الأوركسترا. ومن ناحية أخرى أثبت دور وطني الحبيب في تمكين المرأة، وأخيراً - وليس آخراً - يتم الارتقاء بالذائقة الموسيقية العامة في المجتمع المحلي.
• بصفتك رائدة في العزف على التشيلو.. هل شعرت بضغوط الواجب في تمثيل النساء بمجال الموسيقى، وكيف قابلت هذا التحدي؟
- يشرفني أن أكون أول عازفة تشيلو إماراتية، إذ لم أتخيل أبداً أن هذا هو ما سأشتهر به، فأنا أمتلك - بالفعل - قاعدة ممتازة في الموسيقى، وهدفي هو أن أستمر في منافسة ذاتي بمختلف المشاريع الفنية، وأن أتحدى نفسي وأنتصر على نسختي القديمة. اليوم، أنظر إلى أي مدى وصلت موسيقياً، وهذا يلهمني؛ لأنني أعلم أنني قادرة على تحقيق أهدافي. يجب أن آخذ تعلم الموسيقى بجدية، وأواصل التدرب، وأستمر في تطوير المهارات والتقنيات بشكل دائم، وهذا في حد ذاته تحدٍّ، خاصة من ناحية توفير الوقت اللازم لكل هذا؛ كوني زوجة وأماً وسيدة أحاول التنسيق الدائم بين عملي ومنزلي، وتدريباتي الموسيقية. في الحقيقة لم يكن بإمكاني القيام بأيٍّ من هذا دون دعم زوجي الحبيب، وعائلتي الغالية، فهم أكبر المعجبين بي، حيث يدفعني زوجي، دائماً، إلى أن أكون أفضل من النسخة الأولى مني، ويسألني ما إذا كنت قد أتدرب كل يوم، ويشجعني دائماً، لذلك أتدرب حوالي 3 ساعات يومياً، وحوالي 5 ساعات، خلال عطلة نهاية الأسبوع.
• وما رسالتك لإلهام وتحفيز الشباب الإماراتيين؛ لاكتشاف وتطوير مواهبهم الموسيقية؟
- يجب على الشباب الإماراتيين ألا يستسلموا أمام التحديات التي تواجه أحلامهم، وأن يبحثوا في أنفسهم عن الحلول؛ فهي دائماً موجودة بداخلهم، فالإمارات هي البيئة المثلى لاكتشاف وتطوير المواهب ودعمها.
• ما المشاعر التي رافقت مشاركتك في حفلات وأحداث موسيقية عالمية؟
- إحساسٌ كبير بالفخر، والشكر، والامتنان، وجميع مشاعر العرفان لكل من شجعني، وجعلني أصل إلى هذا المستوى الراقي.
بين عملَيْن
• كمستشارة قانونية وفنانة موسيقية.. كيف تجمعين بين العملين، وكيف يؤثر العمل القانوني في مسيرتك الموسيقية.. والعكس؟
- يعتبر الوقت من أهم التحديات التي أواجهها، لكن تعاون جميع من حولي، وعلى رأسهم زوجي وأطفالي، وحتى زملائي ورؤسائي، ساعدني كثيراً في التوفيق بين كل ما أحب القيام به.
• هل لديك مواهب في الموسيقى أو الفنون الأخرى، وكيف تدمجينها في أدائك وإبداعك؟
- أنا عازفة تشيلو، وبيانو، وأعشق كل الفنون، فلديَّ ذائقة موسيقية متميزة، وأجيد اختيار المقطوعات التي تتواءم مع ذاتي، ومع الجمهور الذي يستمتع بسماعها.
• هل واجهتِ انتقادات أو تحديات، بسبب اختلاف ثقافة الموسيقى الكلاسيكية عن «المحلية»، وكيف تعاملت مع ذلك، وحافظت على هويتك الموسيقية الفريدة؟
- (مازحة ).. في جميع الأحوال «القانون» آلة موسيقية شرقية أصيلة، لكن الحقيقة أن الموسيقى لغة يجيدها الجميع، ولا مانع من أن تكون طبيباً وموسيقياً، أو مهندساً وموسيقياً، أو حتى مزارعاً وموسيقياً؛ فهذا جزء لا يتجزأ من تكويننا كبشر، فالثقافة الموسيقية عالم آخر، ولا أنظر إلى أي انتقادات لا تعيش في هذا العالم.
• كيف استفدت من التراث الموسيقي الإماراتي في أعمالك الموسيقية، وكيف يؤثر ذلك في تشكيل الوجدان الإماراتي؟
- أصالة التراث الموسيقي الإماراتي لا تشوبها شائبة، ولا مانع من التنوع الثقافي؛ فنحن اليوم منارة للثقافات العالمية، ومنبر للتسامح والتعايش، لذلك تم إنشاء جمعية الموسيقيين الإماراتيين، برئاسة الموسيقار إيهاب درويش، وتم انتخابي نائب رئيس لمجلس الإدارة، مع نخبة من الفنانين الإماراتيين؛ لنكون جميعاً تحت سقف واحد، متوجهين نحو هدف سامٍ واحد.
• ما الأمر الذي يلهمك ويحفزك؛ لمواصلة مسيرتك الموسيقية؟
- باختصار.. الموسيقى ملاذي، ودائرة اهتمامي، والمحور الذي تتمركز حوله حياتي.