#ثقافة وفنون
عبدالرحمن الحميري 8 أكتوبر 2019
لا بدّ أن الشاعر أبا العلاء المعرّي كان في إحدى خلواته التي يتأمّل فيها السماء والكون حين كتب:
يا ليتَ شعري وهل ليتٌ بنافعةٍ؟
ماذا وراءك أو ما أنتَ يا فلكُ؟
كم خاضَ في إثرك الأقوام واختلفوا
قدماً، فما أوضحوا حقاً ولا تركوا
إنه الهوس الإنساني بالمعرفة والاستكشاف وعدم الاكتفاء بما يقع في مرمى أبصارنا، ولو كان أبو العلاء المعرّي حياً في زمننا لربما كان رائد فضاء، ولكتب معظم قصائده وهو يسبح في انعدام الجاذبية، أو يتأمّل من على سطح القمر أو المريخ، أو ربما ذهب إلى أبعد نقطةٍ في النظام الشمسي، ليستكشف ما يقع وراءها، كما فعل رائد الفضاء (ماكبرايد) في فيلم Ad Astra.
تدور أحداث فيلم Ad Astra في المستقبل القريب، ويتناول قصة (روي ماكبرايد) الذي يجسّد شخصيته براد بيت، وهو رائد فضاء ورث شغف المهنة من والده، والذي ذهب قبل أكثر من 20 عاماً في مهمةٍ استطلاعية إلى حافة النظام الشمسي لمحاولة اكتشاف أي أثرٍ لحياةٍ ذكية، ولم يعد، حتى اعتقد الجميع بموته. تتصاعد الأحداث حين تتعرض مناطق مختلفة في العالم والفضاء لدفقات غامضة من الطاقة تحصد الأرواح وتسبب الدمار، ويعتقد المسؤولون في شركة سبيسكوم أنها قادمةٌ من كوكب نيبتون، فيستدعون روي ماكبرايد ويخبرونه بأنّ ثمة احتمالية أن يكون والده على قيد الحياة، إذْ كان موجوداً لآخر مرة في كوكب نيبتون قبل انقطاع الاتصال، فيُكلَّف ماكبرايد بالسفر لمحاولة إجراء اتصال مع والده، وللمساعدة في إيقاف ومضات الطاقة المدمّرة.
ما الجديد؟
كل سنتين تقريباً يخرج إلينا فيلم فضاءٍ آسر، فإن كان الكون مغرياً لناسا وأخواتها؛ فهو أكثر إغراءً لهوليوود التي تجد في تلك المساحة اللانهائية في الأعلى مادةً خصبة لقصصها وأفلامها، ومن أجمل أفلام الفضاء في السنوات الأخيرة Gravity وInterstellar وFirst Man، ولكلٍّ منهم أجواؤه الخاصة رغم أن الفضاء واحد. فما الجديد الذي أتى به فيلم Ad Astra؟ أولاً، الواقعية المدهشة، فأكاد أجزم أنّ أقرب تصور لمستقبل السفر إلى الفضاء خلال الـ30 سنة المقبلة هو هذا الفيلم، فهو يخفّف من بهرجة الخيال والرفاهية ويجعل الأمر يبدو شبه عادي بعد تزايد الرحلات إلى الفضاء وتعود الناس عليها، لدرجة أن السفر للقمر يكون في مركبةٍ تجارية بها طاقمٌ خاص ومضيفة. أما السمة الأبرز لفيلم Ad Astra فهي السوداوية التي أضفت جواً كئيباً على الفيلم، لكنها كآبةٌ متعمدة وشهية وتخدم القصة، فللفضاء جانبه المظلم، والإنسان يدنّسه حين يحوّله إلى مسرح حربٍ للسيطرة والاستيلاء على الموارد، ليتحوّل شيئاً فشيئاً إلى نسخةٍ من عالمنا، كما قيل في الفيلم بإننا في الفضاء «نُعيد بناء ما كنا نحاول الهرب منه على الأرض». البعض عاب على الفيلم صوت المونولوج (الـVoice Over) لبراد بيت، لكنني أرى أنه منح الفيلم عمقاً آخر، وغرابةً جميلة، وحفّز أجواء الرهبة والوحشة على طول الفيلم.
أداء استثنائي
براد بيت كان النجم الأوحد في الفيلم، وقدّم أداءً استثنائياً عيّشني مشاعره المتناقضة تجاه والده من جهة، وتجاه الفضاء من جهةٍ أخرى. وهذا الفيلم هو النجاح الثاني لبراد بيت خلال هذا العام بعد دوره اللافت في فيلم Once Upon A Time in Hollywood، ويبدو أن براد يحظى بوقت فراغٍ طويل بعد انفصاله عن أنجلينا جولي، فإن كانت العزوبية تُنتج لنا هذا الإبداع فليبقَ كل الفنانين والفنانات عزاباً وعازبات!