سعود السنعوسي 26 سبتمبر 2019
حظيت مع بعض الأساتذة والزملاء بزيارة العاصمة الكزخية نور سلطان قبل أسابيع، لحضور منتدى كُتاب الدول الآسيوية الأول. لم تسبق لي زيارة كازاخستان قبل ذلك، ولعل هذا أحد أسباب قبول الدعوة وعدم إضاعة الفرصة؛ التعرف إلى أفقٍ ثقافي جديد لم يسبق لي الاقتراب منه.
منذ يوم الوصول، رغم حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، فقدت الاتصال الروحي مع العاصمة التي بدت لي جديدة، لا طراز معمارياً فريداً ولا هوية واضحة المعالم. عرفتُ فيما بعد أنها العاصمة الجديدة التي بالكاد بلغت 20 عاماً من عمرها، منذ انتقال العاصمة من آلما أتا.
كانت دهشتي الأولى حينما أعلن وصول الرئيس الكزخي صبيحة يوم الافتتاح، حسبت الأمر في البدء أن المنتدى برعاية الرئيس اسمياً على ما دأبنا عليه، ولكن بعد أن اعتلى راعي المنتدى المنصة وفرغ من إلقاء كلمة حول أهمية الفنون والآداب، توسط الكتاب في المسرح إلى حين فراغهم من مشاركاتهم. حسنٌ، يبدو الأمر مشجعاً ولكن.. ما زلت أشعر بمسافة بيني وبين هذه العاصمة الصامتة. كنت أفكر إن كنت أعود للكويت من كازاخستان دونما رؤية كازاخستان!
لحسن الحظ أن جدول الفعاليات تضمَّن زيارة المتحف ودار الأوبرا وعشاءً على أنغام الأغنيات الكزخية الفولكلورية، وإن كنت قد فوتُّ زيارة المتحف فإنني تعرَّفتُ إلى كازاخستان وإرثها الثقافي الغني عبر فنونها الموسيقية وأزيائها وأطعمتها التقليدية وطرازها المعماري وقصص موروثها الشعبي، من خلال أغنياتها الفولكلورية والمسرحية الغنائية «برزان وسارة» على نحو نسف تلك المسافة التي شعرت بها يوم وصولي بيني وبين العاصمة، قلت لنفسي: «رأيتُ كازاخستان أخيراً».
فهمت إصرار الرئيس على رعاية المنتدى، واهتمامه بالفنون والآداب، وحرصه على تقديم إرث بلاده الثقافي أمام ما يربو على الـ250 كاتباً من القارة الآسيوية. فقد بدا إيمانه راسخاً أن ذخيرة الشعوب في إرثها الثقافي.
أفكر اليوم في بلادنا التي باتت نسخاً مكررة من عواصم العالم، بأبنيتها الكونكريتية وجسورها وأبراجها التي تناطح السحاب، بلادنا التي لا تخلو من إرث ثقافي عظيم، مشكلتنا الوحيدة في إهماله وعدم إبرازه لنا وللآخرين.
في بهو دار الأوبرا حيث أقيم معرضٌ للأزياء، توقفت أمام صورة زي رجالي كزخي لفتتني تفاصيله الكثيرة المشغولة بعناية، دنا مني أستاذنا الشاعر والروائي إبراهيم نصر الله يتأمل الصورة، «جميل»، قلت له. هزَّ رأسه يوافقني. سألته إن كانوا يبصرون جمالاً لو أننا عرضنا زينا الشعبي في صورة كهذه، زي يخلو من التفاصيل تقريباً، أجابني: «طبعاً»، وكما لو أنه لمح في عقدة حاجبيَّ سؤالاً، سارع يُجيب: «الاختلاف جمال».
نعم، الاختلاف جمال، وهذا ما أدركه الكزخ وهم يقدمون تراثهم باعتزاز، فمتى نعي أهمية تقديم اختلافنا أمام العالم عوضاً عن إبهار الآخرين بعواصمنا الحديثة الخالية من روح الاختلاف؟