#مقالات رأي
د. شما محمد بن خالد آل نهيان 2 ابريل 2023
كنت هناك على شاطئ البحر، أراقب تلك الأمواج التي رأيتها، وكأنها أيادٍ تحاول الإمساك باليابسة، وكأن البحر يخشى الغرق في المجهول، وكأنه يخاف من فَقْد اليابسة (الرفيق الأبدي).. الطبيعة تقف ضد الانفصال والعزلة، وتؤمن بحتمية التواصل المستمر، والاستمرار في الاندماج الحياتي.. وجدتني أسأل عن البشر: هل نحن مقبلون على الحياة داخل عوالم منفصلة؟.. هل التكنولوجيا وتطورها وتطور الذكاء الاصطناعي والهوية الافتراضية ستعزلنا عن بعضنا بعضاً، وستفصلنا عن ماضينا وجذورنا؟
العزلة، هنا، نوعان: عزلة داخل الذات، وهي العزلة التي ينفصل فيها كل إنسان داخل عالمه الفردي، وعزلة داخل حاضره، وهي العزلة التي ينعزل فيها الفرد داخل حاضره، ويبتعد عن ماضيه وجذوره الأولى.
عن العزلة داخل الحاضر أحدثكم، وأقول إن الزمن ما بين ماضٍ نشعر بالحنين إليه، وحاضر لا نرضى عنه، ومستقبل نتطلع إليه وننتظره.. ففي أي زمن نفضل أن نعيش؟ أرى - من زاويتي - أن الكثير من الأجيال الناشئة تتطلع إلى العيش في المستقبل؛ فهناك شغف يزداد يومياً نحو المزيد من التطور والتكنولوجيا، خاصة بعد الطفرة التكنولوجية الكبيرة التي يعيشها العالم حالياً، وتطور قدرات الذكاء الاصطناعي، وبداية انغماسه في حياة البشرية.
عند زاوية الإجابة التي طرحها عليَّ عقلي، ولايزال الموج يحاول أن يتمسك باليابسة، وروحي تتمسك بالحنين إلى الماضي، وإلى جذورنا التي تربينا عليها، وملامحنا التي نقشتها تجاربنا الإنسانية التي عشناها، وكل ما قدمته تلك الجذور من قيم.. تتملكني رغبة في أن أمسك بالموج؛ كي لا يذهب بعيداً، وكأنه الماضي الذي أخشى أن يغرق في العزلة التي تزداد يوماً وراء آخر.
أما العزلة داخل الذات، فهي عزلتنا التي تساهم فيها شبكات التواصل الاجتماعي؛ فتعزلنا عن ذواتنا، وكأننا فراشة علقت في شبكة بيت عنكبوت؛ فلفها بخيوطه، وظل يلفها حتى عزلها تماماً عن محيطها الخارجي، وأصبحت داخل تلك الشرنقة الزائفة، فلا هي خرجت للحياة من جديد، ولا هي عاشت حياتها طبيعية، كما أرادت لها الطبيعة، ومآلها في النهاية إلى الموت ضحية ذلك العنكبوت الضخم الذي أصبح يصطاد كل الأرواح البشرية، ويعزلها داخل شرانق زائفة لا حياة بعدها.
ويظل السؤال عالقاً في فضاء الحيرة: هل يمكن أن نستعيد أرواحنا التائهة في فضاء العزلة، بعد أن نكسر قشرتها الصلبة، التي تزداد يوماً وراء آخر، وكلما أوغلنا في التطور التكنولوجي أوغلنا في العزلة.. ألا يمكن أن يستمر التطور ونمو الذكاء الاصطناعي وشبكات التواصل الاجتماعي دون أن تتسبب في عزلتنا؟.. هل ستجد البشرية، يوماً، طريقاً لتحقيق ذلك، والمحافظة على الاتصال بجذورنا وذواتنا؟