د. سعاد محمد المرزوقي 22 أكتوبر 2019
في وسط الشارع وزحمة الصباح والسيارات تسير ببطء شديد. كان يجلس في سيارته ومعه طفلاه، كانا متأخرين قليلاً، وعليه أن يُوصلهما للمدرسة قبل الساعة الثامنة حيث تُغلق الأبواب. يفتح نافذة السيارة وهو منفعل جداً ويصرخ على من استغل المساحة الصغيرة التي تفصل سيارته عمن أمامه، وفي المقعد الخلفي يجلس طفلاه بصمت يغلفهما التوتر والخوف.
هكذا يروي لزملائه تفاصيل الرحلة الشاقة والمتكررة يومياً، ويتحدث عن ذاك الشعور بالذنب تجاه ابنيه وكما يقول: «أجعل يومهما تعيساً حين يبدأ صباحهما بالصراخ والانفعال، وأنا لا أستطيع التحكم في نفسي»، معظم الوقت يشعر بأنه محبط وإحساس بالغليان الداخلي بشكل دائم.
لكل من لديه هذه المشاعر وقلة الصبر والتوتر اليومي، هناك خطوات عدة يمكن اتباعها للتعامل مع هذه المشاعر السلبية، والتي قد تؤدي إلى الشعور بالعصبية، نتيجة الغضب الذي يتضخم بداخل النفس. وأبرز هذه الخطوات، الاعتراف أولاً بأنك تشعر بالغضب والإحباط والتوتر من دون مكابرة ومن دون تبرير، ومن ثم أجب عن هذا السؤال: «ما الفائدة من تلك السلوكيات وتلك الانفعالات؟ هل تستطيع تهدئة الغضب بداخلك؟ وهل تشعر بالهدوء بعد تلك السلوكيات؟». لماذا وأنت غاضب، تشغل نفسك بالأفكار السلبية، وأنك لن تصل على الوقت المحدد، حاول أن تشغل وقتك وفكرك بشيء آخر، حتى لا تضع نفسك بدائرة الوقت والتأخير، وتساعد المشاعر السلبية على التضخم. مثلاً تحدّث مع أبنائك عن موقف أو ذكرى جميلة تتذكرها معهم وتسترجعونها، أو استمع لأحد الكتب المسموعة أثناء القيادة.
انطباعات
بإمكانك أثناء القيادة أن تغير انطباعك تجاه ما يحدث، فمثلاً إن كنت تنظر للوقت الضائع في السيارة، وبالتالي تُركز على مشاعر الضيق لأن الانتظار يسبب لك الإزعاج، وغالباً ما يؤدي للغضب والانفعال، يمكنك حينها أن تنظر إلى هذا الوقت على أنه مساحة للاستمتاع، كأن تستطيع الشعور بالهدوء والصمت من دون الحديث، كما يمكنك التركيز بالنظر للمكان الذي تجلس أو تسير فيه، وقد تكتشف أشياء تراها لأول مرة وقد تعجبك.
اطرد الانفعال
هناك طريقة مجربة، يمكنك معها أن تطرد الانفعال والمشاعر السلبية من داخلك، حتى تهدأ وتفكر بطريقة سليمة، أبرزها: كلما شعرت بالإحباط تحدث مع أحد المقربين، وكن منفتحاً وصادقاً بالتعبير عن مشاعرك، بدل أن تقمعها وتحبسها بالداخل، لذا يُفضل أن يكون لك صديق أو قريب تبوح له بمكنوناتك وتشاركه فيما يجول بداخلك ليسهم في التخفيف عنك. ويمكنك الاعتماد على الورقة والقلم، وتعلم أن تعبر عن حالاتك من خلال الكتابة لتتعرف إلى المشاعر التي بداخلك وسيساعدك ذلك على إدارة الغضب والتخلص من جميع السلبيات من خلال تحديدها، وبتوفير مساحة خالية من الانفعال ونفاد الصبر، وبذلك ستكون أكثر تحرراً من الإحباط والألم. أيضاً من المهم ممارسة الرياضة والألعاب الجماعية وتغيير الروتين اليومي، للتخلص من الإحباطات اليومية والتحرر من الكبت بسبب التراكمات.
استشارة
* تحدثت سابقاً عن الصمت وأنه يساعد على الاسترخاء، لكن كيف يمكن القيام به، وهل من تقنيات نستطيع استخدامها للوصول إلى الهدوء حتى يمكن حينها التعامل بكل أريحية مع الذات ومع الآخرين؟
- عندما تقرر الصمت فهذا يعني أنه صمت واعٍ، وتبدأ بالامتناع عن الكلام مع الآخرين، ولا يعني العزلة بقدر ما يعني عدم التواصل. يمكن بداية تحديد وقت دقيق للبدء، مثلاً في الثامنة صباحاً ولمدة خمس ساعات، يمكنك وقتها الجلوس في مكان هادئ أو السير في مكان جميل، وتستطيع ممارسة هواياتك وتناول الطعام والشراب بشكل طبيعي، لكن من دون التحدث مع أحد.
بعد أن تنتهي الفترة المحددة أمسك ورقة وقلماً واكتب عن أحاسيسك ومشاعرك، ثم قم بأي عمل أو نشاط كأن تزور أحد الأصدقاء مثلاً، وحين تتحدث إليه حاول ألا تتطرق إلى أي مواضيع غير مهمة وبعيدة عن صلب الموضوع، وكن هادئاً. والنتيجة بعد هذه التجربة أنك ستكون أكثر هدوءاً، وستبدأ التفكير بطريقة مختلفة، حيث تكون حينها أكثر عمقاً وقادراً على اتخاذ القرارات بشكل أفضل. ستستمتع بما يحيط بك بشكل أفضل، كما سيتحسن تواصلك وعلاقاتك بالآخرين بشكل ملحوظ.