هديل عللوه 25 يونيو 2019
لا تعرف نوال الصوفي كيف اختارها البحر لتكون محامية وشاهدة، تقف أمامه لتجابهه في ساحة الحياة وقضايا الهجرة واللاجئين، إلا أنها تؤمن تماماً أن القدر هو من أراد لها هذا المصير، أن يسكن والدها جنوب إيطاليا وصقلية تحديداً، وأن تصبح هي فجأة أماً وأختاً لآلاف الأشخاص الذين كانت سبباً في إنقاذهم، فأن تسكن في هذه الجزيرة يعني أن ترى بعينيك كيف تسبح الأحلام فوق الزبد الأبيض، وكيف تبتلعها الأعماق حينما يثور موج البحر الأبيض المتوسط.
«ماما نوال» وهو اللقب الذي لا ترفضه أو تنكره إطلاقاً، كما أنها لا تريد منه مجداً أو بطولة لأنها تتفهمه جداً، فهي تشعر أن علاقة المنقذ بالغريق، تتحول فعلياً إلى علاقة الأم بابنها، الذي يستحيل أن تكرهه حتى إن كان مجرماً.
• هل يمكن أن توضحي أكثر طبيعة عملك الأساسي والتطوعي؟
عملي الأساسي في إيطاليا وهو الذي أتقاضى عليه أجراً، يكون في المحاكم مع محامين يعملون في مجال حقوق الإنسان، بالإضافة إلى الترجمة. أما في ما يتعلق بالعمل الإنساني فأنا مع فريق تطوعي يعمل على مساعدة اللاجئين، وتجهيز مأكلهم وثيابهم، بالإضافة إلى إرسال الإخطارات لخفر السواحل عن أناس في البحر يكونون على حافة الغرق، وتقديم المعلومات المهمة لأي شخص لا يعلم قوانين البلد الذي لجأ إليه.
• متى بدأ نشاطك في المجال التطوعي؟
منذ كان عمري 14 عاماً، في جزيرة صقلية التي عشت فيها، منذ أيام المدرسة وحتى الجامعة، بالاشتراك مع تنسيقيات كانت معنية بقضايا إنسانية عديدة مثل القضية الفلسطينية، وقضايا الهجرة.
التطوع وراثة
• هل ورثت شغف العمل التطوعي عن عائلتك؟
ورثته عن أبي وأمي فكما يقال (باب البيت ما بيتسكر)، هكذا كانت حياتي وأنا طفلة، بما أنني تربيت في مكان يصل إليه الناس من عشرات السنين، والغرباء الذين تنقطع بهم السبل، فمثلاً كان أبي يتصل بنا ليخبرنا أنه قادم برفقة 15 شخصاً أو أكثر. وما أذكره في طفولتي جيداً هو اهتمام الجاليات بدفن الشخص الذي مات غريقاً في بلده الأم وليس في الغربة، وكيف كانوا يحاولون جمع ثمن التابوت، ومن الذكريات والأسئلة التي شغلتني حينها (ما معنى أن يُغسل رجل قادم من البحر؟).
• بحكم عملك وقربك من اللاجئين، ما أكثر الأمور التي يمكن أن تؤرّقهم؟
الجواب ربما يكون بعيداً عن الواقع، ولكن صدقاً المسألة التي قد يعاني منها أي لاجئ، مهاجر، ليس التعب ولا الاعتقال ولا حتى الموت، لأن كل هذه الأمور تكون في حسبانه ومترصداً لها تماماً، بصراحة هي الكرامة، فقط الكرامة الإنسانية التي يمكن أن تجعل أي طفل أو امرأة أو شاب يبكون تحت البطانية في معسكرات اللجوء، كلمة الكرامة، توجع القلب أكثر، إذا ما وصل الإنسان إلى بر الأمان ولم يجدها مصانة كما يجب أن تكون.
تخطي العقبات
• درست العلوم السياسية والعلاقات الدولية، هل ساعدك ذلك في تخطي عقبات وعوائق قد تواجهك في عملك الإنساني؟
بالتأكيد دراستي للعلوم السياسية والعلاقات الدولية ساعدتني كثيراً، فكل شيء هنا يتم تحت سقف قانوني، وإذا لم أفهم القوانين جيداً وما علي أن أفعله سأصبح تحت المساءلة.
• ما أكثر ما يحرضك على متابعة مشوارك في قضية اللاجئين؟
المسألة هي طريقة حياة، لو أن عملي التطوعي هو مهمة إنسانية بالنسبة إليَّ أو حتى عمل أتقاضى عليه راتباً، فلن أكمله، أنتمي إلى هذه القضية وإلى هؤلاء اللاجئين والمتطوعين في المعسكرات.
• قلت مرة، إنك تعيشين حالة تأهب لأي اتصال يأتيك من أحد ما في عرض البحر، لإبلاغ الجهات المسؤولة، فكيف يتم ذلك، وهل تغير هذا الوضع؟
لم يتغير شيء لأنني حتى الآن أنشر معلومات عن عمليات الإنقاذ، يرن الهاتف أطلب من المتصل الإحداثيات والمعلومات التي يمكن أن تفيد في الاستدلال على مكان القارب، مع تنبيههم إلى بعض المسائل التي تضمن لهم السلامة، ثم أتصل بخفر السواحل لإيجادهم.
طوق النجاة
• كيف بدأ نشاطك واهتمامك بمسألة اللاجئين السوريين، حتى أصبحت بمثابة طوق النجاة للكثير منهم في البحر؟
بحكم عملي عندما صادفت الكثير من اللاجئين السوريين والفلسطينيين قبل سنوات في شوارع كاتانيا، قالوا لي إن المشكلة الكبيرة التي واجهوها وتكررت حوادث الغرق بسببها، هي كيفية اتصالهم مع خفر السواحل، والدليل أن هناك حادثة غرق مات فيها أكثر من 250 شخصاً عام 2013. في هذه اللحظة تمنيت لو أن رقم هاتفي مع أحدهم لأتمكن من إنقاذه، وبالفعل هناك من أخذ رقمي الذي سرعان ما انتشر لمثل هذه الأمور الطارئة ولعمليات الإنقاذ من الغرق.
• هل تتواصلين مع الأشخاص الذين قدمت لهم المساعدة يوماً ما؟
الغربة الحقيقية تبدأ بالتوغل في الأيام التي تلي عمليات الإنقاذ، فاللاجئ سيسأل نفسه: ما حقوقي إذا ما تعرضت لأذية ما؟ وما المسائل القانونية في أموري الحياتية؟ لذا فإن 99 %، من الناس الذين قابلوني يعودون ويتصلون بي مرة أخرى، بعد سنة أو أكثر للسؤال عن بعض الإجراءات، كمسألة لم الشمل.
تكريمات
حصلت نوال الصوفي، خلال حياتها على تكريمات كثيرة، أبرزها: الجائزة الأولى في مبادرة (صناع الأمل) بدبي، التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، كما تلقت (وسام الملك) في المغرب وجائزة البرلمان الأوربي، وعن ذلك تقول: «العمل الإنساني أساسه القلب وليس طمعاً بأي جائزة في العالم، وليس هدفاً للاستمثار وبناء الثروات، ولست وحدي في هذا العالم، فهناك الكثير من الأبطال الحقيقيين الذين يعملون وراء الكواليس، وبعد أن حزت جائزة صناع الأمل، ذهبت مباشرة إلى مخيم موريا اليوناني للاجئين، لأتابع عملي ونشاطي الإنساني الذي عاهدت نفسي على أن أكمله، كمساعدة جرحى الحرب ومن هم بحاجة إلى أطراف صناعية، ومتابعة الحالات الصعبة».