#صحة
محمد عبود السعدي 6 نوفمبر 2018
لا يندر أن يحصل مع هذا المريض أو ذاك أن يخيب ظنه، عندما يمتنع الطبيب عن وصف مضادات حيوية لحالته. فمع هذا النوع من الأدوية، يطمئن المراجع نفسياً، ممنياً النفس بالشفاء العاجل من جهة، ومن جهة أخرى، تبدو وعكته «جادة» أكثر لذويه ومقربيه، وأيضاً لرئيس العمل. وعندما يسأل الدكتور لماذا لا يصف له مضاداً حيوياً، يردّ الأخير بأن إصابته فيروسية المنشأ، وليست جرثومية أو بكتيرية، وبالتالي لا تنفع معها المضادات الحيوية.
فلماذا لا يقوى هذا النوع من الأدوية شيئاً إزاء الفيروسات، مع أن إصاباتها لا تقل «جدية» عن الأمراض الجرثومية، بل تفوقها خطورة أحياناً؟
يكمن الفارق في «المسكن»، أو محل الإقامة إن شئنا. وللتبسيط، نقول إن الجراثيم والبكتيريات «تتسكع» في أنحاء الجسم. وعليه، يمكن تشبيهها بأولئك المحرومين من المأوى، مما يدعى «هوملَس». هكذا، لا بد أن «يثقف» بها المضاد الحيوي في مكان ما. أما الفيروس، فيختار «سكناً ثابتاً»، متمثلاً في خلية معينة، يقتحمها ويربض فيها، فيصيبها، فلا يظفر به المضاد الحيوي.
علمياً، ينبغي معرفة أن البكتيريا تشكل عضواً حيوياً بجدارة. والمضاد الحيوي، مثلما هو معروف من اسمه، عبارة عن مادة «ضد الحياة». هكذا، يقتل البكتيريا، بما أن لها حياة، من خلال الحيلولة دون نموها. فتضمحل وتضمر إلى أن تموت.
في المقابل، لا حيلة للمضاد الحيوي إزاء الفيروس، بما أنه رابض داخل خلايا الجسم الحية. وذلك ما يفسر صعوبة مكافحة أي داء فيروسي، مثلاً الإيدز. ولمكافحة الفيروسات الأقل ضراوة ينبغي اللجوء إلى وسائل أخرى، أهمها تقوية مناعة الجسم الطبيعية من خلال أدوية يمكن وصفها بأنها «معززات حيوية»، وتدعى أيضاً «بروبيوتيك probiotic» (على عكس «أنتايبيوتيك antibiotic»، المضادات الحيوية). تلك المعززات تتمثل في متممات غذائية تتألف من بكتيريا حية، أو خمائر، تعين الخلايا المضيفة للفيروس على مقاومته.
إلى ذلك، يصف الطبيب على الأغلب أدوية تسهم في تخفيف أعراض الداء الفيروسي، لكنها لا تقضي عليه. وذلك أمر شائع، مثلاً، في حالة الإصابة بالإنفلونزا، التي يتندر بعض الأطباء بالقول إنها «تدوم أسبوعاً إن لم تتم معالجتها، وتستغرق 7 أيام إن تمت معالجتها». ويقصدون بذلك أنها داء لا دواء ناجعاً له، بما أنه فيروسي، وكل ما يمكن عمله هو تخفيف أعراضه والانتظار إلى أن يموت الفيروس المسبب «ميتة طبيعية»، مما يتطلب أسبوعاً على العموم.