#منوعات
ياسمين العطار اليوم
يعكس روح الفخامة والأصالة، ويحمل عبق الطبيعة.. إنه العود «ملك الروائح» في عالم العطور والبخور. ففي قلب ولاية «آسام» الهندية، حيث تتشابك الأشجار؛ لتحكي قصصًا ثرية من قرون مضت، ولدت أسطورة العود، والرحلة هنا تبدأ مع أول نفحةٍ من الهواء، حيث تمتزج رائحة الطبيعة برائحة الزمن. هنا في مزارع الأخشاب العطرية، نغوص في عمق الحكاية، فالعود ليس مكوناً عطرياً فقط، بل كائنٌ حيّ، يتنفس عبر السنين، ويحمل بين أليافه تاريخًا من التقاليد، والمهارة، والشغف.
-
العود.. من قلب الطبيعة إلى قارورة عطر
في جولة مفعمة بالروائح الندية مع عطور «أجمل»، الشركة الرائدة عالمياً في صناعة العطور، نعيش تجربة استثنائية، ونكتشف ملامح العود، من جذوره العميقة، إلى تحوله إلى نفحات آسرة. هذه الجولة الحصرية، التي انطلقت من قلب المزارع الغنّاء في «هوغاي» بالهند – مهد العود وأسراره – لم تكن مجرد رحلة استكشافية، بل كانت احتفاءً بتراث زاخر، يمتد عبر الزمن. فقد اجتمع العطارون العالميون، والمؤثرون في عالم العطور؛ ليغوصوا - بعمق - في الزراعة المستدامة، وأسرار التقطير التقليدي، حيث يتحول كل تفصيل إلى سيمفونية تحكي قصة أحد أغلى العطور، وأشدها ندرة. تبدأ الرحلة من تربة الأرض؛ لتنتهي في قارورة عطرٍ تسافر عبر العالم. فبين أشجار «الأكويلاريا» العتيقة، وبين أيدي الحرفيين الذين توارثوا هذه المهنة عن آبائهم، يتحول الخشب إلى نفحاتٍ خالدة، ويتسرب العود من جذور الماضي؛ ليعانق الحاضر.
تاريخ العود
الطريق إلى المزارع ليس مجرد مسافةٍ نقطعها، بل بوابة إلى عالمٍ مختلف، فالهواء هنا محمّلٌ برائحة الخشب الرطب، الممزوجة بلمحاتٍ خفيةٍ من الصمغ العطري، كأن الأرض نفسها تتعطر بكنوزها. ففي كل خطوةٍ بين هذه الأشجار، تخفت الأصوات، وكأن الطبيعة تستعد؛ لتخبرنا بسرها الدفين. وتشير الأدلة التاريخية إلى أن العود جاء من جنوب شرق آسيا، خاصة الهند وكمبوديا وإندونيسيا. وتُعد أشجار «الأكويلاريا»، المشهورة باسم خشب «الأغار»، من الأشجار التي تعود أصولها إلى الهند، خاصة منطقة «آسام». والعود أحد أسماء الخشب في اللغة العربية، ويُستخرج من شجرة «الأغار» فقط، التي تنتمي إلى فصيلة «الأكويلاريا» دائمة الخضرة. وتُعرف شجرة «الأكويلاريا»، أو شجرة «الأغار»، بأنها كنزٌ عطري نادر، لكن ما يجعلها استثنائية الطريقة التي تُخرج بها العطر من أعماق جرحٍ في جذعها؛ فعندما تُصاب هذه الشجرة بفطرٍ معين، تفرز صمغاً عطرياً كآليةٍ دفاعية، لكن ما يبدو كجُرح، يتحول - عبر الزمن - إلى أحد أغلى المكونات العطرية، وأشدها ندرة.
-
العود.. من قلب الطبيعة إلى قارورة عطر
مهارة.. ودقة
في معمل المعالجة الخاص بـ«أجمل»، الأمر ليس مجرد صناعة، بل طقس من الدقة والمهارة؛ فعملية الحصاد مستدامة، لتضمن اختيار أفضل أنواع الخشب الغني بالصمغ، دون الإخلال بالنظام البيئي. فالحرفيون، هنا، لا يعملون وفق قوالب جامدة، بل وفق إحساسهم العميق بالعود. وبأيديهم التي التصقت بهذه المهنة منذ الصغر، يفرزون الأخشاب، ويقطعون الأجزاء غير المنتجة للصمغ، ويحتفظون بأكثرها غنًى بالرائحة، فالمشهد أشبه بعازفين ماهرين يعزفون على أوتار الطبيعة؛ ليتحول كل جزءٍ من الخشب إلى نغمةٍ عطريةٍ، ستُعزف - لاحقًا - على بشرة من يرتديها.
ثراء العود
في وحدة التقطير، حيث تُولد قطرات العود الأولى، يكون المشهد أكثر سحرًا، فعملية التقطير بالبخار آلية تم إتقانها على مر العصور، فالأوعية النحاسية القديمة، المليئة برقائق الخشب المنقوعة، تُغلق بإحكام، ثم تُسخّن ببطءٍ شديدٍ لمدة ثلاثين يومًا. وتتسلل الحرارة برفق، كأنها تُقنع الخشب بالتخلي عن أسراره؛ فيطلق الصمغ زيته الثمين. وتبدأ أولى قطرات العود بالتساقط، كثيفةً، ثمينةً، حاملةً في عمقها قرونًا من التاريخ، ورائحةً خالدةً. وتعمل طريقة الاستخراج البطيئة هذه على تعزيز عمق العود ودخانه وثرائه، فيصبح أكثر العطور رواجاً في العالم.
-
العود.. من قلب الطبيعة إلى قارورة عطر
صناعة العطور
التجربة لم تكن فقط عن العطور، بل عن الإرث والمسؤولية، والالتزام بالتعليم والرعاية الصحية، والاستدامة البيئية المتأصلة - بعمق - في إرث مؤسسة «أجمل». ففي كلية «مريم أجمل» للعلوم والتكنولوجيا للسيدات، تجتمع الطالبات؛ ليغرسن الأشجار كرمزٍ للاستدامة. وتسلط التفاعلات الجذابة - في مبنى مدرسة «أجمل» الحديثة - الضوء على تركيز «المؤسسة» على التعليم، وتنمية المهارات، وتشكيل الأجيال القادمة من خلال فرص التعلم الجيدة. وفي مستشفى «حاجي عبد المجيد التذكاري» (HAMM)، تمتد يد العون؛ لضمان وصول الدعم الطبي الأساسي إلى المجتمعات المحرومة. وكذلك توفر معاهد تنمية المهارات للمسؤولية الاجتماعية للشركات، في «أجمل»، برامج التدريب المهني للأفراد على المهارات ذات الصلة بالصناعة، ما يقدم مسارات لسبل العيش المستدامة؛ فالعود، هنا، ثقافة كاملة من العطاء والالتزام.
إرث متجذّر
في تأمله للتجربة، شارك عبد الله أجمل، الرئيس التنفيذي لشركة أجمل للعطور، قائلاً: «(هوغاي) عاصمة العود في العالم، حيث أتقنت الأجيال فن زراعة العود». وتابع: «ولد جدي، حاجي أجمل علي، هنا، ورغم أن (عطور أجمل) نمت لتصبح علامة تجارية عالمية، إلا أن هذه الأرض تظل روحنا، وقد صُممت هذه الجولة؛ لتثقيف عالم العطور، وتكريم الجذور التي شكلت إرثنا».
-
العود.. من قلب الطبيعة إلى قارورة عطر
تفانٍ.. وشغف
الرحلة إلى «آسام» ليست مجرد زيارةٍ إلى مزارع العود، بل دعوة للغوص في قصةٍ أكبر، قصة أرضٍ تمنح من روحها للبشر، وحرفيين يصوغون الزمن بمهارةٍ لا تُقدّر، فتعكس التفاني والشغف في كل مراحل تاريخ «عطور أجمل»، التي تعد رمزاً للأصالة والحرفية والفن الشمي، لأكثر من سبعة عقود. فالذي يوجد داخل كل زجاجة عودٍ، ليس مجرد عطر، فهناك غابةٌ تتنفس، وحرفيٌّ يسطر بيده حكاية، وزمنٌ يختبئ بين نغمات عطرية.. بانتظار من يستنشقها، ويدرك سرّها.
خرجنا من هذه الرحلة، ونحن نحمل معنا شيئًا من روح العود، ذلك العطر الذي لا يشبه سواه!