#تنمية ذاتية
زهرة الخليج اليوم
من المعروف أنَّ الطفل المولود حديثاً، يكون عادة مَحطَّ اهتمام الجميع، وتكون احتياجاته محصورة بتلك التي تؤمِّن له البقاء والاستمرار في الحياة. ولكن هناك أموراً أُخرى على الأُم أن تفهمها وتعمل على تنميتها وتطويرها، ومنها المشاعر والأحاسيس.
ومع أنَّ مشاعر الطفل تبدو فطرية، إلَّا أنه يتعلَّم المشاعر النبيلة، مثل الحب والتعاطف مع الآخرين، والفضيلة والكرم واحترام الآخرين، من والديه والمحيطين به، الذين يمضي معظم وقته معهم. فإذا نشأ الطفل على حب واحترام الآخرين، أو على حب ذاته فقط والتركيز عليها، فإنَّ ذلك يعود إلى النموذج الذي يراه أمامه ويُعايشه يومياً.
عندما يصبح الطفل في عمر السنتين، تتغيَّر مشاعره بسرعة وبصورة مفاجئة. فإذا كان سعيداً فإنه يُعبِّر عن سعادته بالمعانقة والضحك والرقص أحياناً، ثم فجأة ينفجر غاضباً ويأخذ في الصراخ، بحيث إنه يثير أعصاب الأم. فالأطفال في هذا العمر يختبرون مشاعرهم بشكل عاطفي وانفعالي. إذ يمكنهم الانتقال من قمة السعادة والفرح، إلى أدنى، وما دون الأدنى أحياناً، أي مشاعر القلق والإحباط، ثم يعودون إلى ما كانوا عليه بسرعة مذهلة.
ففي عمر السنتين إلى الثلاث سنوات، يمرُّ الطفل بقفزات هائلة في ما يتعلق بتصنيف وفهم مشاعره. وبما أن قدرته على إدارة مشاعره المتذبذبة ما بين الصعود والهبوط، تكون مهزوزة في أحسن الأحوال، فوظيفة الأم في هذه المرحلة الحرجة من تطور عواطفه، هي إجراء محادثات مطوّلة معه حول مشاعره ومشاعرها. فالأطفال الذين يتحدث معهم الأهل حول المشاعر، يملكون مهارات اجتماعية أفضل من الأطفال الآخرين.وما إن تبدأ الأم في الحوار مع الطفل، حتى يمكنها التوصل إلى السبل التي تفجّر مشاعره المختلفة، والتي تنتج أشكالاً مقبولة للتعبير عن ذاته.
مشاعر السعادة: عندما يكون طفلك سعيداً، فإنه يُعبِّر عن سعادته بالقفز فرحاً أو بالضحك، وفي أحيان أُخرى بمعانقة أمه أو أي شخص من أفراد عائلته. وهنا على الأم أن توضح لطفلها أنه سيشعر بالسعادة كلما قام بعمل يحبه، ما يساعد الطفل على فهم الرابط بين السعادة التي يشعر بها وبين ما يدور حوله، كما يعلمه أيضاً بأنه يملك القدرة والبراعة في إسعاد نفسه.
في عمر السنتين ونصف السنة، يبدأ الطفل في إظهار مشاعر التعاطف مع الآخرين. لذا على الأم تطوير ورعاية هذه المشاعر الغنية بوسائل بارعة لتحقق السعادة لطفلها المكتئب.
مشاعر الحزن: عندما يشعر الطفل بالحزن، يبدأ في الارتعاش، وتتدلَّى شفتاه وتنهمر دموعه على خديه، أو يبدو وكأنه مصاب بداء عندما يحين وقت إنهاء اللعب وتوديع رفاقه، أو إذا نهرته أمه بسبب سوء تصرفه.
وبالنسبة إلى الأطفال في عمر السنتين، فإنّ مشاعر الحزن والكآبة، تُثبط من عزيمتهم وتهبط معنوياتهم وتجرّهم إلى الدَّرك الأسفل بسرعة وبشكل تام. واجب الأم هنا أن ترفع من معنويات الطفل وتزوّده بالأدوات اللازمة لمعرفة كيفية الخروج من حالة الإحباط فعلياً، مثل معانقته في حال شعرت بأنه محبط وحزين، أو اصطحابه إلى حديقة واللعب معه، أو دعوة صديق له إلى المنزل ليلعبا معاً.
مشاعر الغضب: من المهم معرفة أن مشاعر الغضب عند الطفل ليست نابعة من أنانية، بل عن حبه للفت انتباه الآخرين إليه. وهي نتاج تراكم الشعور بالانزعاج والإحباط، وأسبابها هي عدم امتلاك الطفل للقدرات الجسدية، التي تمكّنه من إنجاز معظم ما يحب إنجازه.. فهو يفتقر إلى القدرة التي تمكّنه من السيطرة على نفسه ومشاعره. كما أنه لا يملك المهارة الكلامية للتعبير عن مشاعره. فالأهل هم الذين يضبطون سلوكه ويضعون القوانين، من دون أن يفهم أسباب الحدود التي يضعونها. لذا، عندما يزيد الضغط عليه فإنه ينفجر كالبركان الصغير.
في الحقيقة، كل الأطفال يغضبون. لكن بعضهم سريعو الغضب أكثر من غيرهم من الأطفال. والغضب يأخذ أشكالاً عدّة. فقد يصرخ طفل بصوت عالٍ، في حين يلقي طفل آخر نفسه على الأرض، ويبدأ في الركل برجليه، بينما يعمد طفل ثالث إلى إلقاء الأشياء أرضاً من دون أن يبالي بنتائج فعلته. بعض الأطفال يحبسون أنفاسهم عند شعورهم بالغضب، حتى يزرقّ لونهم، وقد يموت القليل منهم نتيجة حبس الأنفاس.
إنَّ غضب الأطفال مثل سيارة بلا كوابح، يمكن للأم أن توقفه، لكن لا يمكنها أن تغيِّر مساره لتجنّب الضرر الكبير. لذا، على الأم أن تواجه غضب طفلها بهدوء، حتى لا يؤذي نفسه أو يتسبب في إيذاء الآخرين. وإذا كان الطفل يقبل أن يلمسه أحد أثناء نوبة غضبه، على الأم أن تسرع إلى احتضانه ومعانقته، وأن تهدئ من روعه إلى أن يزول غضبه. أما إذا كان لا يحب أن يقترب منه أحد، فعليها التراجع إلى الوراء ومراقبته بدقة، ثم عليها التدخل في الوقت المناسب لتمنعه من القيام بأي عمل قد يسبب له الأذى. على الأم ألّا تتجادل مع طفلها أثناء شعوره بالغضب، فإضافة إلى أن الجدل غير مُجدٍ، فإنه سيزيد من غضبه وشعوره بالإحباط والخوف.
على الأم أن تكون صبوراً في تعليم هذا الدرس لطفلها، لأنه في حاجة ماسة إلى تعلّمه، كما يمكنها أن تجد المخارج والوسائل التي تساعده على التنفيس عن غضبه، كأن تعطيه لعبة تسمِّيها «لعبة الغضب»، وتطلب منه الصراخ عليها إلى أن يهدأ، أو أن تطلب منه الوقوف في زاوية تسميها «زاوية الغضب» للتنفيس عن الغضب الذي في داخله، وبذلك يعرف ماذا يفعل عندما يفقد أعصابه. وحالما يهدأ الطفل يمكن للأم أن تحدّثه عن أفضل الوسائل التي قد تساعده على التغلب على شعوره بالإحباط، وبالتالي الغضب.
على الأم أن تشرح لطفلها أنها تفهم سبب شعوره بالخوف وتردده في مثل هذه الحالات. ولكن عليها أيضاً أن تُبيِّن له أن لا علاقة لمخاوفه بواقعه هو، وأنّ سبب خوفه هو الوضع الجديد الذي واجهه، والذي لم يكن معروفاً له من قبل.
على الأم أن تؤكد لطفلها أنه في أمان، وأن تُحدِّثه عن تجاربها الشخصية عندما كانت صغيرة في مثل سنه، لتروي له مثلاً مخاوفها من «الغــول» الذي لم ولن تراه إطلاقاً، لأنه مخلوق وهمي لا وجود له في الحياة. الأهم من كل ذلك، عليها تعليم طفلها ألّا يدع الخوف يسيطر عليه. وبدلاً من ذلك، عليها البحث عن الأمور التي تجعله يشعر بأنه شجاع، وتقوِّي ثقته بنفسه. عليها ألّا تدع إدراكه للخوف يصبح سمة من سماته الشخصية. لذا يجب تذكيره بالأوضاع التي كان يستطيع تجاوزها عندما كان يشعر بالخوف والقلق. فبتوجيه من الأم يستطيع الطفل السيطرة على مشاعره بشكل أفضل، ويتمكن من اكتشاف عالم لوحده من دون خوف.
مشاعر الغيرة: أكثر ما يغار الطفل من والده، لأن في داخل كل طفل صغير القليل من «أوديب». فهو يشعر بحب عارم نحو أمه، وفي كثير من الأحيان يتحدث عن الزواج بها. وتعتبر هذه المشاعر طبيعية. وإذا ما تم توجيهها بشكل صحيح، فإنها تُنسَى وتزول مع الأيام، لأنه، في الحقيقة، عندما يصبح الطفل في عمر الثلاث أو أربع سنوات، يبدأ في الابتعاد عن أمه، ويشعر بالانزعاج من معانقتها وقبلاتها. وبدلاً من أن تنزعج الأم وتغضب من هذه التصرفات، أو بدلاً من أن تتعاطف مع طفلها إلى أبعد الحدود، عليها أن تتصرف بشكل جيد، وأن تتكيّف مع الواقع الجديد.