#منوعات
نجاة الظاهري الأحد 5 يناير 12:45
من الكويت إلى دبي، ورحلتها مع الكلمة لا تكاد تخبو شعلتها أبداً.. تقضي مريم الزرعوني حياتها، ناهلة زادها من المعجم، ومن حبها للمفردة، وجاعلة من الصلصال والرسم متكأً وظلاً قصيراً، قبل أن تكمل سيرها على طريق الإبداع الأدبي، والنقدي؛ فهي القاصة، والشاعرة، والمشرفة على «نادي الشعر» باتحاد كتاب وأدباء الإمارات.. في حوارها مع «زهرة الخليج»، تأخذنا مريم الزرعوني في رحلة موجزة، تستعرض خلالها محطات حياتها منذ الطفولة، والظروف التي مهدت أمامها الطريق؛ لتصبح الكاتبة التي نعرفها اليوم، وصولاً إلى اهتماماتها المتنوعة.
الطفولة وتشكّل الهوية الأدبية
خطت مريم أولى خطواتها في الكويت، وهناك نهلت الحرف رؤيةً واهتماماً بدايةً.. عن تلك المرحلة، تخبرنا: «أبي إماراتي، وأمي كويتية، وطفولتي المبكرة كانت في الكويت، حتى مرحلة الروضة. تأثرت كثيراً بالحياة هناك؛ حيث كانت أسرتي شغوفة بالتعلم والثقافة. فكان جدي يقرأ الصحف، وخالاتي يحضرن كتب الجامعة والمجلات إلى المنزل، فكانت تلك المصادر أول ما لفت انتباهي إلى عالم القراءة. بعد انتهاء مرحلة الروضة، عدنا إلى دبي، واستأنفت دراستي الابتدائية، وكنت أساعد والدتي - التي عادت إلى الدراسة في الفترة المسائية - في الحفظ والدراسة». وتوضح: «من اللحظات المؤثرة في حياتي، أن والدتي عرضت عليَّ مسرحية (نهر الجنون)، لتوفيق الحكيم، ولم أكن أفهم الكثير منها حينها، لكنها أثارت فضولي. وكانت والدتي تعلمنا كلمات باللغة العربية الفصحى، كما كنت، دائماً، أشعر بالفخر بتفوقي في اللغة العربية بسبب نصائحها، فقد علمتني كيف أستبدل الكلمات الشائعة بمفردات أدبية أعمق، ما أضرم شغفي بالمعاجم، والكلمات الجديدة، وأصبحت أميل إلى عالم الأدب والمعاني. وقد أردت أن أبيّن تأثير بيئتي في تشكيل حبي للكتابة والشعر، بلا إحساس مني، ولا معرفة بأنني سأكتب يوماً، وسأحب الشعر».
بدايات الكتابة
هل كانت تلك البدايات كافية؛ لجعل مريم كاتبة؟.. تسرد لنا الأديبة الإماراتية كيف بدأت رحلتها مع الكتابة، قائلة: «أول محاولة جادة لي كانت في الصف الثاني الابتدائي، عندما طلبت المعلمة كتابة بيت من الشعر. حاولت جاهدة، لكنني لم أتمكن من إكماله. رغم فشلي في البداية، إلا أن الرغبة في الكتابة ظلت تلازمني. وخلال المرحلة الإعدادية، بدأت تدوين خواطري في كراسة خاصة، وكنت أطلع صديقتي المقربة عليها، فكانت تشجعني، دائماً، على الاستمرار. في المرحلة الثانوية، انتسبت إلى المسار العلمي، وتوقفت عن الكتابة، لكنها عادت لتظهر، مجدداً، في الجامعة، فقد كنت أنشر مقالات في إحدى المجلات الجامعية. بعدها، وبسبب انشغالات العمل؛ ابتعدت عن الكتابة». وتوضح: «بعد عشر سنوات من بدء مسيرتي العملية، وتحديداً خلال عملي بمختبر التحاليل في أحد المستشفيات، عدت إلى كتابة الخواطر. بعدها انتقلت إلى مهنة التدريس. قدمت استقالتي بعد زمن، وقبل الاستقالة بقليل، انضممت إلى ورشة للكتابة، فكانت نقطة تحول مهمة في حياتي، ومنها خرجت بأول ديوان لي في شعر النثر. كما أثمرت تلك الورشة روايتي الأولى (رسالة من هارفارد). بعد ثلاث سنوات من هذا الحدث، قررت ترك وظيفتي؛ للتفرغ الكامل للكتابة».
علاقة فنية
لم تكن مريم بعيدة عن المجال الفني، فعلاقتها به بدأت قبل استقالتها من مهنة التدريس بزمن قليل كذلك.. عن هذه المرحلة، وسبب اختيارها الكتابة فقط، والابتعاد عن الفن، تقول: «حينما كنتُ أعمل مدرّسةً، بدأت قضاء أوقات فراغي في معهد الشارقة للفنون، حيث انتسبت إلى دوراته المختلفة، في الرسم والنحت، لسنوات عدة، بين انقطاع وعودة. هذه الفترة كانت متزامنة مع انتسابي لورشة الكتابة، وإصدار ديواني الأول، وخوفاً من ألاّ أعطي كلّ مجالٍ حقه، اخترت الكتابة، واستعضت عن الممارسة الفنية بالكتابة عن الفن، بمقالات أنشرها في الصحف المختلفة، سواء كانت عن عمل فني أو فنان، أو معرض، أو مدرسة فنية. أرى أن جانب الكتابة لديّ جدير بالاهتمام، ومن المفترض أنه سيحقق لي شيئاً كبيراً في المستقبل، لكنني لا أعرف ما هذا الشيء، كما أشعر بذاتي حينما أكتب، فالكتابة جزءٌ من كيان مريم الزرعوني».
نشأة محفزة
بالإضافة إلى نشأتها المحفزة على القراءة، فإن مريم استمرت في طريق الكتاب، بين القصص والمسرحيات والدراسات، وتحدثنا عن قراءاتها، قائلة: «بدأت قراءاتي كأي طفلة بقصص الأطفال، فقرأت في عمر مبكر قصص (المكتبة الخضراء)، وحينما أتقنت القراءة، ولعت بقراءة الصحف اليومية، خاصة الكتب المنشورة في سلاسل يومية، وأذكر منها سير الساسة، ومسرحيات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة. كما أتذكر حرصي على استعارة الكتب من مكتبة المدرسة؛ لترافقني خلال العطلة، وكانت - في معظمها - مجموعات قصصية مترجمة إلى العربية». وتبين: «خلال الجامعة، كنت محاطة بصديقات يدرسن تخصص اللغة العربية والدراسات الإسلامية، فملت إلى كتب التراث والتراجم والموسوعات التاريخية، مثل: (البداية والنهاية)، و(البيان والتبيين)، و(أسد الغابة). ولفت انتباهي - بعدها - الشعر الحديث، الذي استوقفني لوقت أطول، في شكله الحر والمنثور، والمترجم، خاصة الشعر الفرنسي، فقرأت لكل من: بودلير، وفاليري، ورامبو، كما قرأت لأدونيس، ووديع سعادة، وأمل دنقل. بعد ذلك، صرت أميل إلى الدراسات الفكرية والنقدية، على حساب الأدب، فقرأت دراسات أدونيس، وفوزي كريم، وعبد القادر الجنابي. والآن، أحرص على الجمع بين التراث والحداثة، مع التركيز على المؤلفات الفكرية والنقدية، على حساب الإبداعية».