#منوعات
كارمن العسيلي 11 أغسطس 2024
يسعى العالم، جاهدًا، نحو مستقبل مزدهر وسلمي ومستدام. ويتجسد هذا التصور في أهداف التنمية المستدامة (SDGS)، وهي مجموعة مكوَّنة من 17 هدفًا طموحًا، اعتمدتها الأمم المتحدة عام 2015. ومن بين هذه الأهداف، يبرز الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة، الذي يسعى إلى تحقيق المساواة بين الجنسين، وتمكين جميع النساء والفتيات، كركيزة أساسية؛ لتحقيق الأهداف الأخرى كافة.
وفي هذا المجال، جاءت دولة الإمارات في المركز السابع عالمياً، والأول إقليمياً، بمؤشر المساواة بين الجنسين، في تقرير التنمية البشرية، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2024. والتقدم الذي أحرزته الإمارات في الهدف الخامس، يأتي نتيجة السياسات والتوجيهات، التي اتخذتها القيادة الرشيدة في مجال تمكين المرأة، وإيمانها الراسخ بأهمية المساواة بين الجنسين، التي يمثلها الهدف الخامس، فهي تعد مفتاحاً أساسياً لتحقيق التنمية المستدامة على جميع المستويات.
وقبل الحديث عن الخطوات، التي اتبعتها الإمارات لتحقيق الإنجازات، والتقدم في المساواة بين الجنسين؛ لا بد أولاً من إجابة السؤال التالي: لماذا تعتبر المساواة بين الجنسين ضرورية للاستدامة؟
إن تحقيق المساواة بين الجنسين، وتمكين النساء والفتيات، ليس مجرد هدف نبيل، بل ضرورة حتمية لتحقيق التنمية المستدامة للمجتمعات. والمساواة بين الجنسين لا تقتصر على حقوق متساوية على الورق فحسب، وإنما تكون بضمان حصول النساء والفتيات على فرص متساوية في: التعليم، والرعاية الصحية، والفرص الاقتصادية، والمشاركة السياسية. وأثبتت الدراسات أن تمكين المرأة، وحماية حقوقها، يعنيان مجتمعات أكثر صحةً، وأكثر أماناً، واقتصادات أقوى. فعندما تتمتع النساء والفتيات بصحة جيدة، تكون عائلاتهن ومجتمعاتهن أكثر صحة. فالمرأة مسؤولة، بشكل أساسي، عن رعاية صحة أفراد الأسرة. وعندما تتمتع النساء والفتيات بالأمان؛ تكون المجتمعات أكثر أمانًا. وكذلك، تلعب المرأة دورًا مهمًا في بناء السلام، وحل النزاعات. وعندما تشارك النساء، بشكل كامل، في القوى العاملة، يكون الاقتصاد أقوى وأكثر ازدهارًا؛ فهنَّ يشكلن نصف طاقة المجتمع، ولديهن الكثير لتقديمه للاقتصاد.
ما الخطوات، التي اتبعتها الإمارات للتقدم في أهداف التنمية المستدامة، لاسيما الهدف الخامس، المرتبط بالمساواة بين الجنسين؟
عام 2015 (العام الذي حددت فيه الأمم المتحدة أهداف التنمية المستدامة الـ17)، أعلنت الإمارات عن تأسيس مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين، بهدف تقليص الفجوة بين الجنسين في قطاعات الدولة كافة، لتكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة، وبالتالي تحقيق رؤية الدولة في عملية التنمية المستدامة.
وفي 2017، أطلق هذا المجلس دليل التوازن بين الجنسين، وهو الأول من نوعه على مستوى العالم، إذ يوصف بأنه أداة شاملة، توضح المقاييس والخطوات، التي يجب على القطاعَيْن العام والخاص، اتباعها لتنفيذ متطلبات هذا التوازن، وتقليص الفجوة بين الجنسين.
وعام 2018، تم إصدار أول تشريع من نوعه للمساواة في الأجور والرواتب بين الجنسين، ما يصب في حماية حقوق المرأة، ودعم دورها في عملية التنمية الوطنية.
وفي عام 2023، أطلقت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية (أم الإمارات)، السياسة الوطنية لتمكين المرأة في دولة الإمارات العربية المتحدة 2023 –2031، بناءً على قرار مجلس الوزراء، بمناسبة يوم المرأة الإماراتية لعام 2023، تحت شعار «نتشارك للغد»، بهدف مشاركة المرأة العادلة والشاملة للتأثير في جميع المجالات، وتتضمن هذه السياسة 3 توجهات رئيسية، هي:
1 - بناء أسرة مترابطة، ومتماسكة، وداعمة لتعزيز دور المرأة في المجتمع.
2 - دمج المرأة في سوق العمل، والقطاعات المستقبلية، بصورة متوازنة.
3 - تطوير القدرات، وتعزيز المهارات المستقبلية لدى المرأة.
هذه السياسات، وغيرها من الخطوات المتبعة، مكنت الإمارات من حصد المركز الأول عالمياً، في 3 مؤشرات فرعية، وفق تقرير الفجوة بين الجنسين عام 2023، هي: معدل التحاق الفتيات بالتعليم الجامعي، ونسبة النوع الاجتماعي عند الولادة، والتمثيل البرلماني للمرأة؛ إذ تمثل المرأة الإماراتية اليوم نسبة 50 % من عدد أعضاء المجلس الوطني الاتحادي.
وفي مجال المشاركة الاقتصادية، عملت الإمارات العربية المتحدة على توفير فرص متساوية للرجال والنساء، في جميع مجالات الحياة الاقتصادية. فقد سنت قوانين تحظر التمييز بين الجنسين في الأجور والتعيين والترقية. كما تم توفير برامج تدريبية، ودعم ريادي للنساء؛ لمساعدتهن في بدء مشاريعهن الخاصة.
وعلى صعيد حماية الحقوق، تُولي الإمارات العربية المتحدة اهتمامًا كبيرًا لحماية حقوق المرأة والفتاة. فقد سنت قوانين صارمة؛ لمكافحة العنف ضد المرأة، والتمييز ضدها. كما أنشئت مؤسسات حكومية معنية بحماية حقوق المرأة، وتعزيز مكانتها في المجتمع.
إن جهود دولة الإمارات العربية المتحدة متواصلة في مجال تمكين النساء، وتحقيق المساواة بين الجنسين، من خلال الاستثمار المستمر في التعليم، وبرامج التمكين الاقتصادي، ووضع الأطر القانونية للوصول بالنساء والفتيات إلى إمكاناتهن الكاملة، وليصبحن فاعلات في بناء مستقبل مستدام للإمارات العربية المتحدة، والعالم.
ولا تتوقف جهود الإمارات العربية المتحدة عند حدودها الداخلية، فهي تقدم الدعم المالي والفني إلى البرامج والمشاريع، التي تهدف إلى تمكين المرأة في جميع أنحاء العالم.
كأفراد.. كيف يمكننا المساهمة؟
المساواة بين الجنسين ليست مسؤولية المرأة فحسب، فهي مسؤولية تقع على عاتق الجميع. وكل فرد منا، رجلاً أو امرأة، فتاة أو صبيًا، يمكنه لعب دور في تحقيق المساواة بين الجنسين، ويكون من خلال التوعية، وصد أي ممارسات تتعارض مع المساواة بين الجنسين، أو تشجع على الإخلال بها، والمشاركة في الأنشطة الداعمة للنساء وتمكينهن. وقد قطع العالم خطوات مهمة على طريق المساواة بين الجنسين، لكن لا يزال أمامنا الكثير لنفعله، ولا تزال النساء يواجهن العديد من التحديات في جميع أنحاء العالم، بدءاً من عدم المساواة في الأجور، إلى العنف، والتمييز.. فلنعمل، معًا، لبناء عالم أكثر عدلاً وازدهارًا للجميع!
الإمارات.. بالأرقام
بحسب اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان (الهيئة الرسمية، التي تؤدي دوراً محورياً في مساعي دولة الإمارات الرامية إلى حماية حقوق الإنسان، وتعزيزها)، فإن مجلس الوزراء الإماراتي يضم، منذ عام 2022، تسع وزيرات من أصل 33 وزيراً، بنسبة 27.3 % من المناصب الوزارية، كما تشكل النساء نسبة 66 % من القوى العاملة بالقطاع العام، في حين تعمل 30 % منهن بأدوار قيادية، و15 % بأدوار تقنية وأكاديمية. كما تم تكليف القطاع الخاص بتعيين النساء في 30 % من جميع المناصب القيادية، بحلول عام 2025.
وبحسب أرقام عام 2023، وصلت نسبة النساء إلى 43 %، من إجمالي العاملين بوزارة الخارجية والتعاون الدولي، و11 % من إجمالي عدد سفراء الدولة، وهي أعلى نسبة بين دول المنطقة العربية. كما تضم وزارة الخارجية والتعاون الدولي 19 امرأة، في منصب مدير عام، أو نائب مدير عام.
أما في السلك القضائي، فقد وصل عدد القاضيات، عام 2022، إلى 22 قاضية.
وفي مجال التمكين الاقتصادي، تمتلك المرأة، اليوم، واحدة من كل 10 شركات بالقطاع الخاص في دولة الإمارات، ووصل عدد الرخص المملوكة لرائدات الأعمال في الدولة، من بداية 2018 وحتى أغسطس عام 2022، إلى نحو 44 ألف رخصة تجارية، وبلغت نسبة رائدات الأعمال الإماراتيات منها 58 %. علاوة على ذلك، تدير 23 ألف سيدة أعمال إماراتية مشاريع، تزيد قيمتها على 50 مليار درهم (13.6 مليار دولار)، وتشغل 15 % من جميع المناصب بمجالس إدارات أبرز غرف التجارة والصناعة الوطنية.