#منوعات
نجاة الظاهري الأحد 7 يوليو 10:07
الأشياء والناس يتحركون في مساحات زمانية ومكانية، منتظمة أحياناً، وعبثية أخرى. وفي كل حركة، ولحظة، تحدث تغييرات كثيرة، إما على مستوى المكان أو المجتمعات، أو الأشخاص أنفسهم، ما يثير تساؤلات ملهمة لدى المبدع عن كيفية النظر إلى هذه الحركة، والاستفادة منها فنياً، مستخدماً التقنيات الفنية المعاصرة أو القديمة؛ ليشرح ما يدور في باله حيالها.. وفي معرض «على موعد مع الزمن»، المقام حتى أغسطس القادم في مساحات معرض 421 بأبوظبي، والذي تنظمه جامعة نيويورك أبوظبي لخريجي ماجستير الفنون الجميلة لديها لهذا العام، نجد هذا الإمساك باللحظة وتغيرات العصر بشكلٍ جليّ، على يد الفنانات المشاركات.
تكوينات فرح سلطاني
«ضوءٌ على الأشياء»، بهذه الكلمات تعنون فرح سلطاني مشاركتها في «المعرض»، التي تعد جزءاً من سلسلتها «يوم في الكون 2023». وبمواد متنوعة، منها: الفولاذ المقاوم للصدأ، والألمنيوم، والطباعة ثلاثية الأبعاد، صاغت فرح أعمالها الفنية برمزية عالية، وأبعاد متفاوتة، وأحجام مختلفة. والمطلع على أعمال فرح، في المعرض، يجدها عبارة عن تداخلات من العنصر ذاته، تشكل عملاً فنياً ذا طابع يبعث على الإلهام في طريقة التحكم بالأشياء وتغييرها، من حيث الحجم والشكل واللون، والإضاءة كذلك، أو ظلها على الجدار. إنها طريقتها؛ لتخبرنا بأن العالم متغير، وأن الفنان يستطيع العمل في مساحته بأبعادها كافة، وله حرية التحكم في الأشياء بحسب رؤيته، فيمكنه حبسها في صندوق زجاجي، أو جعلها تطفو على الحائط، أو فوق الأرض. بالإضافة إلى إمكانياته اللانهائية، التي تتشكل من إعادة تخيل العالم، وكل ما هو فيه، والبدائل الممكنة، بخيال خصب، ومواد تتوزع حول الفنان، قد لا يراها الآخرون، ويمكنه وحده أن يرى ما يمكنها أن تصنعه لضخّ الحياة في رؤى جديدة، وإلهام لا ينقطع.
أنفاق سيَل أربور بومَيْه
بين عملَيْها: «حالة التدخل 3»، و«أبعاد متفاوتة»، يجد الداخل إلى مساحة الفنانة سيل أربور بوميه، نفسه كأنه يمشي إلى نفقٍ قديم، فاللوحة على يساره توحي ببداية النفق، وكذلك بوجود عين تراقبه طيلة الوقت، وعلى اليسار، نهاية المساحة، ولوحة مشابهة كأنها لحظة الخروج من النفق. وتتوزع في مساحتها الفنية هياكل خشبية كبيرة، كل هيكل منها مصبوغ بألوان متعددة، ويغلب عليها جميعاً اللون الأسود، وألوان قاتمة أخرى، وعليها بعض الكتابات، التي قد تنم عن غضب أو توتر الإنسان المعاصر. وفي المنتصف، هيكل تعلوه كاميرا مراقبة، وفي الخلف شاشة على المكان الذي تشير إليه الكاميرا، ويجاورها رسمٌ ليد، كأنها تمسك بالشاشة، تلك الشاشة التي قد تعبر حتى عن هواتفنا المتحركة، ونحن في حال مراقبة دائمة للعالم والآخرين، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية، وغيرها. كما تشرح أعمال الفنانة العمارة، وأثرها في سلوك الفرد، من حيث التنظيم أو العبثية. إن هياكل بوميه، تدخل في نطاق التجريد والسيرة الذاتية، وتلقي بالضوء على شيء من نفسية الإنسان المعاصر، الذي يسير في عالم سريع التغير والتشكل.
شوارع سارة الأحبابي
«كرك بو درهم»، و«أنت مال بلدية؟»، وغيرهما من العبارات، التي تصفّها الفنانة سارة الأحبابي بمدخل عملها المشارك في المعرض، والذي يتشكل من «تايم لاين» للأدوات الإلكترونية، بخطوط مضيئة تمثل بعض شوارع أبوظبي، خاصة منطقة الخالدية، فهذه العبارات قد يراها أو يسمعها الماشي في هذه الشوارع، قديماً وحديثاً. تستكشف سارة - من خلال عملها - أحياء أبوظبي، وتبث الروح في ممارسة التأمل أثناء المشي بشوارعها، كما تشير خلف السطور إلى موقف الفنانة كامرأة إماراتية، وهي تتجول في هذه المواقع. إنها استعادة للذاكرة، ومواجهة للثقافة السائدة في استخدام السيارات بكثرة في المجتمع المحلي، بخطوط ذات أضواء متنوعة حمراء، وزرقاء، وخضراء وصفراء، على جدار أسود. وتشكل الفنانة مخططات لبعض الشوارع، ما يعطي شكلاً فنياً وهندسياً يجعلنا نرى هذه الأماكن بنظرة مختلفة، غير الخطوط المستقيمة التي يمكن للماشي أن ينتبه إليها أكثر من غيرها، كما يحوي الجدار الخارجي لوحات صغيرة لمخطط المدينة، مع تخطيط بالألوان ذاتها على الشوارع المستخدمة كنموذج. إنه حوار من نوع آخر مع أصحاب المحال، وإشارات الطريق، وتقدير فني لأجواء مركز مدينة أبوظبي، الذي لا تتوقف فيه الحياة، وتسليط الاهتمام على تجربة الفنانة في أبوظبي، وتشكيل فهمها للمعالم الحضارية.
طفولة فاطمة الرميثي
بورق وقماش وفستان وبعض اللوحات التشكيلية، تثير الفنانة فاطمة الرميثي الحنين في قلوب الزائرين، خاصة الذين عاشوا مرحلة طفولتهم خلال تسعينيات القرن الماضي. فمشروعها المشارك في المعرض «الزمان الحلو»، غوص في ذاكرة حاسة الشم والتذوق والأزياء الخاصة بتلك المرحلة العزيزة على قلوب من عاشوها. وتشكّل الرميثي من خلال عملها مجموعة من قطع الحلوى، التي تتناثر حول فستان قديم لطفلة، كانت ترى في الحصول على الحلوى سعادةً بالغة، وهذه القطع التي تتنوع أحجامها بين الصغيرة والكبيرة، والمغطاة وغير المغطاة، صنعت من مادة الراتنج. كما تنتشر على جدران مساحة معروضاتها، التي تأخذ شكل جدار مجلس قديم، مزيّن بورق جدران عليه نقوش مشابهة للسدو، وهي قطع من القماش ذات نقوش وألوان مشابهة لما كان يستخدم في تلك الفترة، وتتعلق بها، أو تختبئ في جيوبها أغلفة حلويات شهيرة، وبعض نماذج من الحلوى المحببة بشكل كبير لأطفال التسعينيات. إنها جولة في أروقة الحنين إلى الماضي، واستظلال - ولو في مساحة صغيرة - بظل سعادة، استقرت في الذاكرة، ولم يمحُها مرور السنين، وشقاء الحياة، وليست حنيناً إلى الحلوى فحسب، لكنها حنين إلى كل الأجواء التي يعيشها الطفل، من جولات يلبس فيها أجمل الثياب، والجدات ينهرنه؛ ليمتنع عن الإكثار من تناول الحلويات، والعيد، واجتماعات العائلة، فهي لمحة من الماضي، وتذكرة للعودة إلى جهة الفرح.
سماء زارا محمود
من مرسمها في البدع، عام 2023، لاحظت زارا محمود ضباباً كثيفاً في الخارج، أوحى لها بعملها المشارك في المعرض، بعنوان «استمع لسماء البدع»، الذي تمخض عنه عملٌ فني، استخدمت من أجله نظام ترشيح مؤقتاً، بعد أن أخذت عينات من الهواء خارج شرفة الاستوديو باستخدام ورق الترشيح، ثم عاينتها بواسطة مجهر إلكتروني، لتنتج العمل المعروض باستخدام وسائل مختلفة، منها: الورق المصنوع يدوياً، وألوان الباستيل على الورق، والطباعة على ورق الصحف. وتعبر مشاركة زارا عن رغبتها الدائمة في استكشاف حدود وسيلة الرسم، متناولة ما هو مرئي كالسماء التي يمكن للجميع أن يراها بلا مجهر، وما هو غير مرئي، وما تكتشفه عدستها المكبرة، من تشكيلات إبداعية لأجزاء الضباب الصغيرة جداً، التي قد لا يميزها المُشاهد في الصورة المعلقة على جدران مساحتها، إلا بعد قراءة الكتابة التوضيحية لها. كما تشارك زارا بأعمال أخرى، هي: «بُعد ثالث، وشروق شمس آخر، وطقس رقم 7، ورقم 10»، التي تصوّر من خلالها عملية مرور الوقت، عن طريق دراسات الضوء والسماء المتغيرة في تقلباتها المختلفة، وتشكّل هذه الأعمال نظرة سريعة إلى السماء من حولنا، التي قد نراها باعتياد أحياناً، فهي التفاتة إلى التأمل، ورصد التفاصيل، وتسجيلها في الذاكرة، والسعي وراء الإلهام.