#مقالات رأي
د. هدى عبد الرحمن المطروشي 3 يوليو 2024
بعد فترة طويلة من حياتي، لازمني خلالها السهر والروتين اليومي، استيقظت في صباح يوم جديد، مفعم بالنشاط والحيوية، وكانت الساعة تشير إلى السابعة صباحاً. بدأت يومي بقهوتي، مدركةً أن اليوم لن يكون كسابقه؛ فكم من أيام مرت، لم أشاهد فيها بداية النهار، ولم أرَ بوضوح الأشياء والحياة والتفاصيل من حولي.. كنت قد اتخذت قراراً يمثل تحولاً في حياتي؛ هو الانخراط في العمل التطوعي.
أغلقت باب منزلي، وانطلقت وسط المدينة، التي تستيقظ على أعمالها اليومية، فانتابني شعورٌ بأنني «الصامت الوحيد»، وما تبقى يتحدّث، ويدور، ويمشي متناغماً مع حركة الحياة في تلك المدينة.. إنّها لوحة متحرّكة؛ فالناس إلى أعمالهم، والطلاب إلى مدارسهم، والأمهات إلى أعمالهنّ!
كان موعدي في الحديقة الرئيسية بالمدينة، حيث «الابتسامة الجديدة»، وهذا اسم المقر الخاص بمجموعة المتطوعين، الذين يعملون يداً بيد؛ لإحداث تأثير إيجابي في المجتمع. لدى وصولي، تم تعريفي بالفريق، وتسليمي بطاقة تحمل اسمي «المتطوع ناشئ عباس»، فشعرت بعِظَم المسؤولية التي أتحملها، وسَرَتْ في عروقي مشاعر غير عادية مملوءة بالراحة الشديدة. بدأ المدرب توزيع المهام، وكانت مهمتنا هذا اليوم هي توزيع سلال غذائية على المتضررين من حرائق، أثرت في المنازل، والأراضي الزراعية.
بوصفٍ غريب لا أمسك به، بدأ النهار حيث لاحظتُ روعة الشّمس بعد وقت طويل، وشمساً أخرى تشرق في داخلي، ومع توالي المهمّات، وتقسيمها بدا أنّ هناك مسؤوليّة كبرى تجتاح كياني.
عملنا تحت أشعة الشمس الحارقة، وشق العرق جبيني، لكنني شعرت بلذّة ومتعة هذا العمل، كنتُ ألمح الفرح في عيون أولئك المكسورين الذين فقدوا أرزاقهم، واستيقظوا على رؤيته رماداً. كنتُ أكتشف معاني الإنسانية، ومتطلباتها، في تلك الأوقات العصيبة.
تقدم اليوم، وزاد إحساسي بالمسؤولية والرضا؛ فكل سلة غذائية نوزعها كانت تعكس الأمل في عيون أولئك الذين تأثروا بالحرائق؛ ما عمَّق شعوري بالفخر؛ لمساهمتي في مساعدة الآخرين.
أنهينا اليوم بتوزيع نحو ألف سلة غذائية، ورغم التعب والإرهاق، فقد كان الشعور بالإنجاز والسعادة أعظم؛ لأن كلّ ساعة عمل منحتني نوراً، وذكّرتني بمعانٍ غابت عنّي لزمن، فتلك التجربة كانت اكتشافاً جديداً لمعاني الإنسانية والعطاء.
عند عودتي إلى منزلي، كنت أنظر إلى السماء، نادمةً على ذلك الوقت، الذي فاتتني خلاله متعة العمل التطوعي.
علا صوت منبه هاتفي؛ معلنًا بداية يوم جديد.. وقتها، عرفت أن حياتي لن تكون كما كانت، فالعمل التطوعي أصبح جزءًا لا يتجزأ من وجودي، إنّه حياة.. ومَنْ يرفض الحياة؟!