#منوعات
ياسمين العطار 19 مايو 2024
على مدى سنوات طوال، تمكن أبناء الإمارات العربية المتحدة قديماً من إيجاد طرقٍ مبتكرة لاستكشاف البحر والاستفادة من ثرواته، وبرعوا في استخدام المواد المحلية في صناعة صيد الأسماك، وكذلك قوارب صيد اللؤلؤ والأسماك، التي ساهمت في نماء الاقتصاد المحلي بشكل كبير. في حواره مع مجلة «زهرة الخليج»، يعرفنا الوالد النوخذة يوسف العلي، مستشار التراث البحري، وأحد أبرز المواطنين الذين أتقنوا الصناعات البحرية، بقصص وحكايات البيئة البحرية، من صيد وغوص بحثاً عن اللؤلؤ. وتالياً نص الحوار:
حدثنا عن بداية ارتباطك بالحرف البحرية!
نشأت في عائلة تتوارث الحرف البحرية جيلاً بعد جيل، فمن عمر 7 سنوات وأنا أمارس كافة أنواع الحرف البحرية، مع والدي وجدي، رحمهما الله، إذ لم تتوافر في تلك الفترة النشاطات المتاحة حالياً، وإنما كان نشاط الأطفال الوحيد هو الذهاب مع الآباء إلى الصيد والغوص، وغيرهما من الحرف البحرية، وقد كنا قديماً نصنع كل أدوات الصيد من الطبيعة، قبل أن يتطور الأمر ويتم استخدام الآلات الحديثة.
كيف كانت الحياة على ظهر سفينة الصيد؟
إن الحياة على ظهر المحمل «سفينة الصيد» خلال موسم الصيد كانت لها قواعدها وقوانينها، ويقوم بتطبيق هذه القوانين «النوخذة»، وهو ربان السفينة، ويعاونه «المقدمي»، وهو المساعد الأول للنوخذة، كما كان يضم طاقم السفينة: «السكوني» الذي يمسك بالدفة، و«الغيص» أي الغواص، والسيب وهو الذي يسحب «الغيص»، و«التباب» أي الأولاد الذين يرافقون الطاقم لتعلم المهنة.
عدل.. وحكمة
حدثنا عن صفات «النوخذة» ربان السفينة!
كان الأكثر دراية بالمسالك البحرية، ويملك قدرة كبيرة على استخدام الوسائل الملاحية، التي كانت في الماضي بسيطة ومتواضعة، إذ كان يعتمد بالدرجة الأساسية على خبراته وتجاربه في البحر، ودول الخليج عامة والإمارات خاصة فيها «نواخذة» عاصروا أجيالاً طويلة ومنهم من صنع اسماً له في المنطقة، لكثرة أسفاره إلى الموانئ القريبة، ومواجهته خطر الرياح والأمواج والأعطال المفاجئة وهو في عمق البحر. ويعرف «النوخذة» بصفات كثيرة، فهو صاحب القرار الأول أثناء مواجهة الأخطار، والمسؤول عن سلامة البحارة، وهو أيضاً رجل حكيم وعادل، وهو الأمين على بضاعة التجار.
كيف كان الغوص قديماً؟
«الغيص» كان ينزل إلى البحر ويمسك بحبل يسمى «الايدة»، ويكون «السيب» ممسكاً بالطرف الثاني لهذا الحبل فوق المركب، كما يضع «الغيص» الفطام على أنفه، وكان يرتدي بدلةً من قماش خفيف يشبه الذي تصنع منه «الشيلة» النسائية حالياً وباللون الأسود، لأن اللونين الأبيض والأحمر يجذبان أسماك القرش، ويعلق «الديين» السلة التي يجمع فيها المحار على رقبته، ثم يغوص، وعندما يصل «الغيص» إلى قاع البحر يسحب «السيب» «الزيبن» وهو حبل به حجر كان الغيص يربطه في قدمه «إذ لم يعد «الغيص» بحاجة إليه، ويقوم «الغيص» بجمع المحار بيديه ثم يضعه في «الديين»، وقبل أن ينتهي نفس «الغيص» يجر الحبل «الايدة» ويكون «السيب» وقتها منتظراً هذه الإشارة فيجره حالاً بأقصى قوة، إذ يضع «الغيص» «الديين» في يده، ويمسك حبل «الايدة» باليد الأخرى فيخرج إلى سطح البحر قرب السفينة.
هل كان هناك موسم معين للغوص؟
نعم، وكان يسمى الموسم الرسمي للغوص «العود»، ويبدأ من شهر يونيو حتى سبتمبر، ويستمر أربعة أشهر تقريباً، وفيه تذهب السفن الكبيرة والصغيرة للغوص على اللؤلؤ في المياه العميقة «الهيرات»، وقد يصل عمق المياه إلى 50 متراً أو أكثر، وهذا النوع من الغوص اندثر في الإمارات والمنطقة منذ ما يزيد على 50 عاماً، وحل مكانه غوص «القحة»، ويكون في أماكن أقل عمقاً، وإلى جانب هذه الرحلة هناك غوص «الردة»، ويكون بالقرب من الساحل، ومدته تراوح بين 10 و30 يوماً، وغوص «الرديدة» الذي لا يزيد على 10 أيام.
ماذا عن وجبات الطعام التي كان يتناولها الطاقم؟
وجبة الإفطار تكون عند الضحى، وهي عبارة عن قطعة من التمر بحجم قبضة اليد يوزعها عليهم الطباخ، ويمكن أن يحصل الفرد على فنجان من القهوة، ثم يوزع الماء بما يسمى «القبعة» وهي من ثمر النارجيل، ولا يمكن لأحد أن يطلب قطرة ماء زيادة على ما خصص له، كما يمنع الغواصون من الإكثار من شرب الماء لأنه يؤثر في سرعة وصولهم إلى قاع البحر، كون الماء يؤدي إلى حصول انتفاخ في البطن، ما يمنعهم من الغوص إلى الأعماق. أما عن الوجبة الرئيسية التي يتناولها الطاقم، فتكون بعد انتهاء يوم العمل الشاق، أي بعد صلاة المغرب، وعندما تأتي فترة الغروب يستعد الطاقم لتناول الوجبة الرئيسية وهي وجبة العشاء وتضم الأرز والكثير من السمك، ويعدها الطباخ على ظهر السفينة.
حماس
هل كانت هناك عوامل ترفيه خلال الرحلة؟
اخترع البحارة عدداً من «أهازيج الغوص»، وعندما يعلن «السردال» وهو قائد أسطول السفن بدء رحلة الانطلاق، وفي هذه الأثناء ينشد «النهام» الأشعار بصوته الشجي لانطلاق الرحلة التي تمتد إلى ما قد يزيد على الأربعة أشهر. وقد كانت تلك الأشعار تبث الحماس في نفوس الصيادين، وتعبر عن شوق البحارة والغواصين لعائلاتهم.
كيف أثر تطور الصناعات البحرية على طبيعة التراث البحري التقليدي؟
بالطبع كان له تأثير، ولكن أبناء الإمارات يسعون دائماً لترجمة توجيهات القيادة الرشيدة بضرورة الحفاظ على تراثنا وهويتنا الأصيلة، فتاريخنا مع البحر يؤرخ ماضينا ويرسم مستقبلنا. وقد حملت هذا النهج على عاتقي وقررت بعد التقاعد الوظيفي أن أنشر مهنة أجدادنا التقليدية لتوريثها لأبناء شعب الإمارات، وذلك من خلال المؤسسة التي أطلقتها لحفظ التراث البحري، والتي أنشأتها تحت مسمى «هيرات دلما للتراث البحري»، كون اسم «الهيرات» مفردة من المصطلحات التراثية الإماراتية، وتعني «مغاصات اللؤلؤ» وكان يستعملها البحارة الإماراتيون بحكم مزاولة مهنة الصيد، أما دلما فجاءت نسبةً إلى جزيرة دلما، التي تحمل عبق تراث الأجداد وكل حبة رمل فيها تتحدث عن آلاف الذكريات، وصوت أمواجها يحكي قصص الغواصين الذين مروا بأرضها وتزودوا بمائها فقد كانت قلباً نابضاً ومركزاً لانطلاق كل سفن الغوص بحثاً عن اللؤلؤ.
ما مجالات عمل المؤسسة؟
ننظم دورات تدريبية لطلبة المدارس لتعريفهم بأسماء الحرف التقليدية البحرية وطرق صناعة أدوات الصيد، كما نسرد لهم حكايات من الكفاح والصبر والقوة والشجاعة، لحياة عاشها البحارة قديماً، بالإضافة إلى المشاركة في المهرجانات التراثية بالدولة، لتحقيق أهدافنا في إحياء التراث وتوعية المجتمع بأهمية الحفاظ عليه، وكذلك تنظيم المعارض التراثية وصنع الحرف التراثية البحرية.