#مقالات رأي
لولوة المنصوري 6 ديسمبر 2020
في عمق الحدود الشمالية للإمارات، وفي مقدمة سلسلة رؤوس جبال الحجر المطلة على بحر الخليج، تحديداً على يمين شارع (الرمس) المنطقة المتصلة بـ (شعم ثم الجير)، حيث آخر نقطة في حدود الإمارات المتصلة بسلطنة عمان الشقيقة، ثمة صخرة عالقة في رئة بلدتنا التي لا تشبه غيرها، صخرة ضخمة انعزلت ونامت قريرة عند حافة البحر والحكايات.
صخرة بحجم سفينة خشبية، انفلقت عن الجبل منذ التكوينات الجيولوجية الأولى قبل آلاف السنين للصفيحة العربية. فمنذ استيقظت البشرية على هذه البقعة من الأرض والصخرة في مستقرها عند حضن الجبل، تأكل نفسها وتصغر، وتكبر الحكايات من حولها، وتذوب المسامير في جوف جسدها الأجرد.
(ثمة وقوف منذ آلاف السنين) يقول أحد أبناء الصخرة الشاعر عبد الله السبب.
(قارة الدم) أو (قورة الدم) ويصرّ الأهالي على التسمية الثانية، اسم رمزي شعري ملحمي، كجرح قديم مثلوم محفور على حضن جبل، فتعملق بالثورة والثأر على مدى تكالب الحكايات واحتدام مدارج الأساطير.
لعل الاسم هو أضخم من حجم الصخرة الدائرية التي تصل إلى خمسة أمتار، بل إن اسم الصخرة هو مفتاحها، وموقد السؤال حول حقيقة الهوية الموشحة بالنضال والكرامة والذود عن الحمى. وكأنها منحوتة فنية عملاقة على ضفة معرض إلهي، نحتٌ خارق بيد الطبيعة، ومسح وانقشاع أيضاً بيد الطبيعة، فالصخرة معرضة لخوض معارك مع الريح والمطر والجرافات، تتفتق أجزاؤها وتتهشم حجارتها مع الزمن، لتظل شاخصة بالإشارات والذكريات والعبر. عدد من كبار السن حكوا أنهم في مراحل الطفولة وسنوات الشباب قد التقطوا المسامير المتساقطة من جسد الصخرة ومن تلك الفراغات والنتوءات المضمرة في أضلاعها.
إن جسد الصخرة امرأة، تعترم فيها نشوة الكلام تحت المطر، وتكشف حيزاً من أسرارها، فينزلق المجهول كلما تجعد الماضي وتناسلت ثرثرة الأمطار.
قارة الدم!.. اسم نسل ونسب وعرق وجذور وانتماء وارتواء، يومئ الاسم وينتفض مشيراً إلى ضرورة النبش في جسد الصخرة للعثور على رموز لتعويذة، أو حل توثيقي لحادثة عظيمة مؤلمة ومجهولة قد حدثت في التاريخ، قد تكون معركة حمراء قانية انسحقت فيها براءة الجبل واغتصب المكان من مستعمر غاشم مجهول، الصخرة تقف صاخبة شاخصة تستفز عبر التاريخ من يقرؤها بحدس القلب وأمل الشاعر وتأمل الملهم وخيال الباحث الآثاري، فالبحث عن الحقيقة يستدعي الخيال من كل أنحائه، وأقول دائماً إنه لولا الخيال لكانت الكائنات مجرد أثير في الزفير الكوني.
اقرأ أيضاً: د. شما محمد بن خالد آل نهيان تكتب: أريد أن أرى وجوهكم