نوال نصر 14 أكتوبر 2018
انسوا كل الأفكار المسبقة وقصص الحروب والمخدرات والعصابات القديمة وحكايات الاستعمار والقمع والثورة، وتعالوا نتعرف معاً إلى أعلى ثالث عاصمة في العالم، إلى «أثينا جنوب أميركا» المستريحة منذ أعوام على لائحة المناطق السياحية في العالم وإلى قمم ثقافية رائدة.. هيّا إلى عاصمة كولومبيا «بوغوتا» الجميلة.
ترتفع بوغوتا أكثر من 2640 كيلومتراً، وتضم جبالاً شاهقة وقمماً مُسنّنة مغطاة بالثلوج طوال أيام السنة ومناخاً آسراً رائعاً، وهي موطن أساطير الذهب والزمرد والأحجار الكريمة، النابضة بالموسيقى والحيوية والمكتبات والجامعات والمسارح ودُور السينما المذهلة والرسوم الجرافيتية على الطرقات والقريبة جداً؛ لعلوها من «نجوم السماء».
عاصمتان في العالم أعلى من بوغوتا هما «لاباز» عاصمة بوليفيا و«كيتو» عاصمة الإكوادور، أما هي فتحل ثالثة. باردة جداً هي هذه العاصمة الاستوائية ولا يوجد فيها مواسم وفصول، وصعبٌ جداً تخمين حال الطقس فيها بسبب انتشار ظاهرة «النينو» المناخية التي تؤدي إلى اضطراب الحياة الطبيعية، لكن يُقال إن أفضل وقت للزيارة هو بين ديسمبر ومارس، أما الأمطار فتهطل بقوة بين أبريل ويونيو.
غُرور بوغوتي
العاصمة الكولومبية مزدحمة بالبشر، يعيش فيها أكثر من سبعة ملايين نسمة، ويتم الانتقال إلى قممها العالية عبر «التلفريك» أو السكك الحديدية، و«الترام» البوغوتي كان أيام زمان من الخشب، تجرّه البغال، قبل أن يُصبح سكة حديدية. وبوغوتا عاصمة ثقافية بارزة في العالم، تنتشر المسارح في شوارعها والجامعات والمتاحف والمكتبات والمعارض، والبوغوتيون، أي السكان الأصليّين، يتباهون بانتمائهم ويُصنّفون أنفسهم مثقفين أكثر من سواهم، ثمّة غرور في هذا المجال.
باعة الزّمرد ينتشرون في تلك العاصمة المثقفة، و90% من الزمرد الأخضر الفاخر في العالم يُنتج هناك وسعره في مصدره أقل بكثير مما هو في سواه. اقصدوا وأنتم تسيحون في المدينة القديمة «لاكانديلاريا» وشاهدوا ألوانها الرائعة. اقصدوا بحيرة «غواتافيتا» وستسمعون هناك من يُخبركم عن أسطورة «إل دورادو» الشهيرة في الثقافة الكولومبية، التي تحكي عن حاكم قديم في إحدى قبائل أميركا الجنوبية كان يكسو نفسه بالذهب ويقوم بنفض الذهب عنه والاغتسال في البحيرة. كثيرون ذهبوا إلى هناك بحثاً عن الذهب، تسلّوا هناك بالبحث عن قطعة ذهب لن تجدوها على الأرجح.
بلاد الزمرد والقهوة
اذهبوا إلى «نهر الكريستال» ذي الألوان الخمسة، هو رائع. اذهبوا إلى «متحف ديل أورو» الذي يحتوي على أكثر من 55 ألف قطعة ذهبية ومعادن نفيسة وكنوز تمثل حضارة البلاد. اقصدوا «لاسابانا» المشهورة بزراعة البن وتحتضن مناجم زمرّد وزنك وفحم، اشربوا القهوة في مدينتها، وتذكروا أن من يذهب إلى هناك ويعود من دون أن يتذوق القهوة الكولومبية كأنه ما ذهب وما عاد. أفضل أنواع القهوة في العالم تجدونها هناك، حيث أكثر من 50 نوعاً، وأكثر من 24 ألف مزرعة بنّ، حاولوا أن تُصبحوا لساعة أو اثنتين جزءاً من هذا المشهد، ارتدوا الملابس التقليدية التي يرتديها المزارعون، وشاركوا في الزراعة والحصاد وتعلم الطريقة التقليدية الرائعة لصناعة القهوة.
600 نوع من الطيور
جميلة جداً هي بوغوتا في تقاليدها وناسها وتكوينها وتفاصيل كثيرة فيها. أكثروا وأنتم هناك من النظر إلى السماء، حيث يُحلق أكثر من 600 نوع من الطيور الفريدة. اقصدوا السينما، ثمّة دُور سينما مذهلة هناك. انسوا وأنتم هناك بابلو أسكوبار، الرجل الذي ارتبط اسمه عبر التاريخ بالاتجار بالمخدرات في كولومبيا، وتذكروا الروائي الشهير غابرييل غارسيا ماركيز، والفنانة شاكيرا، والممثلة الكوميدية وعارضة الأزياء الجميلة صوفيا فيرغارا، التي تصدرت قائمة الممثلات الأعلى أجراً عام 2017 في العالم.
ثمّة أفلام سينمائية كثيرة يُنصح بمشاهدتها قبل اتخاذ قرار سفركم إلى هناك؛ كونها تُعرّف المشاهد بالتنوع الثقافي الحقيقي في البلاد، شاهدوا: Embrace of the serpent, land and shade, the colors of mountain.
هناك عشرات الأفلام المشهورة التي صُورت على قمم بوغوتا، وفي تفاصيل كولومبيا وتروي الكثير.
ثمار فريدة
اقصدوا في بوغوتا أسواق الفاكهة المحلية، ستجدون أنواعاً من الفاكهة الغريبة الفريدة التي لم ولن تُصادفوا مثلها في أي ركن آخر في العالم؛ والسبب هو أن الأمازون الكولومبية تقع على بُعد ألف كيلومتر إلى الجنوب من بوغوتا، ويفسّر هذا وفرة الثمار الاستوائية فيها. على كل حال، لا تترددوا في سؤال السكان عن أي ثمرة تلفتكم، عن أصلها وفصلها، وهم سيكونون سُعداء جداً لشرح عناصرها الفريدة.
تذوّقوا الطعام البوغوتي، الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون ردّد عنه كثيراً: «هو أطيَب ما تناولت». الحساء موجود بوفرة وبأنواع كثيرة بسبب الطقس البارد هناك، تناولوا «أجياكو» وهو حساء لذيذ مليء بالكربوهيدرات والدهون والبروتينات وفيه أفوكادو. تناولوا «أروماتيكا» وهو شراب مكوّن من الأعشاب المغلية مع الفاكهة الطازجة وقصب السكر. تناولوا الشوكولاتة الساخنة على الطريقة الكولومبية مع الجبن، وتعلموا طريقة صناعته التقليدية في إبريق معدني مع بعض الحليب على نار خفيفة، والعرفُ هناك أن يُشرَب ساخناً مع قطعة من الجبن الطرية المغمورة بالشوكولاتة. تناولوا طبق «أمبانادس» الذي يحظى بشعبية في جميع أنحاء أميركا اللاتينية، وهو يكون محشوّاً بالأرز والبيض واللحم.
بوغوتا جميلة، مشاهير كثيرون قصدوها بعد أن انفتحت على العالم، بيل غيتس زارها مرّات عديدة مُردّداً في كل مرة: «سعيدٌ أنني هنا». بوغوتا تغيّرت، فباتت تتنفس الحياة بعدما كانت تتنفس الجريمة، وصدى الموسيقى فيها في كل مكان.
بوغوتا أمامكم وقد تكون خياراً آخر لسياحتكم المقبلة، لمَ لا؟
قطعة من أربعة أشياء
أربعة أشياء لا بدّ من العودة بقطعة أو أكثر منها: الشوكولاتة الداكنة الفاخرة اللذيذة، لا تنسوا أن تجلبوا معكم منها. البنّ الكولومبي هدية أيضاً فاخرة، وإذا قررتم أن تدفعوا أكثر اشتروا قطعة من الزمرد الكولومبي الرائع.
ثمة صناعات يدوية كولومبية جميلٌ أن تحتفظوا بقطع منها، مثل الأوعية الفخارية المصنوعة من الطين «تشامبا»، أو واحدة من المراجيح المصنوعة يدوياً من القطن أو الصوف، أو حقيبة صديقة للبيئة مصنوعة تقليدياً.