سعود السنعوسي 31 أكتوبر 2019
تستفزني كلمة النجاح في معظم الأحيان، هذا الإنسان ناجح أو هذا العمل!
النجاح على نحو ما أفهم هو استمرار الأثر وبقاؤه لأطول مدة يمكنه أن يحياها إن لم يدرك الخلود. يتأثر بالغير ويؤثر فيه. أغلب ما نحسبه اليوم نجاحاً لا يعدو كونه رواجاً بين شريحة كبيرة من الناس. في الكتابة مثلاً أنا لا أفهم كيف يوصف العمل ناجحاً لمجرد انتشاره على نحو واسع. الذي أعرفه أن النجاح أبعد ما يكون عن الرواج وحسب، فمن يطل اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي على سبيل المثال؛ سوف يجد في الوسومات الأكثر تداولاً أموراً رغم انتشارها بين الألوف أو الملايين فإنها تموت من تلقاء نفسها في اليوم التالي. وفي اليوم الذي يليه قلة من الناس من تتذكر الأمر.
في الكتب مثلاً، يستند البعض إلى معايير النجاح وينسبها لدلالات ليست من النجاح في شيء؛ قوائم الأكثر مبيعاً في المكتبات والصحف، عدد اللغات التي ترجم إليها العمل كما لو أنه ليس هناك من الكتاب من يدفع المال لقاء ترجمة أعماله، الترشيحات والجوائز، عدد القراءات عبر موقع الـGoodreads، حضور المؤلف المهرجانات والندوات الأدبية ومعارض الكتاب ولقائه طوابير القراء، كثرة كتابة «النقاد»، على قلتهم، وتناولهم أعماله. لا شيء من تلك القائمة يدل على النجاح بقدر الرواج، فالنجاح، كما أفهمه، له معيار واحدٌ لا غير.. الزمن.
أن يكون العمل ناجحاً يعني بالضرورة بقاءه واستمرار أثره، أن يكون عملاً كبيراً لا يمنح فرصة لأن يكبر عليه المتلقي، بعكس ما يحدث في حال الرواج، يُبهَر القارئ بعملٍ ما، ثم سرعان ما يكبر ويتجاوزه ذائقة ومعرفة. ليس ضرورياً أن يعيش الكاتب هذا النجاح الحقيقي، فغالباً إذا ما كان العمل حقيقياً في إطار مشروع واضح سوف يستمر في نجاحه بعد رحيل كاتبه.
على الكاتب أن يخلص لعمله وحسب، أن يؤمن بأنه يكتب مشروعاً يشغله ويريد من خلاله أن يقول شيئاً لقارئ اليوم، وقارئ الغد، ألا يكف عن إثارة الأسئلة واستفزاز المتلقي ودفعه إلى التفكير.
كافكا لم يعش نجاح أعماله قط، ولا إيميلي ديكنسون؛ لأن نشر أعمالهما في الغالب جاء بعد رحيلهما. ولا هيرمان ملفل الذي مات مهملاً شبه مجهول ولم يتعرف القارئ إلى رائعته «موبي ديك» إلا بعد وفاته، ومن ثم احتلالها ركناً ثابتاً في كلاسيكيات الأدب الأميركي.
فكرة النجاح المرعبة تدهمني كلما حظي لي عملٌ جديدٌ برواج بين شريحة القراء، أقول في نفسي: راج العمل، عساه في الغد ينجح.
فلا قارئ ولا ناقد ولا جائزة ولا ترجمة تمنح صك الاعتراف بنجاح العمل، وحده الزمن مثل المنخل تتسرب منه هالات الرواج، ليبقى العمل حياً مع قارئ حقيقي، أو ميتاً من دونه.