مليكة أحمد 15 يوليو 2019
لا تزال فرنسا تدهشنا بسحر مدنها العتيقة، التي لن نستطيع عدّها مهما فعلنا، فيها مدن تخبئ خلفها قصصاً كثيرة، بوقائع تاريخية ملهمة، وأحداث متتالية جعلتها تنزوي وتتكئ على ماضيها البعيد من دون أن تشعرك بوجودها! ومدينة «نانسي» من بين هذه المدن العتيقة التي تعيش ماضيها بحذافيره يومياً، وتشاركه أولئك العابرين والمارين بها صدفة!
أصل التسمية
تختلف الآراء كثيراً حول أصل تسمية المدينة، فقد ذكر في كتب تاريخ مدن فرنسا، أن اسمها يعود إلى إحدى المدن الإغريقية في عهد الرومان، كانت تدعى «ناسيوم ليونز»، إلا أن بعض المؤرخين يرجعونها إلى «نانسيليوس أو نانتيروس» أحد أبطال القرن الـ19، أما آخرون فيستبعدون ذلك بحجة أن «جيرارد ألزاس» أول دوق في لورين كان أول من أطلق عليها اسم «نانسي» في القرن الـ11، وذلك نسبة إلى ابنه «هيرمان» الذي كان يحمل اسماً آخر هو «دروجو نانسي»، حيث بنى أول قلعة إقطاعية في لورين وأطلق عليها الاسم نفسه، لينتقل إلى القرية بعد ذلك.
تقع مدينة نانسي شرق فرنسا، على طول الطريق المؤدي إلى مقاطعة لورين، يقطنها حوالي 450 ألف نسمة من السكان، وهي أكبر مدينة مأهولة في لورين بعد مدينة «ميتز»، رغم ما تحمله من أهمية تاريخية عظيمة إلا أننا نجدها تائهة بين مدن فرنسا، بالرغم من أن المسافة بينها وبين العاصمة الفرنسية باريس لا تتجاوز 281 كيلومتراً.
يرتبط الحديث عن مدينة «نانسي»، بالحديث عن الفن، وتحديداً فن الحداثة، فهي من أوائل المدن التي تملك زخماً كبيراً من الثقافة الدوقية الملكية، التي خلفت وراءها العديد من الأعمال الفنية، تتجسد في كلّ زاوية من شوارعها وساحاتها، ولعلّ ساحة «ستانيسلاس» من أبرز المعالم التاريخية والسياحية التي تستوقف زوار المدينة القديمة، حيث تعدّ إحدى الساحات الأجمل والأكبر في المدن الفرنسية العتيقة وأوروبا قاطبة، تمّ إدراجها في أوائل التسعينات على لائحة اليونيسكو للتراث العالمي، يعود تاريخ تشييدها إلى أوائل القرن الـ18، وتشكل نموذجاً رائعاً للذوق الرفيع للتصميم والهندسة المعمارية الفرنسية.
نكهة فرنسية
يحيط بساحة «ستان»، عدد كبير من المطاعم والمقاهي التي ستسحبكم للجلوس مطولاً على مقاعدها، متلذذين بالنكهة الفرنسية الأرستقراطية للأكل الشهي، وبمذاق حلويات الماكرون باللوز الساحر، متأملين في الوقت ذاته روعة المكان، ومستمتعين بالموسيقى بما فيها معزوفات موسيقية متنوعة للمغنية إديث بياف «أيقونة باريس».
سحر الطبيعة
تربط ساحة «ستان» التي ما زالت تعتبر حتى اليوم القلب النابض للمدينة، بين شوارع مختلفة تربطها بساحات أخرى مثل ساحة «لاكاريير»، وحديقة «بيبينيير» أو حديقة «لابيب» كما يدعونها هناك اختصاراً لاسمها، وما أجمل التجول فيها، يطلق عليها سكان «نانسي»، رئة المدينة الخضراء، وتقع في منطقة تسمى «سانت كاثرين»، يعود تاريخ وجودها إلى عام 1758.
«فيلا ماجوريل»
من الأماكن التي تستحق الزيارة في نانسي، «فيلا ماجوريل»، التي ستأسرك بتصميمها الهندسي وبنائها القديم الذي يأخذك إلى العصور الوسطى، بناء حجري ضخم مرتفع، يضمّ دهاليز تخفي وراءها العديد من القصص والروايات التاريخية، لدوقة لورين الجميلة «كورين»، أجمل ما سيلفت انتباهكم فخامة الأثاث الفرنسي الأنتيك المشغول من خشب الصندل الذي مازال يحافظ على شكله، كراسي ملكية وطاولات وخزانات ستحيركم طريقة نحتها وصنعها. وغير بعيد عنها يتربع متحف مدرسة «نانسي»، الذي يضم بدوره مجموعة كبيرة من القطع الأثرية التي يعود تاريخها إلى القرن الـ18، ولم يفتح المتحف أبوابه سوى عام 1964، حيث كان في الماضي بيتاً لأحد رواد الفن الحديث في لورين وفرنسا قاطبة «أوجين دولاكروا» غادره وأهداه إلى متحف يهتمّ بحركة فن الحداثة في بداية القرن الـ20، وترك خلفه مجموعة كبيرة من أعماله الفنية هي اليوم معروضة بين زواياه، استغرقت عملية ترميمه مدة طويلة، لما لحق به من أضرار جراء قدم وتآكل جدرانه.
شارع الفنّ
بالنسبة إلى الشغوفين بمعرفة تاريخ المدينة العريض، ليس عليهم سوى انتظار طابور طويل أمام متحف قصر لورين التاريخي، مقرّ الدوق «ستانيسلاس»، تم بناؤه في القرن الـ15، وهو من القصور التي سكنتها السلالة الحاكمة لفترات طويلة من الزمن، يعرض جزء منه أعمالاً فنية تروي تاريخ المدينة العريض، ومراحل التحول فيها منذ عام 1848، والجزء الآخر يعرض منحوتات وقطعاً أثرية قديمة تعود إلى ملكية الدوق الخاصة، من أثاث ومكتب وكراسي كان يستخدمها، ويمنع منعاً باتاً اللمس أو التقاط الصور الفوتوجرافية داخل القصر، لخصوصية المكان.
مهرجان الأضواء
تقام في نانسي فعاليات كثيرة طوال السنة، أبرزها «مهرجان الأضواء»، حيث تحتفي المدينة وساحاتها وأسواقها الواقعة بشارع «سان ديزييه» ليلاً بتسليط كمية من الأضواء المتعددة الألوان بتقنية الليزر، احتفاء بتاريخ المدينة الجميل، ستستمتعون كثيراً بجمال العرض الذي يستقطب سنوياً أكثر من 70 ألف زائر لمشاهدته.