#ثقافة وفنون
يحيى مفرح 1 يونيو 2019
الدراما الاجتماعية هي الصورة الذهنية التي تعلق بالذاكرة على مر الأزمان، وهي الوسيلة المعبرة المثلى للتعرف إلى طريقة وأسلوب تفكير أي شعب في الحياة، لذلك فإن مسلسل «العاصوف» بقيادة نجمه الفنان ناصر القصبي، يعتبر نقلة فنية محمودة في الدراما السعودية. واستبشر الشارع السعودي بولادة مسلسل درامي يرسم صورة معبرة عن أسلوب السعوديين في الحياة وطريقة ونمط تفكيرهم، لا سيما أن من تصدى للمهمة فنان تنويري مؤمن برسالة الفن في ترقية الحياة والنهوض بالمجتمع.
ويدرك الكثيرون أن إنتاج مسلسل درامي اجتماعي يلزم أن يمر بكثير من القضايا التي نشأت في كنف المجتمع أياً كان، ويجب تسليط الضوء عليها، وتوضيح كثير مما يكتنفها من غموض. والمجتمع السعودي شأنه في الحياة كأي مجتمع مرت به العديد من التحولات. من هنا فإن كثيراً من المراقبين والمنتجين والنقاد وصناع الدراما تلقفوا خبر إنتاج مسلسل «العاصوف» الذي سيؤرخ للحياة الاجتماعية السعودية بأهمية بالغة، ووسط صمت مطبق وسرية تامة وتكتم شديد بدأ تصوير المسلسل الذي تم الاتفاق على إنتاج خمسة أجزاء منه، وانتهى الجزء الأول وتم الإعلان عن عرضه قبل موسمين في رمضان، وفجأة تم الاعتذار عن عرضه، لظروف أو مبررات يعلمها أصحاب الشأن (القناة والمنتج)، وعُرض الجزء الأول رمضان الماضي، وحقق مشاهدة عالية، ولفت نظر كثير من العاملين في قطاع الدراما، رغم وقوع المسلسل في بعض الأخطاء إلا أن مستوى الإنتاج الذي برز بقوة يبين طموح فريق العمل وحرصه على تقديم منتج درامي يتحول إلى مشروع وطني للنهوض بالدراما السعودية.
وبالفعل مضت حلقات المسلسل في جزئه الأول مثيرة ومشوقة، ونجح في وقت قصير في أن يصبح جزءاً من المائدة الرمضانية. لماذا؟ لأن الدراما الاجتماعية هي الأقرب للواقع، وهي الراصد لمقدرات أي مجتمع. وفي «العاصوف» أتيحت الفرص لعدد كبير من ممثلي الدراما السعوديين، وتم غض البصر عن آخرين كان وجودهم، في رأيي، ضرورياً جداً أمثال راشد الشمراني، وعلي المدفع، وخالد سامي، وبشير الغنيم، وعلي إبراهيم، وسعد خضر، ويوسف الجراح، ومشعل المطيري، وأسعد الزهراني، ولا أعرف ما مبررات عدم اختيارهم للمشاركة في مسلسل بهذا الحجم.
و«العاصوف» في جزئه الأول أزاح الستار كثيراً عن تفاصيل تعتبر من مكونات المجتمع السعودي، وإن شاب هذه التفاصيل شيء من عدم الدقة، والمبالغة بعض الشيء، والقفز التاريخي على مواطن بعض الأحداث الهامة المرتبطة بطبيعة هذا المجتمع، فبالإمكان تلافيها ومعالجتها في الأجزاء المقبلة. بيد أن وجود مخرج غير سعودي قد ألقى بظلاله على عدم بلوغ الحبكة الفنية ذروتها في «العاصوف»، مع بالغ الاحترام لمخرج العمل المثنى صبح، فالعرف الدرامي يقول إن المخرج هو من يزف هذه الحفلة الدرامية بكل ما فيها إلى المشاهد، بعد أن يضع لمساته عليها وفق ما يخدم العمل فنياً ومهنياً وهو ما لم يتحقق لـ«العاصوف».
في الجزء الثاني الذي يعرض حالياً والذي اتضح لي أنه قد تم تصويره مبكراً، اختلف الحس الدرامي عن سابقه فالحوارات داخل المشاهد عانت الركاكة وضعف السياق اللغوي وبدا رتم المسلسل بطيئاً إلى حد ما، ولا يفوتني أن أشير إلى أن ما تقدم من أحداث تسجل لـ«العاصوف» الذي تطرق إليها لأول مرة في الدراما السعودية.