د. عبد الله الغذامي 25 أكتوبر 2018
أثناء دراسة ابنتي أبرار في معهد جامعة لندن (SOAS)، طُلب من مجموعتها الدراسية أن تقدّم كل طالبة ورقة بحثية في أمر عام تطرحه للمناقشة، واختارت أبرار أن تطرح قضية فلسطين، عبر الحديث عن أطفال فلسطين المعتقلين في سجون الاحتلال، واستعانت بقصاصات من الصحف الإنجليزية، رصدتها على مدى سنوات ونسقتها في عرض على البروجكتر، وطرحت كل قصص النضال عبر أجساد الأطفال وعيونهم، وصور لحظات الاعتقال، والمحيط العام لمشهد الاعتقالات، في منظر الأمهات والأخوات وهن يتشبثن بأطفالهن ويتعرضن للضرب واللطم، مع التلفظ البذيء من جنود المحتل، ويحيط بالمشهد منظر الشوارع والبيوت وخاصة المناطق المهدمة ومنظر الجدار العازل الذي يحاصر حركة البشر ويسجنهم داخل أطر محاصرة بالجدار من جهة والجنود المدججين بالسلاح والوجوه المتربصة مع شرر يتطاير من العيون.
كل هذا والأطفال يجري جرّهم، ومن فوقهم الخوذات وأفواه البنادق، وتم هذا عبر وثائق بريطانية منشورة في صحف لندن نفسها. وكانت أبرار تعرض الوقائع ملتزمة بالعلمية والوثائقية في عرضها، وتروي لي كم كانت عيون الطالبات تحديداً تتحرك عبر المشهد وهن في هلع مما يرين، وكأنهن يشعرن بمشاعر الأم التي يطير ولدها من بين يديها بسطوة جندي مسلح برشاش وبعيون يتطاير منها الشرر، ولكن أشد ما نقلته أبرار هو منظر طالبة يابانية كانت الدموع تنهمر من عينيها، وتنفجر بالتعليق: لماذا؟ لماذا؟.
واستمرت تتشكى من الإعلام العالمي في كل بقاع العالم، كيف به يضخ صورة العربي بوصفه إرهابياً، والثقافة العربية بوصفها متوحشة؟ لدرجة صار كل ما هو عربي فهو شرير، في حين تخفي صور الفلسطيني المضطهد، وتخفي قضايا إنسانية وحقوقية للعرب، وتتساءل كيف كل هذه المادة المعروضة كانت منشورة وموثقة في الصحف البريطانية ومع هذا تختفي وسط الصور السالبة الأخرى التي تغطي على حقيقة الأوضاع؟ واستمر دمعها ينهمر حتى خرجت مع ابنتي بعد الندوة ورافقتها للمقهى لتواصل معها الحديث عن أطفال فلسطين، وعن ثقافة العرب.
وكان أستاذ المادة قد علق بثناء على العرض، وتكلم ببرودة موضوعية أكاديمية مثنياً على عمل أبرار، ومتجنباً الخوض في سؤال فلسطين، ولكنه أشار إلى أنه يتعاطف مع الأمهات ويحترم الثقافة العربية بعامة. ومثله باقي الطالبات، بينما كان الطلبة أقل اهتماماً وأقل تجاوباً، سوى بعض أسئلة أكاديمية عن التواريخ وأسماء الأمكنة. كانت أبرار تروي لي وقائع تلك الندوة، وكنت أشعر بأن قضية الشباب العربي في أوروبا تحتاج إلى الجهود البسيطة، مثل هذا الجهد الذي يقدّم قضايانا بموضوعية وعلمية مستندة على وثائق لا يستطيع أحد اتهامها بالانحياز، والنتائج حينها ستكون حلحلة للصور السالبة التي تصنّعت على مدى عقود، وشوهت صورة الثقافة العربية وقضايا العرب.