لاما عزت 2 يوليو 2018
هل سمعتم بالقنبلة النووية وبالسلاح والوقود النوويين؟ لكن ماذا لو قيل لكم إن الثورة الطبّية الجديدة تنطلق من الطب النووي؟ فقد بدأ الكلام منذ أعوام قليلة عن الطب النووي. وصَدَح الصوت كما القنبلة الدخانية. وسَرَت أسئلة: متى يكون الطب النووي مُحبّذاً؟ وفي أيّ حالات؟ وهل هذا النوع من الطب تشخيصي أم علاجي؟ لم يكن خبر افتتاح مركز التصوير النووي الجديد في مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي في بيروت عادياً، بل شرع الباب، كما الأمل، واسعاً على ثورة صحية جديدة. هذا في ظل نوايا مُعلنة في لبنان ودولة الإمارات العربية المتحدة والأردن والمملكة العربية السعودية والكويت وفي سواها من الدول، بتكثيف إعداد وبرمجة الخطط العلاجية الشاملة باستخدام الطب النووي. فماذا يعني وجود مراكز نووية في أهم الصروح الطبية في عالمنا العربي؟ تقنيّة رئيس دائرة التصوير الطبي في مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي في بيروت رجا قشوع، تحدث عن ضم المركز الجديد تقنية التصوير النووي، التي تستخدم المواد المشعة لتصوير الجسم بكامله، بما فيه الأعضاء السليمة والمريضة على السواء. ويستخدم في هذه التقنية جهاز التصوير البوزيتروني المحوري الطبقي، ويُعرف بالأجنبية باسم PET-CT، وهناك جهاز حديث آخر يتضمن التصوير بكاميرات جاما SPECT- CT، وهو يتضمن مجموعة كاملة من الإجراءات التشخيصية بينها: تصوير ضخّ الدم في عضلة القلب، وتصوير مختلف أمراض الجهاز الهضمي ومجاري الكبد والغدة الدرقية، ومختلف أمراض العظام. مثل الأورام الحميدة والخبيثة، التهاب النقي العظمي، الأطراف الاصطناعية، تصوير الأمراض الدماغية وداء الصرع. تصوير طبي فيما مضى كان الإنسان يقول: سأخضع لصورة إشعاعية. اختلف التعبير الطبي اليوم وباتت العبارة الأكثر صوابيّة: سيخضع المرء لتصوير طبيّ. هذا التفسير أعطاه الدكتور قشوع، وهو يشرح أبعاد التصوير الطبي وصولاً إلى النووي، ويقول: «كان يجري التشخيص في ثمانينات القرن الماضي عبر الموجات الصوتية ثم الجهاز المغناطيسي MRI، ثم تعرفنا إلى التصوير المحوري والطبقي، ثم إلى الأشعة التفاعلية التي بدأت تأخذ مكان بعض أنواع العمليات الجراحية. وكان الهدف دائماً تخفيف الذبذبات عن المريض وجعل التصوير الطبي آمناً». وهذا ما تمّ، حيث نجحت التكنولوجيا الجديدة في تخفيف الأشعة المنبعثة من الأجهزة كثيراً، وزادت من قدرتها على التشخيص الدقيق، فأصبح ممكناً رؤية شرايين القلب الرفيعة جداً، وعضلات القلب، وحجم تدفق الدم، والغدة الدرقية، والاضطرابات الأيضيّة، وعمل الكلى والعظام والأورام السرطانية والتدخل العلاجي في آنٍ واحد. ويشرح قشوع: «نعمد أحياناً عبر المواد المشعة المستخدمة إلى تدمير الخلايا المريضة، عبر العلاج الموجّه، بدل اللجوء إلى العمل الجراحي، لاسيّما في حالتي سرطان الغدة والبروستاتا، وفي حالات فرط إفرازات الغدة الدرقية». بقعة علاجية آمنة الطب النووي إذاً هو الذي بات يساعد الطبيب، حين تفشل الفحوص الأخرى عن التشخيص الصحيح الدقيق، خصوصاً أننا دخلنا عصر التشخيص الذي يُحدد كل حالة مرضيّة على حدَة، بحسب جسم الإنسان لا بحسب المرض وحده. وهذا ما يجعل الطب اليوم يعلن بالفم الملآن عبوره عبر الطب النووي إلى بقعة تشخيصية وعلاجية أكثر أماناً. وتستخدم في الطب النووي التشخيصي أو العلاجي مادة مُشعّة آمنة، يستنشقها المريض أو يتناولها أو يُحقن بها، وهي لا تلبث أن تختفي تدريجياً من جسم الإنسان من دون أن تترك فيه أي آثار جانبية. وتستخدم مع المادة المشعة مادة أخرى كيميائية، تُسهم في وصول المادة المشعّة إلى العضو، من دون أن تؤثر بدربها في الخلايا السليمة، وهي آمنة أيضاً، ويتم التخلص منها عبر تكثيف شرب الماء والتبول. لذا لا داعي أبداً للخوف في حال قرر الطبيب تحويلكم إلى الطب النووي، فهذا الطب قادر على أن يكشف حالاتكم بدقة عالية، مع تحديد نسبة الخلل في وظائف الجسم المصابة. سلبيات لكلّ شيء في هذه الدنيا حسنات وإيجابيات. وإذا كانت حسنات الطب النووي كثيرة فماذا عن سلبياته؟ صحيح أن كمية الأشعة في فحوص الطب النووي قليلة جداً، لكن هذا لا ينفي وجود بعض المخاطر بسبب التعرض لها، لكنها تبقى قليلة جداً حين نقارنها بالإشعاعات التي تبثها الصور الإشعاعية الأخرى، ناهيكم عن أن المادة الصيدلانية المشعّة قليلة جداً، مقارنة بالصبغة المستخدمة في الأشعة المقطعيّة والرنين المغناطيسي. على كل حال، تُنصح النساء الحوامل بعدم الخضوع لكل أنواع الفحوص التي تبث الإشعاعات مهما كان نوعها، كما تنصح النساء المرضعات بالتوقف عن هذا لمدة 48 ساعة على الأقل. ألَا يُقال: في الوقاية، كما في التأنّي، سلامة؟