لاما عزت 30 مايو 2018
لا تدري امرأة وهي تُزفّ إلى إمبراطور إلى أين ماضٍ بها القدر، فهي لم تعقد قرانها على رجل.. بل على التاريخ، والتاريخ لا يؤتمن. دوماً استوقفتني نهايات ملكات وإمبراطورات أوروبا، في أقدارهن الإنسانيّة الهشّة. جوزفين الغيورة والخائنة، التي صنعت سعادة نابليون ومن ثمّ مأساته، لأنها أحبت مجده لا شخصه. ما توقّعت أن يتخلّى عنها ويشفى من ولعه بها، فتنتهي مدمّرة مرتين بحلول الثورة.. وذهاب الحب والثروة. «سيسي» الإمبراطورة الصبية الجميلة والبريئة، ذات الشعر الطويل الذي يبلغ قدميها، والعمر القصير الذي توقّف عند اغتيالها في جنيف، حيث ينتصب تمثال لها مقابل نافورة البحيرة، يشهد على خطاها الأخيرة. ما ظنت أن رحيلها سيصنع أسطورتها. لكن التاريخ الذي مجّد «سيسي» وبراءتها الأولى، وتغزّل في أكثر من فيلم سينمائي بتلك الصبيّة التي عبرت الحياة كفراشة الحقول، غير معنيّة بأبّهة القصور، ولا بالبروتوكول، تعامل مع ماري أنطوانيت بالضغينة نفسها التي حملها لها الفرنسيون، يوم شاء لها القدر أن تغادر فيينا وهي في الخامسة عشرة من العمر، لـتُزفّ إلى لويز السادس عشر ملك فرنسا، الذي كان يعاني عجزاً جنسيّاً. سبع سنوات وهي تنتظر في سرير جلالته، قبل أن تهبَ فرنسا أخيراً ولي عهد. فكيف لا تُغذِّي بمأساتها الأقاويل والروايات. حتى أنها أُجبرت على وضع مولودها بشهادة نساء ورجال القصر، في غرفتها التي غصت بالشهود حتى كادت تختنق! ربما كانت أكثر النهايات ظلماً، نهاية ماري أنطوانيت، فقد اغتالها الفرنسيون بالشائعات قبل أن يقطعوا رأسها. فمعها وُلدت ظاهرة الشائعات المكتوبة، وقبل زمن الإنترنيت، كانت رسائلها إلى عشيقها الوكونت دوفرسان تتناقل بين الناس في منشورات شعبيّة. حتى الرواية الشهيرة التي نُقلت عنها، حين نصحت الفقراء أن يتناولوا البيسكويت إن لم يجدوا خبزاً، تُكذّبها رواية أخرى، تجزم أن قولها قد تمّ تحريفه قصد المطالبة برأسها وليمة للجياع، وأنّها في الواقع ، قالت لخادمتها «ليأكلوا قحاطة الطنجرة» فقد كانت هي نفسها تحبّ الطعام المحروق الذي يبقى في قعور الطناجر. الأكثر ألماً، يُتمَ حذائها الذي عثروا على فردة منه وقعت منها وهي تصعد إلى المقصلة، فبيع دون حياء في المزاد العلنيّ. لكن لا أحد احتفظ بالثوب الذي شنقت فيه. وكانت يومها قد ارتدت ثوباً أسود، لكن إمعاناً في إذلالها طلبوا منها أن تغيّره، ربما ليسعدوا برؤية دمها عليه. فارتدت ثوباً أبيض. لا أظنها كانت تدري أنها مذ زواجها الملكيّ كانت منذورةً للّونين. فقبل ذهابها إلى المقصلة فقط تذكّرت تلك الوصيّة التي كتبتها لها أمّها على ورقة وهي في الخامسة عشرة من العمر، يوم مغادرتها النمسا لتلتحق بلويس السادس عشر «إنني أأمرك يا ابنتي الحبيبة بأن تُخصّصي يومين كلّ سنة، تستعدّي فيهما للموت.. كما لو أنك واثقة تماماً أنهما آخر يومين في حياتك». قالت مُتحسّرة لخادمتها وهي تغادر القصر حليقة الرأس «نسيت وصية أمي.. كنت أعتقد لصغر سنّي أنني لن أموت يوماً». كم من الأسماء مازال التاريخ يضحك لذكرها، فلقد اقتنع أصحابها أنهم لن يموتوا يوماً، ولم يدركوا بأن لا أمان لدنيا أنت مقبل عليها وهي مدبرة. لذا، وحده المؤمن يعيش بنفس مطمئنة، يعمل لدنياه كأنه يعيش أبدا، ويعمل لآخرته كأنه يموت غدا، فلا الحياة تغرّه ولا الموت يفاجئه، وفي هذا تكمن بعض أسرار الطمأنينة.