نوال العلي 9 سبتمبر 2012
أن يتخذ أحدناً قراراً بأن يعطي جهدا ووقتاً وأملا للغرباء ومن دون أي مقابل، ومن دون أن يطلب منك أحد أو يفرض عليك الأمر، فهذا مايسمونه ببساطة العمل التطوعي، ولكنه يحمل في طياته معنى إنسانيا واسعاً ورؤية عميقة لمهمتك كإنسان على الأرض ومسؤوليتك نحو آخرين لا يربطك بهم الدم أو الوطن، بل معنى أكبر وأشمل، تربطك بهم الإنسانية. هذا مافعلته وتفعله شروق البنا الصبية الإمارتية ابنة دبي، التي عملت متطوعة مع "مؤسسة نور دبي" وسافرت معهم في حملاتهم الطبية التي أعادت البصر للكثيرين في بلدان مختلفة فقيرة من العالم. درست شروق علم الوراثة "الجينات" في لندن وأكملت دراساتها العليا في التسويق الاسترتيجي، تقول إن اهتماماتها هي نفسها منذ الصغر، فمازالت تهوى القراءة والسفر و"اكتشاف البلدان الجديدة وخاصة تذوق الأكلات العالمية"، تصف نفسها بأنها "مخلصة، متواضعة ، مسؤولة ومستقلة وتراعي مشاعر الآخرين كثيرا". وتعشق عملها كأخصائية التسويق في مؤسسة نور دبي الخيرية. "أنا زهرة" التقت شروق وكان هذا الحوار معها: تعملين كمتطوعة مع مؤسسة نور دبي، حدثينا عن المؤسسة وقصتك معها ولماذا اخترتها بالذات؟ فكرة التطوع ليست بجديدة علي فقد رباني والداي على العطاء اللامحدود ومساعدة الأخرين ورد الجميل للمجتمع. تحمست لفكرة التطوع أثناء الشهر الفضيل في عام 2008عندما أعلنت هيئة الصحة عن حاجتها لمتطوعين لمبادرة نور دبي لمكافحة العمى عالميا. كنت حينذاك أعمل في مختبر الجينات (قسم الوراثة الخلوية) وتضمن عملي البحث عن الأمراض الوراثية تحت المايكروسكوب. أعجبت بالأهداف النبيلة للمبادرة الخيرية وكلما رأيت النتائج ونظرات السعادة في وجوه المحتاجين تعلقت بنور دبي أكثر فأكثر ومع الوقت اتخذت قراري بالانضمام لمؤسسة نور دبي. كانت فرصة واغتنمتها عن قناعة بأنه الخيار الصواب. ومن أهم اللحظات المؤثرة اللي أدت لإتخاذ قراري هي عندما قمت بالإتصال بمريض في السودان لأخبره بالموافقة على علاجه ثم فاجأتني ردة فعله حيث قام فورا بالصراخ والتكبير ثم بكى وحمد الله كثيرا. حينها فقط أدركت حجم معاناة الناس وبساطة حاجاتهم وأحسست بالرضا والراحة النفسية كوني قدمت الشيء البسيط في سبيل مساعدة الأخرين. كيف تقومين بالعمل التطوعي وماذا تفعلين بالضبط؟ ماهي مهامك وواجباتك؟ انتقلت من العمل في مختبر إلى العمل كإدارية مع نور دبي وتنوعت مهامي من تنسيق بين المرضى والمستشفيات ووزارات الصحة في دول مختلفة واتصال وتحضير جداول المرضى في بادئ الأمرإلى السفر لدول مختلفة في أفريقيا وأسيا وبالتحديد القرى النائية الفقيرة للمساعدة في إدارة المخيمات العلاجية المتنقلة. حاليا أنظم وأدير عدة مشاريع ومنها المعرض والمزاد الفني الخيري Art4sight, المزاد الفني الخيري السنوي حيث نستخدم ريع الفن في علاج ووقاية العمى عالميا. مالذي دفعك للعمل التطوعي وماذا يضيف لك؟ وما تأثيره على حياتك وشخصيتك؟ دوافعي للتطوع داخلية وإنسانية وقد كانت لي رغبة عميقة في فعل الخير ومساعدة الآخرين، وعندما بدأنا بالسفر إلى البلدان المختلفة كان هناك بعض التخوف لأني كنت أعلم جيدا أنني أعرض نفسي للمخاطر في كل رحلة أقوم بها. ولكن هذه التخوفات زالت فقد كانت كلها تهون من أجل المبدأ وهو مكافحة العمى عالميا، وتقديم الخدمات التي من شأنها إعادة البصرللفقراء المحتاجين . وكان التعب والإرهاق يتحولان إلى سعادة لا توصف عند إعادة البصر لشخص عاش في الظلام طيلة عمره. ظننت أنني شابة قوية في صحة ممتازة وقادرة جسديا على تحمل هذه الرحلات ولكنها كشفت مدى ضعفي. عملي كان له تأثير كبير على حياتي وشخصيتي. ومن أهم المتغيرات أنه زادت قناعتي بكل ما أنعمه علي رب العالمين وقمت أيضا أحمد ربي في السراء والضراء فمن يرى مصائب الاخرين تهون عليه مصيبته. مثل هذه الأعمال تزيد من تواضع الإنسان وتقربه للناس الأخرين كما تزيد من الإحساس بالواجب الوطني والاجتماعي وتحث على نشر مبادئ الخير والإنسانية. تكلفة عملية المياه اليضاء في دولة أفريقية هي 8 دولارات فقط والآن كلما أدفع 20 درهم ثمن وجبة سريعة أحزن كثيرا حينما اتذكر من لا يملك هذا المبلغ البخس لإنقاذ بصره. كيف يتعامل المجتمع الكبير وعائلتك الصغيرة مع عملك التطوعي؟ هل تلقين اللوم؟ هل يعتبرك أحد تضيعين وقتك مثلا؟ لا أجد غير التشجيع المستمر من عائلتي ومجتمعي الإماراتي الذي يفخر بما نقوم به من أجل الإنسانية ولا ألقى من الجميع غير الدعوات بالتوفيق في مهامنا الإنسانية. ماهي أغرب الحكايات اللتي واجهتك خلال عملك كمتطوعة؟ بسبب إختلاف العادات والتقاليد كانت تمر بنا مواقف مضحكة قد يراها البعض إما غريبة أو مخيفة. على سبيل المثال، لاحظت في بعض الدول الأفريقية أن أطفالهم يخافون بشدة مني وكان بعضهم يهرب مني ويصرخ (أووفوو) وفي نهاية رحلتنا إلى توغو فهمت أن كلمة (أووفوو) معناها المرأة البيضاء. ربما كانوا يخافون من العباءة السوداء لأنهم لا يلبسون إلا الثياب الملونة. ومن اللحظات الجميلة والمضحكة كانت في بنغلاديش حيث كان السكان المحليون يجتمعون حولي كلما أخرجت الكاميرا لإلتقاط الصور التذكارية ظنا منهم أنني مخرجة سينمائية وكانوا يطلبون مني أن أظهرهم في صوري. ماهي صعوبات العمل التطوعي؟ نواجه في العمل التطوعي الصعوبات مثل أية مؤسسة أو منظمة والتي سرعان ما نتجاوزها مثل الصعوبات اللوجستية وبالأخص أن مؤسسة نور دبي تعمل في جميع أنحاء العالم بالأخص الدول الفقيرة والمناطق النائية التي قد لا تتوفر فيها حتى الكهرباء والصحة الأولية. ولكن مثل هذه الصعوبات يمكن تجاوزها بالدقة في التنظيم والتحضير لها. أما على الصعيد الشخصي فمن اصعب اللحظات عندما أدركت مدى فقر بعض المرضى الذين لا يستطيعون دفع 8 دولارات فقط لإنقاذ أبصارهم من العمى لان الدخل الشهري للفرد في بعض هذه الدول لا يزيد عن 3 دولارات. في لحظات كهذه ،المقارنات البسيطة تجعلنا نحمد الله كثيرا على النعم وعلى دولة الإمارات وعلى حكامنا الكرماء، فنحن محظوظين ويجب أن نقدر النعم جميعها وبالأخص الأمن والأمان الذين يعمّان دولتنا. لنتحدث عن الأفلام التوثيقية التي تنشرها "نور دبي" في سلسلة هل شاركت فيها؟ وكيف؟ وماذا تفيد برأيك؟ برنامج "لمحات من نور" هو جزء من حملة رمضان حيث قمنا في صيف 2012 بزيارة عدة دول مثل توغو و بنغلاديش وسريلانكا وأثيوبيا وقمنا بتصوير قصص بعض المرضى الذين عالجناهم لننقل للمشاهدين بعضا من الواقع الاليم الذي يعيشه الملايين. وقد كنت جزء من الطاقم الذي عمل على هذه الحلقات وجاء دوري في الترجمة للمرضى والمصورين لإتقاني للغة الفرنسية وترشيح المرضى ومراجعة الحلقات وترجمتها قبل إرسالها إلى التلفزيون إلى جانت عملي اللوجستي في هذه المخيمات من تنظيم. هذه الحلقات هادفة بقدر ما هي توعوية لنقل الواقع الأليم لحياة الملايين من الفقراء الذين يفتقدون أساسيات سبل الحياة الكريمة ولكن الحلقات أيضا هادفة لإحياء الأمل، حيث نري المشاهد كيف يعود هؤلاء المحتاجين لحياتهم بعد إستعادة البصر ويستطيعون العمل لإعالة أنفسهم وعائلاتهم وبذلك يصبحون أفراد فاعلين في المجتمع. ماهي طموحاتك للمستقبل وبماذا تحلم شروق البنا؟ طموحاتي وأهدافي تغيرت كثيرا في السنوات الأخيرة خاصة بعد عملي مع مؤسسة نور دبي الخيرية حيث أصبحت بسيطة وكلها تؤدي إلى تحقيق ذاتي، خاصة بعد أن تعلمت أن بإمكان الإنسان أن يحقق النجاح في أية بيئة طالما أنه يعمل ويبذل ويعطي بقلبه. فبت أطمح بأن أبقى عضوة فعالة في مجتمعي بقدر استطاعتي وأن لا أتوانى عن مساعدة الأخرين. وأتمنى تقوية لغتي الإسبانية وتحدثها بطلاقة وتعلم وإتقان لغة خامسة وهي الروسية. - ماذا تقولين لبنات وشباب جيلك عن العمل التطوعي، اذكري لهم سببا يدفعهم للمشاركة بالأعمال التطوعية أشجع الشباب وأحثهم على العمل التطوعي في جميع المجالات الإنسانية كل بقدر استطاعته فالعمل التطوعي يخدم المجتمع ويزيد من انتمائنا له وينمي شخصيات الجيل الجديد لأنه يعلمنا دروس في الحياة ما كنا لنحصل عليها في الجامعات. ودولة الإمارات سباقة في مجال المساعدات الإنسانية التي وصلت إلى شتى أنحاء العالم. وقد حث ديننا الإسلامي على العمل التطوعي في قوله تعالى (ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم)- صدق الله العظيم. وفي الختام أقول لهم أنه لا إحساس أجمل من العطاء بلا مقابل.ساعة رولكس
أدخل بياناتك
شكراً
ننتظرك غداً مع سؤال جديد
التالي
اغلق
شروق البنا..حكاية فتاة إماراتية تطوعت لإعادة البصر للمحرومين
#مجتمعك