#ثقافة وفنون
نجاة الظاهري اليوم 11:00
تألق على مسرح شاطئ الراحة، مانحاً القصيدة بُعدها الجماليّ الأرحب، وآخذاً من بحورها كلّ ما يمكنه أن يقول للإنسان: «أنا هنا من أجلك!».. إنه الشاعر الشاب المهندس عبد الرحمن الحميري، الذي خرج من الظل، مؤخراً، إلى ضياء المسرح العربي الكبير؛ ليضع اسمه على لوحة شرف الساحة الشعرية بكل فخر واقتدار. هنا، نطلع، عن قرب، على عوالم «الشاعر المهندس» الشعرية، وطقوسه، ومشاريعه المختلفة، التي تخدم القصيدة والكلمة؛ لنرى كيف «يهندس» شاعريته، ونتعرف على رحلته في برنامج «أمير الشعراء».. «زهرة الخليج» تضع ورود عبد الرحمن الحميري على طاولة الحوار؛ لنحظى بفرصة تأمل جمالياتها:
-
عبد الرحمن الحميري: لقب «أمير الشعراء» بداية وهج يستمر
انزواء.. فنهضة
لسنوات لم تشارك في «أمير الشعراء»، فما الذي دفعك إلى المشاركة في «البرنامج»؟
كنت متابعاً لبرنامج «أمير الشعراء» منذ صباي، ولطالما أدهشني مسرح شاطئ الراحة بالضوء والكلمة، ولم أكن أتخيل، يوماً، أنني سأقف على منبره؛ فقد كنت - في بداياتي - أتلمّس الطريق، وأحاول اكتشاف صوتي؛ فأنصت وأجرّب، وأتعثر وأنهض. فبداياتي الحقيقية كانت مع الشعر النبطي، ورأيت - ساعتها - أن الكتابة بـ«الفصحى» أمرٌ بعيد المنال. بمرور السنوات، وزيادة الاطلاع، وتنوع القراءات، توسّعت معرفتي وثقافتي ومخزوني اللغوي؛ فالإنسان يتأثر بما يقرأ ويسمع. بعدها، رويداً رويداً، اتجهت إلى قصيدة «الفصحى»، أغازلها بحذر، خاطباً ودّها، حتى اتجهت إليها كلياً، قبل ثماني سنوات. ورغم ذلك لم أشارك في «البرنامج»؛ لأنني كنت أشعر بأن تجربتي لم تنضج بَعْدُ، فلم أكن أرغب في المشاركة لمجرد المشاركة، كما أنني كائنٌ وفيٌّ لمساحته الآمنة، فأزدهر في الظل، وأتوجس من الأضواء المبهرة؛ فآثرت الانزواء طوال السنين الماضية. لكن في أحد صباحات يوليو، من العام الماضي، استيقظت على رسالة من الصديق الشاعر الدكتور حسن النجار، كان محتواها صورة إعلان الموسم الحادي عشر من «أمير الشعراء»، وكتب أسفلها: «لمَ لا؟!»؛ فلامست هاتان الكلمتان وتراً خفياً في نفسي؛ فظللت مستلقياً على سريري، أحدّق في رسالته، وسَرَتْ في جسدي قشعريرةٌ، متخيلاً نفسي واقفاً على مسرح شاطئ الراحة.. ومن هنا بدأ كل شيء!
كيف كانت مسيرتك، خلال «رحلة المنافسة»؟
كانت رحلتي ممتعة، رغم أنها كانت شاقة؛ فـ«أمير الشعراء» تجربة استثنائية تخرج منها إنساناً مختلفاً، ليس على صعيد الشعر فحسب، بل حتى في الفكر والذات وقوة التحمل؛ فلكل مرحلة في المسابقة خصوصيتها وظروفها ومعاييرها. ورغم حدة المنافسة، إلا أن «الروح الأخوية» التي سادت بين الشعراء جعلتنا عائلة واحدة، وصنعت بيننا ذكرياتٍ لا تُنسى. وأفضل ما خرجت به من «المسابقة»، قراءة قصائدي من قِبَل أعضاء اللجنة، والقدرة على تحمل الضغوط، والتكيف مع المفاجآت والقرارات اللحظية، والتعامل مع الصحافة والإعلام.
-
عبد الرحمن الحميري: لقب «أمير الشعراء» بداية وهج يستمر
هل تشكل هذه المسابقات دافعاً للشاعر، خلال مسيرته؟
بكل تأكيد؛ فحينما يخرج الشاعر من مساحته الآمنة، ويقرأ قصيدته أمام أساتذة ونقّاد مشهود لهم بالخبرة والكفاءة، ويسمع رأيهم في ما يكتب؛ يمنحه كل هذا الثقة والصلابة؛ فيتوهج على المنابر. ناهيك عن الأبواب، التي تُفتح له من كل حدبٍ وصوب، والأضواء التي تُسلّط عليه بعد المسابقة؛ لذا عليه الظهور بشكل بارز، وأن يدرس كل خطوةٍ؛ لأنه سيكون محط الأنظار، وسيصغي الجميع، تالياً، إلى ما سيقوله.
أجمل اللحظات
ما أجمل محطاتك في برنامج «أمير الشعراء»؟
لحظة التتويج كانت، بالطبع، اللحظة الأجمل و«مسك الختام»، فرغم أن الإنسان في هذه اللحظات لا يستوعب مشاعره استيعاباً كاملاً؛ لأنه يكون مغموراً بالفرح، والضوء، والتصفيق، إلا أنه حينما يعود إلى نفسه، ويستعيد صفاءها، يُدرك ما وصل إليه، وأنجزه. الآن، كلّما نظرت إلى البُردة؛ تنتابني «مشاعر الطفل»، الذي يتأمل ثيابه الجديدة ليلة العيد.
دائماً تتناول قصائدك موضوعات غير مألوفة، من أين تبدع قريحتُك قصائدَها؟
أحب التأمل الهامشيّ والمهمَل، ولعلّ هذا من حسنات الجلوس بمفردي لفتراتٍ طويلة، فمتى تمهل الإنسان؛ انكشف له العالم، وأماطت المخيلة عنه لثامها. كثيرٌ من الأفكار غير المألوفة، التي تراودني، تأتي من نبعٍ واحد، يشغلني ويستحوذ على تفكيري هو «الخلود»؛ فأنا مهووسٌ بترك أثر، وتفتنني فكرة أن يردد أحدهم بيتاً لي بعد رحيلي بزمنٍ طويل، وإن نُسِب البيت إلى مجهول. كذلك، تخطر ببالي، دائماً، مقولة ماري أوليفر: «أكتب القصائد لغريب، سيولد في بلدٍ غريب، بعد مئات السنين».
لديك مشروعان يخدمان الكلمة، واللغة، والشعر.. حدثنا عنهما؟
مشروعي الأول «مُشاة»، شركة إبداعية متخصصة في صناعة المحتوى الكتابي، وقد وُلدت هذه الشركة من «صداقة الأقلام»، فقد استوحينا اسمها من وجودنا معاً في «فصيلة المشاة» أيام التجنيد، إذ كنا نسير مسافاتٍ طويلة سيراً عسكرياً متقناً، يلتزم بكل الضوابط والحركات المتعارف عليها. في تلك الأيام، كانت تبادرنا أفكار إبداعية لنصوص أو مشاريع مؤجلة، فكنا نختلس من أوقات الاستراحة لندوّنها - في عجالة - بالأقلام الجافة على دفاتر الملاحظات الصغيرة. هكذا، أبصر «مُشاة» النور؛ ليصير منصةً شبابية إماراتية لكتابة المحتوى. وقد اقترن اسمه بالمشي؛ لأنّ للمشي دوراً فعالاً في توليد الأفكار، وتحفيز الإلهام عند الشعراء، والفلاسفة، منذ قديم الزمان. أما مشروعي الثاني، فهو «فعولن»، وهو منصة إلكترونية مبتكرة قيد الإنشاء، تسخّر جهودها لخدمة الشعر، عبر منهج متخصص، للراغبين في تعلّم «علم العَروض»؛ بهدف كتابة القصائد كتابةً سليمة. كما تقدم «المنصة» خدمات الاستشارات في ما يخص الكتابة الشعرية، والتدقيق على النصوص، من حيث الوزن، والتفعيلات، وتحديد مواضع الخلل، والكسر في القصيدة؛ لمعالجتها.
-
عبد الرحمن الحميري: لقب «أمير الشعراء» بداية وهج يستمر
هل سنرى، قريباً، إصداراً جديداً يحوي قصائدك؟
نعم، سيصدر ديواني الشعري قريباً، فما زلت أضيف إليه بعض القصائد، وأجري عليه بعض اللمسات، وسأعلن عنه عند الانتهاء منه، واكتماله.
طقوس
للشعراء طقوس يستحضرون بها قصائدهم، فما طقوس الشاعر عبد الرحمن؟
ليست لديَّ طقوس معينة؛ فالقصيدة تهبط فجأةً غير مكترثةٍ بالمكان، أو الحالة التي يكون عليها الشاعر. وعليه في لحظتها أن يمسك بتلابيبها حتى لا تُفلت منه. لكن هبوط القصيدة شيء، وكتابتها شيءٌ آخر؛ فأنا أقلّب الفكرة في رأسي أثناء المشي، أو قيادة السيارة، أو حتى وسط اجتماعٍ ما، لكنني حينما أكتب القصيدة أنصرف إليها بحواسي كافة، وأغرق فيها غرقاً لذيذاً. وعادةً أفعل ذلك في زوايا المقاهي، القريبة إلى قلبي.
إلى أين تمضي في الشعر؟.. حدثنا عن آمالك الخاصة، وطموحاتك!
أعرف، حق المعرفة، أن لقب «أمير الشعراء» البداية، والشعلة الأولى لوهجٍ يستمر طول العمر بإذن الله. الآن، أشعر بأنني أحمل في داخلي ذلك الصبي الذي يتحسس طريقه في البدايات، فهناك أرضٌ جديدة، وسماء عالية، ولديَّ شغفٌ جارف، وفضولٌ متجدد، وألف ألف نبعٍ، توشك أن تتفجر في خيالي.