#تنمية ذاتية
لاما عزت 9 فبراير 2025
في خضم الحياة اليومية وصراعاتها، نتعرض لأحداث مؤلمة، وصدمات تهزّ أعماقنا، وتترك آثارًا قد لا تندمل. لكن ما لا يدركه الكثيرون أن أثر الصدمات لا يتوقف عند الحدود النفسية؛ بل يمتد إلى صحتنا الجسدية أيضًا. فالألم النفسي قد يتحول إلى أوجاع جسدية، ويظهر على شكل اختلال في الهرمونات، واضطرابات في وظائف القلب، وحتى شعور دائم بالإرهاق والتوتر.
«هند» امرأة ناجحة في حياتها العملية والاجتماعية، كانت تعيش حياة مليئة بالطموحات، والأحلام التي بدأت تتحقق. لكن، كما - في كثير من الأحيان - حدث شيء غير متوقع غير مجرى حياتها؛ فمنذ سنتين تعرضت لحادث سير مروع، نجا جسدها منه بفضل الإسعافات السريعة، لكنها لم تكن تدرك أن روحها وعقلها سيحتاجان إلى وقت طويل للشفاء. فبعد الحادث، بدأت تعاني نوبات قلق مفاجئة، ترافقها مشاعر خوف شديد، وقلق مزمن، وأصبحت لا تتحمل صوت المحركات، وتهرع كلما سمعت صوتًا يشبه حادث السير. كما بدأت تشعر بآلام في الرأس، وتوتر عضلي غير مبرر، ما جعل حياتها صعبة. كل هذا دفعها إلى الانعزال والابتعاد عن أصدقائها وأسرتها. بعدها، أجرت فحوصاً طبية كاملة، كشفت عن اختلالات هرمونية، وضغط دم مرتفع، لكن لم يتمكن أحد من تفسير أصل هذه المشاكل. في النهاية، اقترح أحد الأطباء أن تتواصل مع مختص نفسي.. هنا بدأت رحلتها في فهم العلاقة بين صدمتها النفسية، وصحتها الجسدية.
-
التعامل مع آثار الصدمات.. طريق إلى التعافي الشامل
وللحديث عن حالة «هند»، تسلط الدكتورة سارة محمود، اختصاصية الطب النفسي في مبادلة للرعاية الصحية دبي ومستشفى هيلث بوينت التابعة لمجموعة M42، الضوء على هذه العلاقة المعقدة بين الصدمات النفسية والصحة الجسدية، مؤكدةً أن الاعتراف بالجانب النفسي، ومعالجته، ليسا ترفًا، بل هما أساس ضروري؛ لتحقيق شفاء كامل وشامل. وتستعرض الدكتورة سارة كيف يمكن أن تترك الصدمات آثارًا خفية وعميقة، وأهمية العناية بالصحة النفسية، كجزء لا يتجزأ من رحلة الشفاء.
تقول الدكتورة سارة محمود: «في رحلة الشفاء من الصدمات الجسدية، تلعب الصحة النفسية دوراً حاسماً؛ حيث يمكن أن يكون التأثير العاطفي والنفسي عميقاً، وطويل الأمد، ويتجاوز الجروح المرئية». وتؤكد أن الاعتراف بالجانب النفسي، ومعالجته، هما خطوة أساسية لبدء رحلة التعافي، مضيفة أنه يمكن أن تترك الصدمات تأثيرات دائمة في الصحة العقلية، وقد تؤدي إلى حالات نفسية، مثل: اضطرابات التكيف، واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD). وتقول: «إن الاكتئاب والقلق من التحديات الشائعة، بعد التعرض للصدمات».
ما «اضطراب ما بعد الصدمة»؟
«اضطراب ما بعد الصدمة» حالة نفسية، يمكن أن تتطور عند بعض الأشخاص بعد تعرضهم لحدث صادم، أو تجربة مرعبة، مثل: حوادث السيارات، والكوارث الطبيعية، والعنف، وأي حدث يهدد حياتهم وسلامتهم. ويُعاني المصابون بـ«اضطراب ما بعد الصدمة» استرجاعاً مؤلماً للذكريات المرتبطة بالحدث الصادم، كأنهم يعيشونه من جديد، وتصاحب ذلك مشاعر خوف وقلق شديدين، لا يستطيعون السيطرة عليها، وتشمل أعراض «اضطراب ما بعد الصدمة»: الكوابيس، وتكرار الذكريات المؤلمة، وتجنب الأشخاص أو الأماكن المرتبطة بالحادث، وتقلبات المزاج، وصعوبة في النوم، وتوتراً مستمراً. ويمكن أن يكون هذا الاضطراب معطلًا لحياة المصاب، حيث يؤثر في وظائفه اليومية، وعلاقاته الاجتماعية، ويؤدي - أحيانًا - إلى مشاكل صحية جسدية؛ نتيجة التوتر المزمن.
أثر الصدمات في الصحة النفسية
تشير الطبيبة النفسية إلى أن الصدمات، جسديةً أو نفسيةً، يمكن أن تترك آثارًا دائمة في الصحة العقلية، ما يؤدي إلى ظهور حالات نفسية معقدة، مثل: اضطرابات التكيف، واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
التدخل النفسي ودوره في الشفاء
توضح الدكتورة سارة أهمية التدخل النفسي كدعم أساسي للأفراد في مرحلة التعافي. وتؤكد أن التدخلات المبكرة، من خلال العلاج النفسي أو الأدوية، تلعب دورًا حاسمًا في توفير الدعم النفسي الضروري؛ لأن دمج الرعاية النفسية مع الرعاية الجسدية يعزز النتائج الصحية العامة للمرضى، ويؤدي إلى شفاء شامل. وتضيف: الأشخاص الذين مروا بتجارب صادمة، كالناجين من السكتات القلبية أو الدماغية، يعانون غالبًا مشاكل نفسية، تؤثر في حياتهم اليومية، وتتجسد في القلق، والاكتئاب، وحتى «اضطراب ما بعد الصدمة».
اضطرابات التكيف والاكتئاب بعد الصدمات
تشير الطبيبة النفسية إلى أن «الصدمات يمكن أن تؤثر - بعمق - في تقدير الفرد لذاته، ونظرته إلى نفسه وإلى العالم من حوله، ما قد يؤدي إلى صعوبات في الثقة بالآخرين، وتكوين العلاقات والحفاظ عليها، وقد تؤثر أيضاً في شعور الشخص بالأمان والاستقرار. وتحدث اضطرابات التكيف؛ عندما يجد الشخص صعوبة في التكيف مع واقعه الجديد بعد الصدمة، وتظهر الأعراض على شكل اكتئاب، وقلق، وتغيرات سلوكية». وتقول: «يمكن أن يغمر الاكتئاب الناجين من الصدمات، ما يؤدي إلى مزاج منخفض طويل الأمد، وفقدان الاهتمام بالنشاطات، التي كانت ممتعة سابقاً، وشعور دائم بفقدان الأمل».
الكوابيس واسترجاع الأحداث بعد الصدمة
يعد «اضطراب ما بعد الصدمة» من الحالات الشائعة، حيث يعيد المرضى تجربة الحدث الصادم من خلال الكوابيس واسترجاع الأحداث، ما يتسبب في قلق شديد، وأفكار لا يمكن السيطرة عليها بشأن الحادث. وفي بعض الحالات، توفر الصحة النفسية مساحة آمنة للأفراد؛ لمواجهة المحفزات والذكريات المرتبطة بصدمة تعرضوا لها. وتتطلب رحلة التعافي - في كثير من الأحيان - إعادة ذكريات مؤلمة وتجارب دفنت في العقل الباطن. وتذكر الدكتورة سارة محمود أن الناجين من السكتات القلبية يعانون - في الأغلب - مشاكل نفسية، مثل: القلق، والاكتئاب، واضطراب ما بعد الصدمة، وعجز في القدرات المعرفية، مثل: الانتباه، والذاكرة، والوظائف التنفيذية، والقدرات البصرية المكانية، والطلاقة اللفظية. كما يعاني الناجون إصابات الدماغ الرضية من الاكتئاب، بينما يتعرض مرضى ما بعد السكتة الدماغية لاضطرابات القلق، بشكل متكرر.
-
التعامل مع آثار الصدمات.. طريق إلى التعافي الشامل
التحديات النفسية لمرضى «العناية المركزة»
تتابع الطبيبة النفسية حديثها: إن الفئات التي تعاني الصدمات، مثل مرضى «العناية المركزة»، تواجه تحديات نفسية كبيرة، تراوح بين الهذيان والذهان، وتشمل الأعراض: القلق، والبارانويا، والهلوسات، والارتباك. ويُعد الذهان - بعد السكتة الدماغية - من الحالات النفسية المؤثرة، التي تصيب نسبة 4.86% من المرضى، وتظهر على شكل أوهام، وهلوسات، واضطرابات في النوم، وأحيانًا تصرفات عنيفة.
دور التقنيات الحديثة
تضيف الدكتورة سارة: تُعتبر الأساليب، المستندة إلى الأدلة، مثل: العلاج السلوكي المعرفي، والعلاج بإعادة معالجة حركة العين، والعلاج الموجه للصدمة، من العلاجات الفعالة في مواجهة التأثيرات النفسية للصدمات. ومع تطور التكنولوجيا، ظهرت حلول مبتكرة كالعلاج عبر الواقع الافتراضي، توفر بيئة آمنة تساعد المرضى في مواجهة الذكريات المؤلمة بفاعلية. وتبين: أدت التقنيات الحديثة إلى تعزيز الدعم النفسي، من خلال الطب النفسي عن بُعد، والاستشارات عبر الإنترنت، ما يجعل الوصول إلى العلاج أكثر سهولة. وقد أثبتت الأدوات التكنولوجية، مثل الأجهزة القابلة للارتداء، أنها تسهم في توفير رعاية نفسية مخصصة، تساعد في تحقيق الشفاء الكامل من الصدمات.
أهمية الرعاية النفسية
تختتم الدكتورة سارة محمود حديثها، بالقول: «إن التأثير العميق للصدمة في الرفاهية النفسية والعاطفية، يتطلب تدخلات شاملة، تأخذ بعين الاعتبار الصحة النفسية والجسدية على حدٍّ سواء. وتعتبر الرعاية النفسية عنصرًا حيويًا في بناء المرونة، ودعم التعافي، حيث تساهم الحالة النفسية الإيجابية في تعزيز جهاز المناعة، وتسريع عملية الشفاء. ويعد دمج الممارسات العلاجية، المستندة إلى الأدلة، مع الدعم النفسي الشامل، طريقاً نحو مستقبل أكثر مرونة وإيجابية، للناجين من الصدمات».