#تنمية ذاتية
ياسمين العطار الأحد 26 يناير 11:30
«بين العواصف التي تهب داخلنا، والسكون الذي نبحث عنه.. تكمن أهمية الصحة النفسية».. بهذه الكلمات، أعربت الإماراتية بشرى الزبيدي، أخصائية علم النفس، عن قيمة الصحة النفسية، التي تعد رحلة مستمرة، تبدأ من داخل الإنسان، وتمتد إلى جوانب حياته كافة. إن شغف الزبيدي بهذا المجال دفعها إلى المشاركة في برنامج علاجي بأبوظبي، حيث اكتشفت تقنيات علاجية مبتكرة، بالتعاون مع فريق عمل يضم أسماء بارزة بمجال العلاج النفسي في الإمارات والعالم. وإلى جانب عملها العلاجي، فهي ملتزمة بدعم وتطوير الكفاءات الإماراتية، فضلاً عن اهتمامها بتنظيم حملات توعوية تطوعية؛ لتوجيه المجتمع نحو فهم أعمق للصحة النفسية، وتشجيع الأفراد على طلب الدعم النفسي بثقة، ودون تردد.. التقتها «زهرة الخليج»؛ للتحدث عن مسيرتها، وما تعلمته خلالها، وأصعب وأسعد اللحظات التي مرت عليها:
بدايةً.. لماذا اخترت مجال علم النفس تخصصاً؟
منذ طفولتي، كان لديَّ فضول مستمر يدفعني إلى التساؤل في محاولة لفهم العالم من حولي بعمق. هذا الطابع الفضولي دفعني إلى اكتشاف تأثير الأفكار والمشاعر في حياتنا، وجعلني أرى في علم النفس فرصة أعمق لفهم طبيعتنا البشرية، واحتياجاتنا النفسية. فعلم النفس لا يقتصر على دراسة الاضطرابات النفسية، كما يعتقد البعض، بل هو علم شامل. فكل إنسان - بغض النظر عن وضعه أو ظروفه - يمكن أن يواجه ضغوطاً نفسية في مراحل حياته. والصحة النفسية كالجسدية تؤثر، بشكل مباشر، في حياتنا اليومية. جاء اختياري علم النفس من إيماني العميق بأن هذا المجال يتيح لي فهم الإنسان بعمق أكبر، لمساعدته في التغلب على تحدياته النفسية. كما أتمكن من تقديم الدعم إلى الأشخاص في مختلف مراحلهم، والعمل على تحسين نوعية حياتهم، وتحقيق توازن نفسي وجسدي لديهم. فالعلاج النفسي - بالنسبة لي - ليس مجرد مهنة، بل هو وسيلة لتحقيق تغيير إيجابي في حياة الآخرين.
خدمة أفضل
هل هناك تحديات واجهتك، خلال مسيرتك؟
نعم، واجهت تحديات عدة خلال مسيرتي المهنية، من أبرزها نشر الوعي بأهمية العلاج النفسي، وشرح مفاهيمه بصورة أفضل وأعمق؛ لتتناسب مع مختلف الفئات المجتمعية. وقد شكلت هذه التحديات دافعاً كبيراً؛ لتطوير نفسي ومهاراتي، فعملت على تعزيز معرفتي المهنية، والتواصل مع زملاء من خلفيات مختلفة لتبادل الخبرات. هذا التفاعل حسن أسلوبي في التعامل مع الحالات المختلفة، ومكنني من تقديم خدمة أفضل للمرضى. وبفضل هذه الجهود، توليت إدارة قسم العلاج النفسي في مرحلة مبكرة من مسيرتي، ما عزز ثقتي بقدرتي على مواجهة التحديات، وتحقيق تغيير إيجابي.
بشكل شخصي.. ما الذي أضافه إليك مجال عملك؟
أدركت قيمة المثابرة في رحلة التعلم، وأيقنت أن العلاج النفسي لا يقتصر على المرضى، بل يتجاوزهم ليشمل المعالج النفسي ذاته، الذي ينبغي أن يكون واعياً بجوانب قوته، ونقاط ضعفه. ومن هذا المنطلق، جعلت من نفسي ميداناً أطبق فيه عملياً كل ما أقدمه إلى المرضى، ما أفضى - على مدار السنوات - إلى تطورٍ جوهريٍّ في شخصيتي نحو الأفضل. هذا التطور لم يكن مجرد مكسب شخصي، بل انعكس بوضوح على جودة الخدمة العلاجية التي أقدمها، فأصبحت أكثر عمقاً وفاعلية في مساعدة المرضى على تحقيق التغيير المنشود.
خلال مسيرتك المهنية.. ما أصعب الحالات التي قابلتها؟
يمكنني القول بأن أصعب موقف، لنا كمعالجين، يكون عندما نمر بحالة نرى مستقبلها بوضوح. ونُخفي هذه الرؤية عن صاحبها؛ لأنه لا يمتلك رغبة في التغيير. إن أهم جزء في جلسات العلاج النفسي، هو رغبة المريض في العلاج، فمنها ينطلق المعالج في عمله بالتحفيز والتوجيه. تؤلمني رؤية هذه الحالات جداً، لكنني أحترم حدودي كمعالجة في إعطائها المساحة والحرية؛ لاتخاذ القرار، مع التأكيد على وجودي الدائم عند طلب المساعدة.
حدثينا عن أسعد اللحظات، التي مرت بك، خلال تلك المسيرة!
بلا شك، هي اللحظة التي نرى فيها التغيير ينعكس على حياة الناس. يوماً ما، كنت أمر بظروف شخصية صعبة، وكان عليَّ حضور جلسة أسرية مع عائلة أحد المرضى. عندما دخلت الغرفة، فاجأتني والدة المريض بنظرة مليئة بالامتنان، والدموع تملأ عينيها. وقبل أن أنطق بكلمة، اقتربت مني، واحتضنتني بحرارة، وقالت لي، والعَبْرة تخنقها: «شكراً.. أنك أعدتِ ولدنا.. والله ما كنت أتخيل يوم أشوفه بهذه الحال!!». ثم رفعت يديها، وبدأت تدعو لي بصدق. تلك اللحظة كانت أعمق من الكلمات، وعندما عدت إلى مكتبي، ظلت كلماتها ودعواتها ترافقني، وتذكرني بمعنى العمل الذي نقوم به كمعالجين. فقد شعرت، حينها، بأن رسالتنا تتجاوز العلاج، فهي تزرع الأمل، وتداوي الأرواح، وتعيد إلى الحياة نبضها. هذا الإحساس يملأ قلوبنا سعادة ورضا، ويدفعنا إلى مواصلة الطريق بشغف وإيمان لا يتزعزعان.
تجاوز المحنة
ماذا تفعلين؛ حينما تمرين بلحظات مهنية صعبة؟
إن «انتكاسة» مريض الإدمان من أصعب اللحظات، خاصة بعد رحلة طويلة شاهدت خلالها المريض وهو يبذل قصارى جهده؛ لتخطي مرحلة مليئة بالتحديات. ورغم قناعتي القوية بأن العلاج لا يسير دوماً في خط مستقيم، وأن الانتكاسة جزء طبيعي من العملية العلاجية، إلا أنني أظل ملتزمة بتقديم الدعم الكامل إلى المريض، مع إعادة توجيهه وتشجيعه على المضي قدماً لتجاوز هذه المحنة. وأيضاً من اللحظات الصعبة حالات الفقدان، حينما يأتي إليَّ مريض يتحدث عن فقدانه شخصاً عزيزاً؛ فهذه الحالات تبرز التحديات النفسية التي يواجهها المرضى، وتسلط الضوء على دورنا في تقديم دعم نفسي فعال، يساعدهم في التكيف مع الألم، والتعامل مع مشاعر الفقد بشكل صحي، ما يسهم في تعزيز قدرتهم على تخطي هذه الصدمة، والمضي قدماً في عملية التعافي.
كيف ترين حضور المرأة الإماراتية بمجال علم النفس؟
يعد علم النفس مجالاً إنسانياً بامتياز، تتجلى فيه قوة تأثير المرأة الإماراتية، ودورها الحيوي في إحداث الفارق، خاصة في وطننا الغالي (الإمارات)، بمنحنا فرصاً كبيرة للإبداع والتألق في المجالات كافة. هذا التميز ما كان ليحدث لولا الدعم المستمر، والرؤية الحكيمة لقيادتنا الرشيدة، التي وفرت لنا بيئة مثالية، تشجعنا على العطاء، والمساهمة الفاعلة. وتواصل الدولة تعزيز دور المرأة في سوق العمل، مع اهتمام خاص بتطوير مجال علم النفس من خلال برامج تدريبية متخصصة، وفرص تعليمية متقدمة، تساهم في رفع مكانتنا بهذا المجال الحيوي، وتؤكد التزامنا الثابت بتقديم مساهمات نوعية، تعمل على خدمة مجتمعنا، وتنميته المستدامة.
ماذا عن جهودك في نشر الوعي بأهمية الصحة النفسية؟
مجتمعنا الإماراتي يتميز بثقافته العميقة، وأصالته، وهذا يعزز قدرتي على تحفيز أفراد المجتمع من خلال حملات التوعية التطوعية، التي أشارك فيها، بهدف نشر الوعي بأهمية الصحة النفسية. كما أعمل على توجيه المجتمع نحو فهم أعمق لهذه القضية، وتشجيع الأفراد على طلب الدعم النفسي عند الحاجة، ما يقلل «الوصمة» المرتبطة بالصحة النفسية. كذلك، أحرص على مد يد العون إلى المتدربات في هذا المجال، وتقديم الإرشاد الأمثل إليهن في بداية مسيرتهن المهنية؛ لتقدم كل واحدة منهن أفضل ما لديها في هذا المجال الحيوي.
ما أحلامك، وطموحاتك؟
أحلامي وطموحاتي ترتكز - بشكل رئيسي - على خدمة وطني، والمساهمة الفعالة في تطوير مجالات العلاج النفسي. وأتمنى أن أكون جزءاً من الجهود الوطنية، التي تسعى لتقديم أعلى مستويات الدعم النفسي للمجتمع، خاصة في ظل الدعم المستمر الذي تقدمه القيادة الرشيدة؛ فاهتمام الدولة المتزايد بمجال الصحة النفسية يعكس رؤية واضحة نحو تحسين رفاهية المواطنين والمقيمين. كما أدرك أن دور المرأة الإماراتية في هذا المجال له تأثير كبير، فهي تتمتع بفرص واسعة للإبداع والتألق في بيئة مشجعة، تتيح لها تقديم أفضل ما لديها لخدمة الوطن، وهو ما أطمح إلى الإسهام فيه، بشغف واحترافية.