#ثقافة وفنون
نجاة الظاهري الأحد 26 يناير 10:30
في عالمٍ مليء بالمسؤوليات والأدوار المتعددة، تجد الشاعرة والدكتورة عائشة الشامسي في القصيدة نافذتها الخاصة على الحياة، ومنبرها الذي تطلق - من خلاله - صوتها وإبداعها؛ فهي تجمع بين شغفها باللغة العربية ودراساتها الأدبية، وبين مسؤولياتها كأم، وأستاذة جامعية، وناشطة مجتمعية. عائشة الشامسي - التي تشغل، حالياً، منصب رئيس قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، وعضو اللجنة العليا لمسابقة «كنز الجيل»، وعضو في العديد من الهيئات الأدبية والاجتماعية - تعيش تفاصيل الحياة بين سطور قصائدها، وتتجاوز تحدياتها بمزيج من العطاء الشعري والنقدي.. في هذا الحوار الخاص مع «زهرة الخليج»، نفتح معها أبواب تجربتها الشعرية، ونغوص في مسيرتها بين التعليم والإبداع؛ لنكتشف سر الشغف الذي يحرك قلمها، ورؤيتها للنقد والأدب، ودورها في إثراء المشهد الثقافي الإماراتي:
الشعر واللغة العربية.. أيهما سبق إلى اهتمامك؟
الشعر واللغة مرتبطان بشكل كبير، ولا أستطيع تحديد أيهما سبق الآخر لديّ. لكنني متأكدة أن الشعر يُوهب للإنسان، لذلك لم أختره، بل شُغفت به حباً. أما اللغة العربية، فقد اخترتها تخصصاً أكاديمياً، وأيضاً عن شغف؛ لذلك الشعر واللغة طريقان عشقت السير فيهما.
تجربة شعرية
هل يؤثر انشغالك بتعليم اللغة العربية، وآدابها، في تجربتك الشعرية؟
الانشغال بتعليم اللغة العربية وآدابها لا يؤثر إيجاباً، بالضرورة، في تجربة الشاعر؛ فقد يشغل التدريسُ الشاعرَ عن الكتابة، كما حدث معي أثناء دراستي للماجستير والدكتوراه، فقد توقفت حينها عن الكتابة، رغم أن دراستي كانت متعلقة بالشعر والأدب. لكن يمكن القول بأن القراءة في التجارب السابقة، وآداب اللغة، تسهم في تطوير أسلوب الشاعر ومعجمه؛ إذا كان منشغلاً بتدريس المواد الأدبية.
شاركت سابقاً في برنامج «أمير الشعراء».. حدثينا عن مشاركتك، وأثرها في تجربتك!
كانت مشاركتي في برنامج «أمير الشعراء» بمثابة عودة لي بعد غياب طويل عن الساحة الشعرية والجمهور؛ فـ«البرنامج» فتح أمامي باباً للعودة، وأثرى تجربتي الشعرية من خلال التلاقح مع أصوات شعرية من البلدان العربية المختلفة، وهذا الانغماس الشعري أضاف مسارات جديدة إلى تجربتي، وأعادني - بقوة - إلى المشهد الأدبي.
كيف يمكن للشاعرة أن تُبقي شعلتها متقدة رغم انشغالاتها.. أماً، وأستاذةً جامعيةً، وناشطةً مجتمعيةً؟
«أَنتِ الخَفيــفـــةُ والرِّيـــاحُ تَأَّخـرَتْ
والشَّمْسَ يُخْجِلُها انْطِفاؤكِ فاسْطِعي
مُنْــــذُ اصْطَفَيتُكِ غَابــةً أَغفــو بهــا
أَوْدَعتُ مُتَّسَعِي إِلَيْكِ وَمَضْجَعِي».
هذه أبيات من قصيدة «ظرف في طاولة العمر»، كنت أمرر - من خلالها - رسائل إلى نفسي (والشمس يخجلها انطفاؤك فاسطعي)؛ فلا يليق الانطفاء بمن اختارت أن تكون أماً، وشاعرة، وأستاذة جامعية، وناشطة مجتمعية ومتطوعة؛ فيجب عليها أن تحب الحياة، وتنطلق إليها من كل هذا، وأن تطوّع كل هذه المسؤوليات لكتابة قصيدة. ففي زحام المسؤوليات تكون القصيدة متنفسي؛ لذلك أظن أن وجود هذه المسؤوليات كلها سبب في وفرة قصائدي خلال الفترة الحالية، لأنني أكتب تحت الضغوط، وأنا مستمتعة جداً.
ما الموضوعات التي تتناولينها في قصائدك، وكيف تنظرين إلى النقد.. حالياً ومستقبلاً؟
موضوعات قصائدي مستوحاة من مواقف الحياة ومسؤولياتها، لذلك من يقرأ شعري يجد تغيرات كبيرة خلال الفترات الزمنية الثلاث، التي مرت بي. اليوم، أكتب قصائد وجودية أكثر فلسفةً عن الحياة، وابتعدت عن الوجدانيات، فقد هدأت نار النفس، ولم تهدأ نار الشعر. أعتبر النقد شغفاً من نوع آخر، أجده في متعة القراءة للآخرين، ونبش الجمال في كتاباتهم، وعرضها أمام القارئ، ومسؤوليةً يجب أن أمارسها انطلاقاً من تخصصي. أما عن مستقبل النقد، فنحن بحاجة إلى هذا النقد؛ لأنه لا تطور للأدب من دون النقد، فالكتابة النقدية من عوامل تطور الأدب، وظهوره، وانتشاره؛ لذلك أنا، كأستاذة للأدب الإماراتي، دائماً أدعو إلى مشروع نقدي متكامل لأدب الإمارات، ليمارس النقد عمله كنقد، ويقدم أدبنا إلى الآخر، وكذلك أدعو الآخر إلى قراءة أدبنا بمرآة نقده.
ما الدعم الذي تقدمه الإمارات إلى الشعراء خاصة، والأدباء عامةً؟
اليوم، يشكل الأدب قوة ناعمة في سياسات الدول؛ وقد انتبهت المؤسسات الثقافية في الدولة إلى هذا الأمر، وأدركته جيداً. فدولة الإمارات تقدم دعماً كبيراً إلى الشعراء والأدباء، فيكفي أنها تقدمنا إلى الآخر بشتى الوسائل، ومنها: المسابقات التي تقام، والجوائز التي ترصد لها، وتسهيلات النشر، وحرية الكتابة، والأمسيات والمهرجانات التي تنظمها المؤسسات كافة، فكل هذا دعم قوي للشاعر، والكاتب.
ركيزة أساسية
الديوان ركيزة أساسية في رحلة الشاعر.. ما الذي يضيفه أي إصدار إلى صاحبه، بجانب التواصل مع جمهوره؟
أي إصدار يمنح الشاعر فرصة قراءة نفسه عبر السنوات؛ فيدرك أين هو الآن، وكيف كان سابقاً؛ لذلك ذكرت - سابقاً - أن المتابع لشعري وإصداراتي سيقرأ التغيرات التي حدثت لي، فالديوان يقدم الشاعر إلى جمهوره ونفسه؛ لأنه رصد لتجربة ولسنوات الخبرة، وتوثيق لمسيرة التطور والتغير.
توقفتِ عن الكتابة فترة طويلة؛ فما الذي أعادك إلى الساحة الأدبية؟
توقفت عن الظهور، وليس عن الكتابة، كنت أكتب، ولكن بشكل قليل جداً؛ لانشغالي بإكمال مسيرتي الدراسية. وعدتُ، والحمد لله أنني عدت؛ لأنني لم أغب عن الساحة الشعرية فقط، وإنما كنت غائبة عن نفسي أيضاً، فقد كنت أحاول أن أجدها. إن الاستقرار النفسي المفرط لا يناسب الشاعر؛ لذلك نحن في قلق دائم، فمن القلق يولدُ الشعر؛ فرغبتي في الكتابة، وقلق القصيدة الذي لم يتركني أبداً، أعاداني إلى طريق الشعر.