#مشاهير العرب
لاما عزت الأحد 24 مارس 10:30
وحده العازف «طائر الأوقات العاصية»، الذي يحلق مرة بريشة الموسيقى، وأخرى بريشة اللون، وما بينهما من فضاءات، وأمكنة، ومسارح ومدن. «طائر» يجعل الرماد بلون الأمل والتسامح، في زمن عصي وصعب.. إنه الموسيقار نصير شمة، الفنان المتعدد، سفير «اليونسكو» للسلام، الذي له أعمال بارزة في تونس، وبغداد، والقاهرة وبرلين، فها هو يبدع في أبوظبي مرة موسيقياً، وأخرى رساماً، فيطلق معرضه الفني الأول «نصف حياة»، جاعلاً من نشارة العود عالماً متماهياً مع اللون، كأنه يعزف على الكانفس بروح وإيقاعات تشع أملاً، فنجد في أسلوبه هوية، تأخذنا دائماً إلى رائحة الشرق. وهنا، نستحضر ما قاله معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش: «إن نصير شمّة مشروع متكامل موسيقياً، وقد استطاع عبر أعماله الفنية المتميزة أن يقتحم عالم المعاناة والمحن والمجاعات والحروب والكوارث الطبيعية؛ ليخرج برؤى مغايرة ومبدعة، تؤكد على طبيعته الإنسانية الراقية، كفنان، وسفير (اليونسكو) للسلام، وسفير فوق العادة للموسيقى العربية».. «زهرة الخليج» التقت نصير شمة، خلال افتتاح معرضه في أبوظبي، فكان لنا هذا الحوار:
خلال معرضك «نصف حياة»، نشهد وجهاً إبداعياً آخر (الرسم)، فلماذا نصف حياة، وليس الحياة بمعناها الوجودي الكامل؟
معرضي الفني الأول هذا تلخيص لثلاثين عاماً من التجارب المستمرة؛ بحثاً عن الموسيقى التي تُرى، والملمس الذي يُذكر، والأصوات التي تنبعث من الذاكرة، وكلها نصف حياة موزعة بين مدن عدة عشت بها، منها: تونس، وبغداد، والقاهرة، وبرلين. وقد كنت أرسم بكل مكان أقيم فيه، ولأنني أعيش منذ ثلاث سنوات في أبوظبي، هذه المدينة التي ارتبطت بها من خلال «بيت العود»، الذي تأسس عام 2008، وبات وجهة ثقافية مهمة؛ فكل هذه الأعمال، التي تصل إلى 70 عملاً رسمتها في هذه المدينة، وحوّلت كل ما برأسي؛ لأرى لون الصوت، ولون التون الموسيقي، وحينها لم أكن أوقّع أعمالي. الآن، وقعت أعمالي، التي جاءت من طاقة الحب الموجودة بداخلي، والهواية، والعلم، إذ لا يمكن أن يدخل أحد هذا العالم دون معرفة، وهو ما حدث معي؛ فقد استعنت بالكثير من الفنانين في ألمانيا، بالإضافة إلى أصدقائي التشكيليين، وبات هناك نوع من التماهي بين الكانفس والألوان ونشارة العود أيضاً، التي منحت سطوع اللوحة والألوان كيمياء وتضاريس خاصة. ويشمل المعرض أيضاً كتاب «رؤية حياة»، وقطعة موسيقية ألفتها خصيصاً للمعرض.
«التشكيل» مساحة فنية أخرى تنتقل إليها اليوم، بعدما اعتدنا رؤيتك مع العود، فهل سيأخذك اللون من الموسيقى؟
لا يمكن أبداً أن يحدث ذلك؛ لأن الموسيقى أخذتني إلى الرسم، فكل تون موسيقي له درجة لونية تقابله، وأنا أرى أن كلّ قطعة موسيقية تحتوي عدداً من الألوان، وكنت عند تقديم أي عمل موسيقي؛ أسأل نفسي: ماذا لو كان هذا العمل ألواناً، فما الصورة التي كان سيصير إليها؟.. إنه الأفق الذي تفتحه الموسيقى نحو فنون أخرى. فكما أن مزج لونين، أو لحنين، يعني إبداع شيء جديد من الموسيقى واللون أيضاً، فالهارموني مزج جملتين لحنيتين أو أكثر، وهذا نفسه موجود في اللون.
على مدى ثلاث دورات كنت سفيراً لليونسكو.. لماذا حدث هذا معك، أنت بالذات؟
الموسيقى والفنون والإبداع، هي دعوة إلى السلام، ونور العقول والأرواح، والقدرة على التغيير إلى الأحسن، وهذا - في حد ذاته - قائم من خلال المنتج الفني العالي الجودة، وكذلك الجهد الممزوج بعمل إبداعي. كل هذا جاء بسبب المشاريع المكثفة بيننا، وعملي في مشاريع إنسانية، وهذا ليس جديداً، فمنذ أن كنت طالباً، وإلى الآن، أنحاز إلى القضايا الإنسانية، إلى جانب مواقفي الشخصية، وتبني قضايا الإنسان والتعليم، عبر مؤسسات خيرية؛ فأنا أدرك أن كل إنسان يستطيع أن يقدم الكثير من خلال موقعه. كل هذا وضعني أمام خيارات إنسانية صائبة، اخترتها منذ طفولتي، من خلال تربيتي، والأخلاق التي نشأت عليها، حيث كنت أتبرع بمصروفي؛ لشراء منتجات غذائية للفقراء. واليوم، أطوّع الموسيقى لخدمة هذه القضايا؛ لذلك أن أكون سفيراً لليونسكو، والسفير الوحيد لمنظمة «الصليب الأحمر»، و«الهلال الدولي»، وسفير منظمة «اللا عنف» الدولية، فهذا جاء تعزيزاً لمواقفي في الحياة، ويدفعني إلى المزيد.
ليس خفياً أنك صاحب مشروع تحمله معك من خلال مؤسسات عدة إلى مدن عالمية كثيرة.. إلى أي درجة فتحت أمامك أبوظبي هذا الطريق؟
يمنحني هذا المكان الراحة والأمان والسلام، فهو المكان الذي أبدعت فيه الكثير من المقطوعات الموسيقية، وأقمت به أهم حفلاتي، واليوم معرضي «نصف حياة». فهنا أمشي نحو المستقبل من خلال «بيت العود»، وتعليم الشباب، ومن خلال مبادرات ترتبط بالجامعات، فيكفي أن تزرع وردة؛ لتصير حديقة كاملة. ولكوني أقيم في أبوظبي، ففكرة المعرض ولدت هنا، بمعنى أن كل أعمال المعرض رسمتها في أبوظبي، لاسيما خلال جائحة «كورونا»، وهذا يعطي انطباعاً عن الاستقرار النفسي والجمالي الذي أعيشه؛ فالإمارات دولة منظمة بشكل كبير، وفيها خدمات عالية الجودة، والناس هنا يسعون إلى عمل الخير، وأشياء جمالية كثيرة، وكل هذا ينعكس على الإنسان، خاصة الذي يمتلك حساسية عالية ونظرة بعيدة؛ لذلك كان يجب أن يقام هذا المعرض في أبوظبي أولاً، وبعد ذلك يجول العالم.
تجربة أخلاقية
بحسب «اليونسكو»، بات الفن، اليوم، مطلباً حقيقياً في التربية والتعليم.. ماذا تقول عن أهميته؟ الجمال عدوى إيجابية، فحينما تختفي الورود نشعر بالوحشة، والفنان يُغير طاقة المكان. اليوم، «بيت العود» في أبوظبي، وقبل ذلك في القاهرة والخرطوم والإسكندرية، وقريباً في السعودية، وهذا وحده رسالة لنشر الجمال، وتربية جيل فني.
أسست «بيت العود» في أبوظبي، وعواصم عدة، إلى أي درجة أنت مغرم بـ«البيت»؟
«البيت» كلمة مهمة وعاطفية جداً، وقد تربيت وسط بيت جميل ومتفاهم، فأحببت نقل هذه الأحاسيس إلى كل طلبتي في كل المدن التي أفتتح فيها «بيت العود». لقد أردت نقل إحساس البيت والاحترام والتفاهم والتراتب، مثل: الأخ الأكبر والأب والأبناء. أردت نقل تجربة البيت وإحساس التفاهم، إنها تجربة أخلاقية أولاً، وموسيقية ثانياً.
لك مقولة شهيرة بأنك «العازف الوحيد على عود الفارابي».. لماذا تعود دائماً إلى الجذور بتقاسيم إبداعية مذهلة؟
الفارابي عالم عظيم، وعندما تكون قاعدة الفنان علماء كباراً، فإنه يشعر بضآلة إنجازه، وعندما أرتبط بعالم يسمى الفارابي، فهذا يشعرني بأنني لا شيء أمام إنجاز الفارابي في سبعة علوم، لذلك أذكّر نفسي بإنجازات الكبار، لأرجع دائماً إلى الأرض.
المرأة توازي الكون
مارس شهر الاحتفال بالمرأة.. ما تأثير المرأة في حياة نصير شمة، وكيف يمكن أن تكون مصدر إلهام في أعمالك الفنية؟
المرأة ملهمة، وشاعرة، وتوازي الكون، خاصة عندما تكون لدى الإنسان نساء عظيمات في عائلته، وفي محيطه، إنهن كون حقيقي، عظيم ومهم. المرأة ليست الأم والأخت والحبيبة والابنة فقط، بل هي كل الجمال، والمعنى الذي يعادل الحياة أيضاً.
هل لديك تجارب موسيقية، تعود إلى المرأة، ترتبط بحياتك الشخصية؟
بالتأكيد، هناك الكثير من التجارب، وأذكر منها «ليلة شهرزاد»، التي أقمتها في تونس مع 14 شاعرة من أنحاء الوطن العربي، ومقطوعات كثيرة لي ترتبط بالمرأة، فالمرأة ملهمتي؛ ولهذا سميت أحد أعمالي «امرأة في الذاكرة».
كيف ترى دور المرأة في الموسيقى والفنون.. بشكل عام؟
سؤالك يعيدني إلى بداية تأسيس «بيت العود» في القاهرة وأبوظبي، إذ أذكر أنني، حينها، قلت للبنات: لا توجد أي مبررات لديّ لاختلاف ظروف البنت عن الشاب، فهي عازفة مثلها مثل الرجل. واليوم، عندنا خريجات وعازفات ومعلمات من «بيت العود»، وغيره، وقد باتت المرأة جزءاً من أي فرقة موسيقية.