#مقالات رأي
د. نرمين نحمدالله 5 أكتوبر 2023
تقول الأسطورة اليونانية إن الفتاة الجميلة «ميدوسا»، كانت تعيش مع أختيها في بلاد ما وراء حافة العالم، حيث لا يصل هناك شمس ولا قمر!.. اختارت أثينا ثلاثتهن ليكنّ كاهنات في معبدها، لكنها غضبت على «ميدوسا» بالذات؛ فحولت جدائل شعرها لأفاعٍ سامة، وجعلت في عينيها قوة قادرة على تحويل كل من ينظر إليها إلى حجر، لكنها أبقت لها على وجه شديد الفتنة؛ كي يغوي الرجال بالنظر!.. لكن كيف هزمها البطل «بيرسيوس»؟!.. لم ينظر إليها، بل إلى انعكاس صورتها على درعه اللامعة، فقضى عليها بضربة واحدة، لكن الرأس بقي محتفظاً بلعنته، فنظرة واحدة للعينين تجعل الرائي يتجمد مكانه كتمثال من حجر!
في كل مرة أتذكر فيها حكاية «ميدوسا»؛ أدرك أن في قلب كل منا واحدة!
أحلامنا المؤجلة مثلاً!.. تلك التي عجزنا عن تحقيقها؛ فبقيت أمام عيوننا شديدة الجمال، لكنها شديدة السُّمية، تذكرنا بخساراتنا؛ فنقف أمامها متجمدين بحسرة، لا نقوى على أخذ خطوة إلى الأمام نحو حلم جديد، أو حتى القناعة بما جنيناه من أحلام قديمة.
قصص الحب المبتورة مثلاً!.. تلك التي علقت في المنتصف السخيف، فلا هي مضت لشأنها، ولا هي تركتنا لشأننا، فقد حفرت في القلب آباراً واعدة بعظيم الجنات، فآمن القلب بالبئر، ونسي شكل النهر!.. تلك الخفقات المفقودة من إيقاع القلب، والتي تركته أبد الدهر شاذاً ناقصاً، كافراً بكل الألحان، حائراً بين أنس الأمس وخوف الغد، وبينهما حاضر متجمد كحجر أمام عينَيْ «ميدوسا» متوعدة!
هذا ما يحدث دوماً، عندما يمتزج الجمال بالقسوة، الرغبة بالفقد، الحلم بالخوف، والوعد بالوعيد!.. نتجمد معها راضين بتمثال من حجر، كان يوماً ما ينبض بالأمل!
والحل؟!.. الحل يبدأ من ألا ننظر إليها إلا في انعكاس دروعنا الحامية، فلا نوقف القلب حسرة، ولا تنقطع أنفاسنا ندماً، بل ندرك أن الطريق - وإن ضاق - يتسع للمزيد من الخطى، وألا نسمح لسمّ الحنين بأن يجمدنا في انتظار قطار لن يأتي أبداً.
في كل قلبٍ «ميدوسا»، وليتها تكون في كل يد درع «بيرسيوس»، حيث نرى حقيقة الماضي والغد، ننظر بإمعان لحقيقة ما نملكه في أيدينا غير مكترثين بما ضاع، هكذا فقط لا نخشى أن تصيبنا لعنة الحسرة، التي تجمد خطواتنا؛ فتنسى الطريق.. وينساها الطريق!
في كل قلب «ميدوسا».. لكنْ قليلون جداً من يملكون درعاً تحميهم.