#منوعات
رحاب الشيخ الأحد 7 أغسطس 2022 09:00
قد يدعي البعض أن الرفق بالحيوان من الأمور الترفيهية، ويخص فئة معينة من البشر وهم الفئة الأكثر ترفاً في المجتمع، وقد يرون أنه من الأفضل الرفق بالإنسان، ومراعاة حقوقه. لكن الحقيقة هي أن الحيوان الأليف روح ضعيفة، تعجز عن الدفاع عن نفسها، ومواجهة قسوة البشر في بعض الأحيان؛ إذا تسببوا في أذيته؛ لذلك حثت جميع الشرائع السماوية على توفير الحماية له، والعطف والرفق بجميع أنواع الحيوانات، وسنت الدول العديد من القوانين لتحقيق الهدف نفسه.
والغريب في الأمر أن المجتمعات تحدث فيها ظواهر تدعو إلى التعجب؛ فقد يلاحظ وقوع عنف مستفز على الحيوانات ومنها الكلاب، رغم أننا ندرك اهتمام العالم الحديث بإنشاء جمعيات للرفق بالحيوان، خاصة الكلاب، حتى إن هناك حضانات خاصة لرعايتها أثناء توجه صاحبها للعمل أو السفر. وهذا يجعلنا نتساءل: لماذا هذا التناقض في المجتمعات؟ ولماذا أصبحنا نقرأ قصصاً ونرى صوراً تصيب المشاهد بالذعر؛ بسبب العنف الذي يمارس على الكلاب؟
في التحقيق التالي، التقت «زهرة الخليج» شريحة من الناس يقومون بتربية أنواع من الحيوانات الأليفة، ومختصين بالتربية وعلم النفس، وعاملين بمجال الطب البيطري؛ للوقوف على أهمية رعاية الحيوانات، وعدم إيذائها، وكيفية القيام بذلك على الوجه الأمثل.
قصة حب
«العلاقة بيني وبين كلبي قصة حب لا تنتهي».. هكذا بدأت البريطانية وين روكمان حديثها، قائلة: سعيدة جداً لوجود كلبي من نوع «بودل» في حياتي، لاسيما وقد نشأت في عائلة تعتني بالحيوانات - خاصة الكلاب - منذ الصغر، وتعلمت من والدتي طريقة الاعتناء بها، وتربيتها، مؤكدة أنها تصطحب كلبها أينما ذهبت، وعندما ستعود إلى بلدها مرة ثانية ستأخذه معها، مهما كلفها الأمر من أموال.
بدَوْرها، تؤكد الإماراتية خولة محمد، موظفة في إحدى الشركات الخاصة بإمارة أبوظبي، أنها تربي كلبة من نوع «لابرادو»، منذ أكثر من 3 سنوات، وقد حصلت عليها من عائلة كادت تلقي بها في الشارع؛ بسبب تقدمها في العمر، وأنها شارفت على الموت، ولم يعد لها فائدة، لاسيما أنهم كانوا يبيعون صغارها كلما ولدت للحصول على الربح المالي. وحينها، أشفقت عليها، ووجدت خولة أنه من الضروري أن تقوم برعايتها والرفق بها حتى آخر يوم في عمرها، مشددة على ضرورة نشر الوعي بين أفراد المجتمع حول كيفية الاهتمام بالحيوانات والتعامل معها؛ إذا وصلت إلى هذه السن.
ويوضح الأيرلندي كيران تريسي، مدير أحد إسطبلات الخيول في أبوظبي، أنه حصل على كلبه من نوع «شيواوا»، منذ عامين تقريباً، من أحد ملاجئ الحيوانات في إمارة الفجيرة، مشيراً إلى أنه يعيش في الإمارات مغترباً، وليست لديه عائلة، ويعتبر كلبه صديقه المفضل، يأخذه معه إلى مقر عمله، ويتعامل معه بمنتهى الرفق، لافتاً إلى أنه رأى في كلبه الوفاء والصداقة اللذين يفتقدهما الكثير من البشر.
وسيتذكر الشاب الفلسطيني تميم عريف، الذي يعمل في عيادة بيطرية بمجال تجميل الحيوانات، قائلاً: ذات يوم، منذ عدة أشهر، وعند عودتي من عملي؛ سمعت مواء قطة في الشارع، ولضعفها وصغر سنها وجسدها النحيل لم أكد أراها، وبقيت لوقت طويل أبحث عنها في كل مكان، إلى أن وجدتها عالقة فوق إحدى الأشجار تصارع الموت، فقمت بالاتصال بالدفاع المدني، فحضروا على الفور، وقاموا بإنقاذ القطة، ومن يومها وهي موجودة بالعيادة أعتني بها وأعالجها، وستأخذ تطعيماتها الدورية في موعدها، لافتاً إلى أن الرفق بالحيوان والرحمة وجهان لعملة واحدة، وهما من السمات التي فطر الله عليها البشر؛ لهذا فإن بعض الممارسات الشاذة في إيذاء الحيوانات - من وجهة نظره - لا تمت إلى الإنسانية بصلة.
غريزة إنسانية
تقول الدكتورة نعيمة قاسم، المستشارة التربوية، إن الرأفة والعطف والرفق غريزة إنسانية، تنشأ بالفطرة نحو الكائنات كافة، مشيرة إلى أن البعض يضعون تبريرات واهية بعدم ضرورة الاهتمام بمثل هذه الحيوانات، لكن رغم كل ذلك تظل كائناً حياً، ولا تستحق العنف المجتمعي الذي تقع ضحيته الفئات المستضعفة من الكلاب؛ لهذا فإن الموضوع يستحق منا وقفة؛ للحد من ظاهرة التعذيب أو القتل أو غيرها على هذا الكائن الموجود في بيئتنا، ويحتاج منا الوعي الكافي لتقديم النصح والإرشاد للفئة التي تقدم على مثل هذه الانتهاكات، إما عبر البرامج الإعلامية، أو عن طريق التوعية الأسرية، أو في المؤسسات التعليمية، أو مؤسسات حماية البيئة وجمعيات الرفق بالحيوان، وعلينا استحضار إنسانيتنا قبل كل شيء، والتعامل مع الحيوانات الأليفة بروية وتعقل.
وتوضح قاسم، قائلة: يبدأ الوعي الحقيقي لمعاملة الكلاب برأفة ولطف لدى الأطفال في مرحلة الحضانة، وتبدأ التوعية بأسلوب محبب لطريقة التعامل بالتوجيه غير المباشر عن طريق عرض أفلام تبرز دور الوفاء عند الكلب، ومساعدته لصاحبه وحماية البيت من أي غريب يقترب منه، كما يمكننا أخذ الأطفال إلى حديقة الحيوانات، ورواية قصص مشوقة تخلق فيهم نزعة الحب والطيبة، وعدم إيذاء هذا الحيوان، كما يمكننا تمثيل هذه الأدوار عبر مسرح العرائس، ومحاكاة شخصية الكلب المتعاون. ومن هذا العمر، نستطيع غرس القيم النبيلة لمعاملة الحيوان، باعتباره روحاً وجسداً، ويشعر بما يشعر به الإنسان، وندعوهم إلى تقديم الطعام والماء وتوفير المأوى والعلاج لها.
حاجة إلى الرعاية
يقول الدكتور عبدالله محمود كامل، طبيب بيطري في عيادة «بت لايف» بأبوظبي: تساعد تربية الحيوانات، خاصة الأليفة، مثل: القطط والكلاب، أفراد المجتمع في تفريغ الطاقات الزائدة، وتنمية المهارات المختلفة كالنشاط والحركة، عندما يصطحب الشخص الكلب ويمارسان رياضة المشي مثلاً. أيضاً، إن تربية الحيوانات تعلمنا احترام حقوق الآخرين، والرحمة التي نمنحها لهذه الحيوانات وهي بحاجة إلى من يرعاها ويوفر لها المأكل والمشرب والمسكن الدافئ الذي يحميها من قسوة حر الصيف، وبرد الشتاء.
ويشدد الطبيب البيطري على أن الحيوانات، بكل أنواعها، هي روح وسيحاسب الله الشخص بسببها إذا أهمل رعايتها، وتكمن المشكلة في ما نراه من ممارسات خاطئة في التعامل مع الحيوانات من قلة الوعي بين أفراد المجتمع في هذا الشأن، رغم القوانين التي تسنها الدولة لحمايتها، لافتاً إلى أن الحيوانات الأليفة التي تربى في المنازل تحتاج إلى تطعيمات دورية، وفحوص سنوية، والاهتمام بصحتها مثل البشر تماماً، مؤكداً ضرورة أن يلجأ الشخص الذي لم يعد يرغب في الاحتفاظ بالحيوان الخاص به إلى الملاجئ العديدة المجانية التي توفرها الدولة، بدلاً من التخلص منه بتركه في الشارع دون مأوى.
قانون الـرفق بالحيوان
في عهد المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيب الله ثراه، وتحديداً في 4 سبتمبر 2007، صدر القانون الاتحادي رقم 16 لسنة 2007، بشأن الرفق بالحيوان، ويحتوي هذا القانون على 19 مادة، ووفقاً للمادة الثانية من هذا القانون: «يجب على ملّاك الحيوانات أو القائمين على رعايتها، حسب الأحوال، اتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة لعدم إلحاق الأذى بها».
ثم صدر القانون رقم (18) لسنة 2016، بشأن تعديل بعض أحكام القانون الاتحادي رقم (16) لسنة 2007، بشأن الرفق بالحيوان، بمواد من شأنها حماية الحيوان وعدم إلحاق الأذى به، أو مضايقته أو التسبب في الألم له، مع أحكام تعاقب المخالف بالحبس والغرامة المالية، أو إحدى العقوبتين.