#سياحة وسفر
ضحى السعفي 9 يوليو 2022
اختار الرحالة والمدون التونسي مهدي بالحاج (32 سنة) أن يكتشف العالم بنفسه، فقرر أن يغامر بدايةً باكتشاف القارة الأفريقية السمراء؛ فعقد العزم، وترك مجال اختصاصه وعمله في الهندسة، ليبدأ رحلة طويلة على قدميه وما تيسر من سفن للشحن، وغيرها من وسائل النقل البسيطة، واستطاع خلال أربع سنوات - قضاها في الترحال والبراري - أن يستكشف 33 دولة أفريقية.. وحول مغامراته واكتشافاته والمخاطر التي اعترضت طريقه، كان لنا هذا الحوار مع بالحاج:
• متى بدأت تهتم باكتشاف الطبيعة؟
- منذ الصغر؛ فقد كنت أفضل قضاء أغلب أوقات العطلة في قرية جدي بعيداً عن المدينة، حيث توجد حقول التين والكروم والزيتون وكذلك الشاطئ والبحر، ومن هناك نما داخلي تعلق كبير واحترام للطبيعة.
قارة غنية
• لماذا اخترت بلدان القارة الأفريقية.. ما الذي جذبك إليها؟
- أفريقيا سحرتني بتنوع عاداتها واختلاف ثقافاتها وجمال طبيعتها وطيبة أهلها. في الحقيقة لا أظن أن رحلتي في أفريقيا رحلة استكشاف؛ لكنني أصنفها على أنها رحلة رد اعتبار إلى هذه القارة المظلومة؛ فأفريقيا هي واحدة من أغنى قارات العالم من ناحية الطبيعة والثروات وحتى الثقافة والفن، لكنها دائماً تُصوَّر على أنها قارة الحروب والمجاعات والأمراض.
• حدثنا عن أبرز المغامرات التي واجهتك أثناء رحلاتك؟
- خلال أربع سنوات من الترحال المتواصل، تمكنت من عبور القارة الأفريقية براً، من أقصى نقطة شمالاً أي رأس أنجلة في تونس، إلى أقصى نقطة جنوباً أي رأس الأبر في جنوب أفريقيا، ومن أبرز المغامرات التي واجهتها: عبوري الصحراء الكبرى مع الطوارق، ونهر الكونغو على سطح قوارب الموت. أيضاً عبور صحراء موريتانيا على سطح أطول قطار في العالم، وزيارة مدينة توبا المقدسة في السنغال خلال موسم الحج الأفريقي، وكذلك حضور احتفالات ملوك الإيوي، واستعراضات السحر الأسود في كلٍّ من توغو وبينين، كما أتذكر جيداً المدة التي أمضيتها رفقة سلطان مدينة باوشي في نيجيريا، وعبوري المحيط الأطلسي نحو أقصى جزر القارة جزيرة annobon، عبر سفن الشحن، وصعود أعلى قمم القارة في الجزائر والمغرب وغانا ونيجيريا والكاميرون، أيضاً حضور احتفالات الموت لشعب الباميليكي، والعيش مع العديد من القبائل الأخرى، مثل: السورما، والهاوسا، والهيمبابا، والهيرورو، والبوشمن، والبوسوتو.
• ما الصعوبات التي كانت تعترضك؟
- عبور 33 دولة سيراً على الأقدام لمدة أربع سنوات، ومن دون أي دعم مالي لم يكن سهلاً، وقد تعرضت، أيضاً، لعراقيل أخرى كصعوبة الحصول على تأشيرات مثلاً، ما أجبرني في العديد من المرات على تغيير خط سيري إلى وجهات أخرى لم أكن أنوي المرور عبرها. أيضاً، تعرضت للسرقة في غانا، وفقدت كل ما أملك من مال؛ فاضطررت للعمل لمدة 6 أشهر في بوركينا فاسو لشراء معدات جديدة، وتحصيل مبلغ يمكنني من مواصلة الطريق، وتعرضت كذلك لإطلاق نار بمدينة تيمبكتو في مالي، والاختطاف في الكونغو الديمقراطية، والسجن في نيجيريا، كما أصبت بالبلهاريسيا في مالاوي، والتيفوئيد والمالاريا في العديد من المرات.
دروس مفيدة
• ما أهدافك التي تتطلع إلى تحقيقها، من خلال الاكتشاف والسفر؟
- السفر بالنسبة لي هو عبارة عن دروس من الحياة، أحياناً عبر التجارب المشوقة ذات النهايات السعيدة، وأخرى عبر المخاطر والصعوبات التي نتعرض لها. لكن جميعها تجعلنا نتعلم وتعطينا دروساً مفيدة من مدرسة الحياة، وأكثر ما يلهمني في تجربتي الخاصة هو علاقة الإنسان بمحيطه، فقد تتشابه التضاريس في العديد من البلدان لكن الشعوب تبقى دائماً مختلفة في عاداتها وتقاليدها. والاختلاط بكل هذه القبائل يشعرني بأنني لم أشرب من بحر المعرفة إلا القليل؛ ما يجعلني أرغب في المزيد من المغامرة، للاطلاع أكثر على ما تخفيه هذه القارة.
• ما النصائح التي توجهها إلى من لديهم الهواية نفسها؟
- السفر في البداية هو مسؤولية، فلا تهم كثيراً وسيلة أو طريقة السفر، لكن المهم هو حفظ الكرامة، خاصة كرامة الذين سيعترضونك؛ فالمسافر يجب أن يكون قدوة تحتذى، أيضاً احترام جميع الديانات وتقاليد أي دولة، ونشر المعلومات يجب أن يكون في إطار المعرفة فقط، كذلك من المهم التعايش مع عادات هذه الشعوب اليومية، فهي المفتاح الذي سيمكنك من التقرب أكثر، والتعرف إليهم من زاوية أقرب من منطلق الاطلاع والاكتشاف. أيضاً يجب تغيير النظرة المسبقة؛ لأن الواقع مختلف تماماً عن كل ما يتم تصويره في بعض الأفلام، وتداوله في وسائل الإعلام.
• هل ترى أن هذه الهواية قد تأخذك من مستقبلك المهني؟
- أظن أن مستقبلي المهني، اليوم، لم يعد مرتبطاً بشهادتي العلمية؛ فالتأقلم مع المتغيرات والظروف أعطاني مزيداً من الخبرة، وحررني من قيود الدرجة الأكاديمية؛ فقد اضطررت مراراً للعمل خلال رحلاتي. وعلى سبيل الذكر، اشتغلت صياد سمك في السنغال، ومزارعاً في غانا، ومصوّراً فوتوغرافياً في مالي، ومدير متجر ومقاول بناء في بوركينا فاسو، كما اشتغلت مدير إنتاج في مصنع للأخشاب بالكونغو الديمقراطية.. كلها أعمال كانت بعيدة كل البعد عن مجال تخصصي، لكنها أثبتت لي أن سبل الرزق موجودة بإذن الله فقط؛ إذا توفرت الإرادة.
الإنسان والطبيعة
• ماذا عن علاقتك بالطبيعة، وأبرز الأماكن التي زرتها؟
- علاقتي بالطبيعة هي علاقة احترام وتعجب في كثير من الأحيان، أتذكر جيداً عند زيارتي إلى جنوب الجزائر مدى انبهاري بعظمة الجبال وجمال الصحراء هناك، لكن ما أدهشني أكثر هو مدينة الكهوف (سيفار)، حيث يوجد أكبر متحف مفتوح في الهواء الطلق، وهو عبارة عن آلاف الصور المرسومة على جدران متاهة من الكهوف، يعود تاريخها إلى عشرة آلاف سنة، تروي تفاصيل الحياة في تلك المنطقة الصحراوية القاحلة، التي كانت يوماً ما غنية بالحياة البرية مثل: الأسود والزرافات والفيلة. حقيقةً، تلك المشاهد جعلتني أنتبه إلى علاقة الإنسان بالطبيعة، والتأثير المتبادل بينهما، فالإنسان يسعى - بشتى الطرق - إلى استغلال الطبيعة؛ ظناً منه أنه قادر على ترويضها، لكنها في النهاية تجازيه على قدر صنعه معها. ومن أبرز الأماكن التي زرتها مدينة تيمبكتو التاريخية، عاصمة أفريقيا الذهبية، حيث حالفني الحظ برؤية واحد من كنوز التاريخ الإنساني، هو مخطوطات تيمبكتو القديمة، التي يعود معظمها إلى مئات السنين، وحفظ في داخلها العديد من العلوم، مثل: الهندسة والطب والفلك والأدب والكيمياء، ما يثبت أن قارة أفريقيا ساهمت - بشكل كبير - في تطور الكثير من العلوم الإنسانية، أيضاً زيارتي إلى مدينة توبا المقدسة في السنغال رفقة أكثر من أربعة ملايين حاج، أقنعتني بأن فكرة السلام بين ملايين البشر ممكنة؛ إذا اقتنعنا بها.
• ما وجهتك التالية؟
- أنا الآن في رحلة العودة من جنوب أفريقيا إلى تونس. وتحديداً في دولة تنزانيا، وبصدد البحث عن عمل هنا؛ لتمويل بقية الرحلة، وتحقيق حلمي بصعود أعلى قمة في أفريقيا (كلمنغارو)، وتجديد معدات التخييم والتصوير، التي تضررت كثيراً. لكن، للأسف الظروف صعبة جداً في تنزانيا؛ لذلك قد أتخلى عن هذا الحلم، والاتجاه نحو دولة كينيا، أو جزر القمر؛ إذا وجدت سفينة شحن.
مخاطر.. وصعوبات
• في غانا، تعرضت للهجوم من مجموعة من المسلحين بالسكاكين، وطلبوا مني تسليمهم كل ما أملك من أموال؛ عندها اضطررت للعمل في مزرعة أناناس نظير الأكل والنوم، ومع تاجر أسماك حتى تمكنت من تأمين مبلغ صغير لعبور الحدود نحو دولة بوركينا فاسو.
• في نيجيريا، تم سجني لأنني عبرت من منطقة حدودية مغلقة؛ فشكّوا في أن التأشيرة غير صحيحة، وتم سجني 5 أيام حتى تم التأكد من سلامتها، لكن تجربة السجن هناك علمتني أنه حتى في أخطر الأماكن يوجد، دائماً، بعض الخير، حيث اهتم بي السجناء المسلمون، وحرصوا على حمايتي، وتوفير مكان للنوم داخل الغرفة الوحيدة للسجن، وساعدوني في تدبير أموري اليومية هناك.
• في الكونغو الديمقراطية، زرت إحدى قبائل «البيغمي» داخل الغابة الاستوائية، وعند خروجي منها نحو القرية اعترضني أحد جنود الميليشيات، واصطحبني إلى معسكرهم، حيث تم تقييدي، وطلبوا مني الاتصال بعائلتي؛ لإرسال المال حتى يتم إطلاق سراحي.