#ثقافة وفنون
عمر عناز 27 أكتوبر 2019
آلاء القطراوي، شاعرة وباحثة فلسطينية، أطلت عبر البرنامج الشعري الشهير «أمير الشعراء» في مصافحة أولى مع الجمهور العربي الممتدّ من أقصى الشِّعر حتى أقصاه، واعدةً بالكثير من العطاء والدهشة، فيها من شغب البحر ما يكفي لابتكار الكثير من النهارات التي تفضي إلى القصيدة المكتنزة بالجمال والتميّز.
• الشاعرة أم لقصائدها وأطفالها، ما المختلف في طعم الأمومة لديك بين الاثنين؟
أمُّ القصائدِ قد سبقتْ أُمَّ الأطفال، وجعلتها أكثرَ اتساعاً وحكمة، فإحساس الأمومة الشعريّ هو إحساسٌ متسع وممتد يشمل الليل والوحدة والحزن والنوافذ المكسورة وشتلات الورد الذابلة، هنالك تباينٌ كبير بين الإحساسين، لكنني كثيراً ما أضحّي في كتابةِ قصيدةٍ ما مقابل ضحكة من شفاه يامن وكنان وأوركيدا، الجمع بين هذين الإحساسين أمرٌ مرهق للغاية ولكنّه لذيذ.
حس صوفي
• إلى أي مدى يمكن للحسِّ الصوفي، الذي تبدين منحازة إليه، أن يثري التجربة الثقافية، ويعمّق نظرتنا للحياة؟
لا يصبح المرء صوفياً بالصدفة، إنّ هذه الصوفية والتجليات هي نتيجة احتراق طويل في مِرجل الأسئلة، والتحرّق بنيران الشكّ، لا يكون اليقين مطلقاً إلا بعد اجتياز رحلةٍ طويلة من الشكّ والتجربة، الحس الصوفي حس ثريّ جداً، هذا الحس ينقّي الروح من شوائبها يجعلها أخف وشفّافة أكثر وصافية ترى ما وراء الجدران بسهولة، وتتذوّق من دون أن تأكل وتسمع من دون أن يكون هنالك صوت، وترى من دون أن تبصر.
• متى يكون زوج الشاعرة جديراً بالمدح ومتى يكون مستحقاً للهجاء؟
دعنا نغيّر السؤال ونقل: متى تكون الشاعرة قوية وارفة ومحلّقة عالياً، ومتى تكون منصاعة ذابلة مكسورة الجناح؟ قالوا قديماً إنّ وراء كلّ رجل عظيم امرأة، وأنا أقول لك وراء كل شاعرة مُحلّقة رجل، إذا سمحت الشاعرة لصوتها بأن يذبل ولوجهها أن يتساقط ولكلماتها أن تموت، وهي تضحّي بكينونتها من أجل عشّ الزوجيّة، فهي مَنْ تستحق الهجاء لا زوجها، يجب أن تكون المرأة قوية مهما كان الثمن، فما بالك إن كانت شاعرة وسيّدة للكلمات، لذلك على كل شاعرة أن تُحسن فرصة اختيارها للزوج، فإمّا أن يسير بها عبر ممرات النور الخالص أو أن تموت وحدها في أزقة العتمة والظلام، فالشاعرة هي نموذج مؤثر في جميع نساء مجتمعها، فلا بدّ أن تكون قدوة في انطلاقها وعطائها وقوتها وقراراتها واتساعها وكلمتها وتأثيرها وحضورها وصوتها وشكلها وروحها وكل شيء.
• تبدو لغةُ المرأة أكثرَ رقّةً وشفافيةً من لغة الرجل، هل للأمر علاقةٌ بالتكوين الفسيولوجي لكلٍّ منهما؟
المرأة بطبيعتها أرقّ من الرجل وأكثر حساسية وتأثراً، لأنّ الله أمدّها برحمته، وحين اختار الله عزّ وجلّ أحداً ليقارن به رحمته، اختار الأنثى الأم، حين قال أنا أرحم بعبدي من الأم بولدها، وصفة الرحمة هي صفة مترعة بالحب والحنان، فالمرأة كائن مفطور على الرقة، واضحة جداً، إن كذب لسانها فضحتها عيناها، وما ذلك إلا لشفافيتها، فهي مرآة الكون المتجلية في حياتنا.
فوز صيني
• حققتِ مؤخراً فوزاً في القصة القصيرة بمسابقة رعتها دار نشر صينية كونتيننتول، ما قراءتك لأبعاد مثل هذه المبادرات الآتية من خارج الفضاء الثقافي العربي؟
باختصار هي تجربة باذخة جداً، حين رأيت قصتي الفائزة بالمركز الأول مترجمة للغة الصينية ترقرقت عيناي بالدموع، كان الصينيون يقتربون منّي يطلبون توقيعي بعد أن قرؤوا القصّة، كما أننا نحبّ أن نقرأ الآخر وأن نتعرف إليه أيضاً، أن نجعل الآخر يقرأنا ويتعرّف إلينا، فهذا التبادل الثقافي مهم جدّاً من أجل مدّ جسور فهم الآخر لطبيعة ما يحيط بالإنسان العربي والعكس صحيح.
انعكاسات سلبية
ترد الشاعرة والباحثة الفلسطينية آلاء القطراوي على قضية الانعكاسات السلبية لـ«السوشيال ميديا» على التكوين الثقافي الحقيقي للإنسان، بالقول: «لا نستطيع أن نخفي دور (السوشيال ميديا) الجميل في حياتنا، خاصّة لأناس لا يجدون متنفساً للحياة إلا عبرَه، لكن مشكلة هذه المنصات أنها لا تعطيك المعلومة من مصدرها الحقيقي، فلا تصلك صافية مكثفة مدهشة، تعتمد على المعلومات السريعة والخاطئة في كثير من الأحيان، لا يكون المثقف حقيقياً إلا إذا جرّب أن يعتزلها وينتقل إلى قراءة أمهات الكتب، فحقيقةُ المعرفة تبدأ حين تبدأ العُزلة».