مليكة أحمد 10 يونيو 2019
هناك من المدن ما تشتهيه النفس، فيسبقكم الفرح إلى زيارتها، ويرحل بكم إلى موطن سرّ تلك السعادة المحفوفة بها، تلك هي الحال بالنسبة إلى مدينة «سان ميجيل دي أليندي» المكسيكية، حيث الروح اللاتينية تستقبلكم وهي ترقص بألوان قوس قزح، مبتسمة وبشوشة لا تنتظر منكم سوى الاستمتاع بتواضع وشعبية سكانها، وزيارة أمكنة ستظل محفورة في الذاكرة.
تطفو المدينة بين جبال مقاطعة «جواناخواتو» شمال غرب المكسيك، كان السكان الأصليون للمدينة يطلقون عليها اسم «إيسكوينابان»، لكن وبعد وصول الاحتلال الإسباني إلى المدينة في القرن الـ16، تغير الاسم إلى «سان ميجيل آل غراندي»، تكريماً لمؤسسها «الأب خوان دي سان ميجيل».
عاشت المدينة أجمل فترة، فعرفت نمواً اقتصادياً ملحوظاً، بفضل موقعها الاستراتيجي الذي يربطها بمنطقة ساكاتيكاس الغنية بالموارد المعدنية، مثل الحديد والصلب، فبنيت أجمل الكنائس وأجمل المباني والبيوت، وجمعت بين الطراز الباروكي التاريخي، والطراز الكلاسيكي الحديث، الأمر الذي كان يزعج السكان الأصليين، فتكونت منهم عصابات قطاع طرق ثائرة، هدفهم منع وصول الحديد والمعادن إلى المدينة، الأمر الذي جعل الحكومة تهدئ من روعهم، فلجأت إلى إلغاء الضرائب ورفع معدل رواتبهم، للتخفيف من ثورتهم الحاقدة التي كانت تتصاعد بشكل كبير على الإسبانيين.
تطور مشهود
كانت المدينة مسقط رأس كلّ من الثائرين خوان ألداما وإجناسيو أليندي، العسكريين اللذين قادا ثورة الانتفاضة الأولى ضد المستعمر الإسباني، فإجناسيو المتمرد كان الركيزة العسكرية الأكثر أهمية، والجزء الأساسي في حياكة المؤامرة والانتفاضة الأولى التي أدت إلى استقلال بلده المكسيك ضدّ المستعمر، على الرغم من نهايته المأساوية وإعدامه بمجرد القبض عليه، مما جعل الحكومة المكسيكية والأهالي يتفقون عام 1826 تاريخ الاستقلال الكبير عن الاستعمار الإسباني، على إضافة اسم أليندي إلى اسم المدينة تكريماً لذلك الثوريّ والمناضل الجميل، فأصبحت المدينة منذ ذلك الوقت تحمل اسم «سان ميجيل دي أليندي»، وأصبح بيته متحفاً مفتوحاً أمام الزوار والسياح من مختلف أنحاء العالم، يتمّ في أحضانه عرض لسيرة حياة هذا البطل، واستعراض أهم وأبرز الأحداث التي وقعت في المدينة بين القرنين الـ16 والـ18.
بيوت بلون قوس قزح
اليوم ورغم مرور قرابة 250 عاماً على سلسلة التغييرات التي لحقت بالمدينة، إلا أنها ما زالت تحافظ على مركزها التاريخي، الذي يعتبر من أبرز وأهم مناطق الجذب السياحي، ستجدون عند مدخل المدينة تماثيل تجسّد أشهر وأبرز الشخصيات التاريخية التي قادت المدينة والمكسيك نحو الخلاص والعيش في حرية، مثل: إجناسيو أليندي، خوان الداما، ميجيل هيدالجو وخوسيفا أورتيز دي دومينغيز، تجدهم مصطفين يحرسون واجهة المدينة التي يصل عدد سكانها إلى أكثر من 30 ألف نسمة، ويزورها سنوياً زهاء 2 مليون سائح، يقبلون عليها لاكتشاف معالم المدينة الأثرية التي تعود لفترة زمنية مهمة في تاريخ المكسيك، ستلاحظون عند أول زيارة جمال متاهة الشوارع الملونة بألوان قوس قزح المفرحة، وهي تصطف على قارعة الرصيف جنباً إلى جنب، تزين سماءها أعلام المكسيك المعلقة على بوابات مبانيها الكبيرة، وبيوت ملونة وغنية بتفاصيل معمارية جميلة، تكشف عن جدران مرسومة بشعارات الحرية والإنسانية، يعود تاريخ بنائها للحقبة الاستعمارية، ويظهر صدق تلك الشعارات جلياً في ذلك العدد الهائل من الأساتذة المدرسين، والطلبة الأجانب ينتمون إلى جنسيات وأعراق مختلفة، يلتحقون بسان ميجيل دي أليندي من أجل الدراسة، حيث تتوافر مدارس وجامعات تدرس اللغات الأجنبية، والفنون بمختلف أشكالها.
أجواء هادئة
سيلاحظ الزائر الأجواء الهادئة التي تطغى على الأحياء في أطراف النهار والليل معاً على الرغم من كثرة السياح فيها، لكنّ ذلك الهدوء الجميل وخاصة في قلب هذه المدينة الصغيرة، ربما يعود ذلك للمناخ الطبيعي الساحر الذي يسودها، أو إلى قلة وجود الباعة والمحلات التجارية، ومن يريد اقتناء التذكارات عليه الاتجاه إلى سوق «إيجناسيو راميريس» الكبير والمنظم، ستجدون كلّ ما تحتاجونه في محلات المشغولات اليدوية الموجودة بداخله، ذلك أن المدينة حريصة دائماً على الحفاظ على أصالتها وقداسة المكان الذي مرت به أزمان مختلفة، هذا الذي جعلها تتبوأ عام 2008 صدارة قائمة التراث العالمي لليونسكو باعتبارها إحدى أقدم المدن اللاتينية التي تشربت من التاريخ قدراً كبيراً، وحافظت عليه من دون أن تسمح لأيّ يد مخربة بالوصول إليها. كما نالت في السنوات الأخيرة لقب أجمل الوجهات الريفية للسياحة، وذلك بعد اختيارها على رأس قائمة مجلة «أل فياخي» الإسبانية التي تعنى بمواضيع السفر والمتعة.
كروم العنب
تزين أغلب البيوت في سان ميجيل دي أليندي، كروم العنب، وتتدلى على جدرانها أزهار شجيرات نبات البوجانفيليا الجميلة لتزيد من جمال مظهرها، حيث تستوقف المارة من الزوار والسياح لالتقاط أجمل الصور التذكارية إلى جانبها، وكأنها لوحة فنية مرسومة ومستوحاة من الطبيعة. كلّ هذا يجعل أجواء المدينة أكثر ألفة وحميمية. فأغلب البيوت المترامية فيه، مطرزة برسومات جدارية وفسيفسائية فنية معبرة، في غاية الدقة والروعة، وكأنكم في زيارة لمتحف مفتوح في الهواء الطلق.