#ثقافة وفنون
عبدالرحمن الحميري 7 مايو 2019
في بريدي الإلكتروني تتكدّس آلاف الرسائل التي لا أفتحها، من فنادق وبنوك وجامعات ومكتبات ومطاعم ومواقع تواصل، إضافةً إلى 700 رسالة مكررة من اتصالات، ووسط هذه الأكوام الهائلة تلوح من حينٍ إلى آخر رسالةٌ كومضةٍ خاطفة، أعضّ عليها بالنواجذ ولا أغفر لنفسي إن فوتّها، عنوانها (منارة السعديات)، ويكون موضوعها إعلاناً عن فعاليةٍ ما. في بريدهم الأخير زفّوا إليّ نبأ إقامة مهرجان CINEMAS للأفلام المستقلّة، مع دعوةٍ لحضور العروض، في وقتٍ نتعطّش فيه لأي ملتقى يحتفي بالفن السابع، بعد تلاشي مهرجاناتنا السينمائية واحداً تلو الآخر.
خُصِّص مهرجان CINEMAS لإبراز الأفلام المستقلة، التي لا تُعرض على الأغلب في دور السينما التجارية، ولن تشاهدها إلا في بعض المهرجانات والشبكات الإلكترونية. وهذه الأفلام لا تتبع شركات الإنتاج التي تعطي الأولية للأرباح، وتتميّز بميزانيتها الصغيرة نسبياً، ومحتواها الواقعي البسيط، وموضوعاتها الإنسانية المؤثرة، ويمكن القول إنها مظلومة من ناحية الانتشار. واخترت لكم من CINEMAS فيلمين لهذا المقال: «يوم الدين» من مصر، و«عَمرة والزواج الثاني» من السعودية.
«يوم الدين»
انتظرت هذا الفيلم طويلاً، كنت أتتبع أخباره وهو يجوب العالم وينافس على «جائزة السعفة الذهبية» في «مهرجان كان»، من دون أن أجد سبيلاً للوصول إليه، إلى أن حلّ ضيفاً على مدينتي. يتناول «يوم الدين» قصة (بيشاي) الذي نشأ في مستعمرةٍ للمجذومين بعد أن تركه أبوه فيها حين كان طفلاً ولم يعد إليه. يتعافى بيشاي من الجذام، لكن آثاره تظل باديةً على وجهه، يكسب قوت يومه من جمع بعض الخردوات من القمامة وبيعها بثمنٍ بخس، إلى أن تسلك حياته منعطفاً صعباً بوفاة زوجته التي لا يعرف أهلاً سواها. يقرر بيشاي أن يغادر المستعمرة للمرة الأولى في حياته، وينطلق للبحث عن عائلته في مسقط رأسه (قنا)، راكباً عربة حماره، ويرافقه الصبي اليتيم (أوباما) في رحلةٍ مليئةٍ بالمتاعب والمغامرات. «يوم الدين» من أجمل الأفلام العربية التي شاهدتها، عملٌ ينتصر للإنسانية بعيداً عن كل ما يفرقنا، ويعدّ خير تجسيد لثنائية الألم والأمل، يرضى فيه المنبوذون والفقراء بحالهم، منتظرين «يوم الدين» الذي سيصبح فيه الجميع سواسية. الحزن والكوميديا يسيران في الفيلم جنباً إلى جنب في انسجام وتوازن مثير للإعجاب. واللافت أن مخرج الفيلم، أبو بكر شوقي، منح دور البطولة لشخص كان مجذوماً فعلاً في الواقع، فانعكست هذه الخطوة إيجاباً على الفيلم.
«عَمرة والزواج الثاني»
حين قرأت في كتيّب المهرجان أن صانعي هذا الفيلم السعودي هم أنفسهم صانعو فيلم «بركة يقابل بركة»؛ حجزت تذكرتي على الفور، ليس لأنني شاهدت فيلمهم السابق، بل لأنني فوته ووصلتني الضجة التي أثيرت حوله. يتناول الفيلم قصة (عَمرة)، زوجة وأم لثلاث بنات، حياتها قائمة على العناية بزوجها وأمها وبناتها، وأداء الأعمال المنزلية، والتجارة ببعض المنتجات الغذائية البسيطة. تنقلب حياة عَمرة رأساً على عقب حين يقرر زوجها الارتباط بزوجةٍ ثانية لتمنحه مولوداً ذكراً بعد أن سئم من كونه أباً للبنات فقط، ومن هنا تبدأ معاناة عمرة في تقبلها للقرار وصراعها على أكثر من جبهة، في ظل مجتمع لا يقيم اعتباراً لمشاعرها ويراها لا تصلح إلا للخدمة. مع بداية الفيلم؛ استبشرت خيراً، لكنني سرعان ما غيرت رأيي إذ بدأ كل شيء بالتدهور. لا غبار على القصة، ففي الواقع آلاف القصص المشابهة، لكن كتابتها كانت سطحية، وكأنها مجرد تجميع للصور النمطية من دون معالجة فنية. بعض الحوارات كانت أشبه بخطابات وعظية مباشرة عن بعض القضايا المعاصرة مثل حقوق المرأة. هناك عدم إقناع في بعض الشخصيات، البطلة (عمرة) لديها إمكانات جيدة، لكن النص المتخبط لم يخدمها، ولم يمنحها خلفية ودوافع حقيقية تبرر بها تصرفاتها، فبدت مع بعض الشخصيات الأخرى وكأنهم يفعلون ما يفعلونه فقط لأن أحداً أخبرهم بذلك. المشهد الكارثي في النهاية، حوّل الفيلم إلى عرضٍ هزلي لا يؤخذ بجدية، وأخرجه من ثيمته الواقعية التي ظل يصرّ عليها في أغلب المشاهد. وعلى الرغم من ذلك فالفيلم يحوي بعض اللمحات الإخراجية المميزة، بالإضافة إلى ثقافة المجتمع السعودي وعاداته وتقاليده، وفي كل الأحوال سعدت بمشاهدته.